***البنفسجة...اهداء الى رائحة صباحي المنسية ....
البنفسجة:
اهداء الى رائحة صباحي المنسية ....
كان في حديقة منفردة بنفسجة جميلة الثنايا طيبة العرف تعيش قانعة بين أترابها و تتمايل فرحة بين قامات الأعشاب
ففي صباح و قد تكللت بقطر الندى رفعت رأسها و نظرت حواليها فرأت وردة تتطاول نحو العلاء بقامة هيفاء و رأس يتسامى متشامخاً كأنه شعلة من النار فوق مسرجة من الزمرد
ففتحت البنفسجة ثغرها الأزرق و قالت متنهدة : ما أقل حظي بين الرياحين و ما أوضع مقامي بين الأزهار ! فقد ابتدعتني الطبيعة صغيرة حقيرة أعيش ملتصقة بأديم الأرض و لا
أستطيع أن أرفع قامتي نحو إزرقاق السماء أو أحول وجهي نحو الشمس مثلما تفعل الورود
و سمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة فاهتزت ضاحكة ثم قالت : ما اغباك بين الأزهار فأنت بنعمة تجهلين قيمتها فقد وهبتك الطبيعة من الطيب و الظرف و الجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين فخلي عنك هذه الميول العوجاء و الأماني الشريرة و كوني قنوعا بما قسم لك و اعلمي أن من خفض جناحيه رفع قدره , و إن من طلب المزيد وقع في النقصان
فأجابت البنفسجة قائلة : أنت تعزينني أيتها الوردة لأنك حاصلة على ما أتمناه و تغمرين حقارتي بالحكم لأنك عظيمة و ما أمر مواعظ السعداء في قلوب التاعسين و ما أقسى القوي إذا وقف خطيباً بين الضعفاء !
و سمعت الطبيعة ما دار بين الوردة البنفسجة فاهتزت مستغربة ثم رفعت صوتها قائلة :
ماذا جرى لك يا ابنتي البنفسجة ؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك عذبة بصغرك شريفة بمسكنك فهل استهوتك المطامع القبيحة أم سلبت عقلك العظمة الفارغة ؟
فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل و الاستعطاف :
أيتها الأم العظيمة بجبروتها , الهائلة بحنانها . أضرع إليك بكل ما في قلبي من التوسل , وما في روحي من الرجاء , أن تجيبي طلبي و تجعليني وردة ولو يوماً واحداً .
فقالت الطبيعة : أنت لا تدرين ما تطلبين ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة من البلايا الخفية , فإذا رفعت قامتك و بدلت صورتك وجعلتك وردة تندمين حين لا ينفع الندم .
فقالت البنفسجة : حوّلي كياني البنفسجي إلى وردة مديدة القامة مرفوعة الرأس ... ومهما يحل بي بعد ذلك يكن صنع رغائبي و مطامعي .
فقالت الطبيعة : لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة و لكن إذا دهمتك المصائب و الصاعب فتكن شواك من نفسك .
ومدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية و لمست عروق البنفسجة فتحولت بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار و الرياحين .
ولما جاء عصر ذلك النهار تلبد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار ثم هاجت سواكن الوجود فأبرقت و رعدت و أخذت تحارب تلك الحدائق و البساتين بجيش عرمرم من الأمطار و الأهوية , فكسرت الأغصان و لوت الأنصاب و اقتلعت الأزهار المتشامخة و لم تبق إلا على الرياحين الصغيرة التي تلتصق بالأرض أو تختبئ بين الصخور .
أما تلك الحديقة المنفردة فقد قاست من هياج العناصر ما لم تقسه حديقة أخرى .
فلم تمر العاصفة و نتنقشع الغيوم حتى أصبحت أزهارها هباء منثوراً و لم يسلم منها بعد تلك المعمة الهوجاء سوى طائفة البنفسج المختبئة بجدار الحديقة .
و رفعت إحدى صبايا البنفسج رأسها فرأت ما حل بأزهار الحديقة و أشجارها فابتسمت فرحاً ثم نادت رفيقاتها قائلة : ألا فانظرن ما فعلته العاصفة بالرياحين المتشامخة تيهاً و عجباً .
و قالت بنفسجة أخرى نحن نلتصق بالتراب و لكننا نسلم من غضب العواصف و الأنواء .
و قالت بنفسجة ثالثة : نحن حقيرات الأجسام غير أن الزوابع لا تستطيع التغلب علينا .
و نظرت إذا ذاك مليكة طائفة البنفسج فرأت على مقربة منها الوردة التي كانت بالأمس بنفسجة و قد اقتلعتها العاصفة و بعثرت أوراقها الرياح و ألقتها على الأعشاب المبللة فبانت كقتيل ارداه العدو بسهم .
فرفت مليكة البنفسج قامتها و مدت أوراقها ونادت رفيقاتها قائلة : تأملن و انظرن يا بناتي انظرن إلى البنفسجة التي غرتها المطامع فتحولت إلى وردة لتتشامخ ساعة ثم هبطت إلى الحضيض , ليكن هذا المشهد أمثولة لكنّ .
عندئذ ارتعشت الوردة المحتضرة و استجمعت قواها الخائرة و بصوت متقطع قالت :
ألا فاسمعن أيتها الجاهلات القانعات , الخائفات من العواصف و الأعاصير لقد كنت بالأمس مثلكن أجلس بين أوراقي الخضراء مكتفية بما قسم لي , وقد كان الاكتفاء حاجزاً منيعاً يفصلني عن زوابع الحياة و أهويتها و يجعل كياني محدوداً بما فيه من السلامة متناهياً بما يساوره من الراحة و الطمأنينة ولقد كان بإمكاني أن اعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرني الشتاء بثلوجه و أذهب كمن ذهب قبلي إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف من أسرار الوجود و مخابئه غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض لقد كان بإمكاني الانصراف عن المطامع و الزهد في الأمور التي تعلو بطبيعتها عن طبيعتي ولكني أصغيت في سكينة الليل فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم : إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود , فتمردت نفسي على نفسي و هام وجداني بمقام يعلو عن وجداني و مازلت اتمرد على ذاتي و أتشوق إلى ما ليس لي حتى انقلب تمردي قوة فعالة و استحال شوقي إلى ارداة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة " وما الطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية " أن تحولني إلى وردة ففعلت و طالما غيرت الطبيعة صورها و رسومها بأصابع الميل و التشويق .
و سكتت الوردة هنيهة ثم زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوق :
لقد عشت ساعة كملكة لقد نظرت إلى الكون من وراء عيون الورود , وسمعت همس الأثير بآذان الورود و لمست ثنايا النور بأوراق الورود فهل بينكن من تستطيع أن تدعي شرفي ؟
ثم لوعت عنقها و بصوت يكاد يكون لهاثاً قالت :
أنا أموت الآن أموت و في نفسي ما لم تكنه نفس بنفسجة من قبلي أموت و أنا عالمة بما وراء المحيط المحدود الذي ولدت فيه و هذا هو بيت القصد من الحياة هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام و الليالي .
و أطبقت الورود أوراقها و ارتعشت قليلاً ثم ماتت و على و جهها ابتسامة علوية ابتسامة من حققت الحياة امانيه ابتسامة النصر و التغلب .
مع أجمل وأرق ألأمنيات.
بوح الروح روائع جبران خليل جبران
البنفسجة:
اهداء الى رائحة صباحي المنسية ....
كان في حديقة منفردة بنفسجة جميلة الثنايا طيبة العرف تعيش قانعة بين أترابها و تتمايل فرحة بين قامات الأعشاب
ففي صباح و قد تكللت بقطر الندى رفعت رأسها و نظرت حواليها فرأت وردة تتطاول نحو العلاء بقامة هيفاء و رأس يتسامى متشامخاً كأنه شعلة من النار فوق مسرجة من الزمرد
ففتحت البنفسجة ثغرها الأزرق و قالت متنهدة : ما أقل حظي بين الرياحين و ما أوضع مقامي بين الأزهار ! فقد ابتدعتني الطبيعة صغيرة حقيرة أعيش ملتصقة بأديم الأرض و لا
أستطيع أن أرفع قامتي نحو إزرقاق السماء أو أحول وجهي نحو الشمس مثلما تفعل الورود
و سمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة فاهتزت ضاحكة ثم قالت : ما اغباك بين الأزهار فأنت بنعمة تجهلين قيمتها فقد وهبتك الطبيعة من الطيب و الظرف و الجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين فخلي عنك هذه الميول العوجاء و الأماني الشريرة و كوني قنوعا بما قسم لك و اعلمي أن من خفض جناحيه رفع قدره , و إن من طلب المزيد وقع في النقصان
فأجابت البنفسجة قائلة : أنت تعزينني أيتها الوردة لأنك حاصلة على ما أتمناه و تغمرين حقارتي بالحكم لأنك عظيمة و ما أمر مواعظ السعداء في قلوب التاعسين و ما أقسى القوي إذا وقف خطيباً بين الضعفاء !
و سمعت الطبيعة ما دار بين الوردة البنفسجة فاهتزت مستغربة ثم رفعت صوتها قائلة :
ماذا جرى لك يا ابنتي البنفسجة ؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك عذبة بصغرك شريفة بمسكنك فهل استهوتك المطامع القبيحة أم سلبت عقلك العظمة الفارغة ؟
فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل و الاستعطاف :
أيتها الأم العظيمة بجبروتها , الهائلة بحنانها . أضرع إليك بكل ما في قلبي من التوسل , وما في روحي من الرجاء , أن تجيبي طلبي و تجعليني وردة ولو يوماً واحداً .
فقالت الطبيعة : أنت لا تدرين ما تطلبين ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة من البلايا الخفية , فإذا رفعت قامتك و بدلت صورتك وجعلتك وردة تندمين حين لا ينفع الندم .
فقالت البنفسجة : حوّلي كياني البنفسجي إلى وردة مديدة القامة مرفوعة الرأس ... ومهما يحل بي بعد ذلك يكن صنع رغائبي و مطامعي .
فقالت الطبيعة : لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة و لكن إذا دهمتك المصائب و الصاعب فتكن شواك من نفسك .
ومدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية و لمست عروق البنفسجة فتحولت بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار و الرياحين .
ولما جاء عصر ذلك النهار تلبد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار ثم هاجت سواكن الوجود فأبرقت و رعدت و أخذت تحارب تلك الحدائق و البساتين بجيش عرمرم من الأمطار و الأهوية , فكسرت الأغصان و لوت الأنصاب و اقتلعت الأزهار المتشامخة و لم تبق إلا على الرياحين الصغيرة التي تلتصق بالأرض أو تختبئ بين الصخور .
أما تلك الحديقة المنفردة فقد قاست من هياج العناصر ما لم تقسه حديقة أخرى .
فلم تمر العاصفة و نتنقشع الغيوم حتى أصبحت أزهارها هباء منثوراً و لم يسلم منها بعد تلك المعمة الهوجاء سوى طائفة البنفسج المختبئة بجدار الحديقة .
و رفعت إحدى صبايا البنفسج رأسها فرأت ما حل بأزهار الحديقة و أشجارها فابتسمت فرحاً ثم نادت رفيقاتها قائلة : ألا فانظرن ما فعلته العاصفة بالرياحين المتشامخة تيهاً و عجباً .
و قالت بنفسجة أخرى نحن نلتصق بالتراب و لكننا نسلم من غضب العواصف و الأنواء .
و قالت بنفسجة ثالثة : نحن حقيرات الأجسام غير أن الزوابع لا تستطيع التغلب علينا .
و نظرت إذا ذاك مليكة طائفة البنفسج فرأت على مقربة منها الوردة التي كانت بالأمس بنفسجة و قد اقتلعتها العاصفة و بعثرت أوراقها الرياح و ألقتها على الأعشاب المبللة فبانت كقتيل ارداه العدو بسهم .
فرفت مليكة البنفسج قامتها و مدت أوراقها ونادت رفيقاتها قائلة : تأملن و انظرن يا بناتي انظرن إلى البنفسجة التي غرتها المطامع فتحولت إلى وردة لتتشامخ ساعة ثم هبطت إلى الحضيض , ليكن هذا المشهد أمثولة لكنّ .
عندئذ ارتعشت الوردة المحتضرة و استجمعت قواها الخائرة و بصوت متقطع قالت :
ألا فاسمعن أيتها الجاهلات القانعات , الخائفات من العواصف و الأعاصير لقد كنت بالأمس مثلكن أجلس بين أوراقي الخضراء مكتفية بما قسم لي , وقد كان الاكتفاء حاجزاً منيعاً يفصلني عن زوابع الحياة و أهويتها و يجعل كياني محدوداً بما فيه من السلامة متناهياً بما يساوره من الراحة و الطمأنينة ولقد كان بإمكاني أن اعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرني الشتاء بثلوجه و أذهب كمن ذهب قبلي إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف من أسرار الوجود و مخابئه غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض لقد كان بإمكاني الانصراف عن المطامع و الزهد في الأمور التي تعلو بطبيعتها عن طبيعتي ولكني أصغيت في سكينة الليل فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم : إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود , فتمردت نفسي على نفسي و هام وجداني بمقام يعلو عن وجداني و مازلت اتمرد على ذاتي و أتشوق إلى ما ليس لي حتى انقلب تمردي قوة فعالة و استحال شوقي إلى ارداة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة " وما الطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية " أن تحولني إلى وردة ففعلت و طالما غيرت الطبيعة صورها و رسومها بأصابع الميل و التشويق .
و سكتت الوردة هنيهة ثم زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوق :
لقد عشت ساعة كملكة لقد نظرت إلى الكون من وراء عيون الورود , وسمعت همس الأثير بآذان الورود و لمست ثنايا النور بأوراق الورود فهل بينكن من تستطيع أن تدعي شرفي ؟
ثم لوعت عنقها و بصوت يكاد يكون لهاثاً قالت :
أنا أموت الآن أموت و في نفسي ما لم تكنه نفس بنفسجة من قبلي أموت و أنا عالمة بما وراء المحيط المحدود الذي ولدت فيه و هذا هو بيت القصد من الحياة هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام و الليالي .
و أطبقت الورود أوراقها و ارتعشت قليلاً ثم ماتت و على و جهها ابتسامة علوية ابتسامة من حققت الحياة امانيه ابتسامة النصر و التغلب .
مع أجمل وأرق ألأمنيات.
بوح الروح روائع جبران خليل جبران
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح