الفرق بين العلم القدسي والعلم العلماني الجزء الاول
1ـ المقدمة :
« قُدرةٌ وسطوةٌ، أو كائنٌ و وجودٌ، أو حیّزٌ ونطاق إتَّخـَذَهُ عددٌ من المتدینین فی قلب وبؤرة الوجود، ولهُ فعالیة ووقع على حیاتهم ومقدراتهم ومصیرهم ».
أمّا من وجهة النظر الاسلامیة فهو كُلّ أمرٍ متَّجهٍ الى ا… سبحانه وتعالى. إذاً اصطلاح «مُقدّس» حسب المعتقدات والمبادیء والاُصول یُستفاد منه فی الإشارة الى الخالق جلَّ وعلا. ویطلق هذا الاصطلاح جوازاً على ما یتناسب دوره فی التعرّف على ربِّ الكائنات سبحانه. وبناءً على ذلك یمكن استعماله فی المعارف الّتی تؤدی الى التقرّب من ا… جلَّ وعلا. ومن هذا المنطلق سنحاول تبیین صفات «العلم القدسی» الممیّزة.
2ـ الاسلام والمعرفة :
تستخدم كلمة (علم) ومشتقاتها بصورة مستمرة فی القرآن. ویُقصد بها المعرفة فی معناها العام حیث تشمل العلوم الطبیعیة والبشریة.
«وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِیُحْصِنَكُم مِنْ بأسِكُم » (الانبیاء/ 80)
ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا یَنْبَغِی لهُ… » (یس/ 69)
«فَوَجَدا عَبْدَاً مِنْ عَبِادِنَا آتِیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً » (الكهف/65)
«وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمْ وَلاَ یَنْفَعُهُمْ… » (البقرة/ 102)
«یَرْفَعُ اللّهُ الَّذینَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة/ 11)
ویحث التراث الاسلامی على المعرفة والتعلم ویكیل لها المدح والثناء وهناك الكثیر من الامثلة التی تعبر عن ذلك من خلال الاحادیث النبویة الشریفة حیث یشجع الرسول الاعظم صلىاللهعلیهوآلهوسلم على طلب العلم والمعرفة:
(طَلَبُ الْعِلْم فَریضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ)(1)
(أُطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بالصِّینِ)(2)
وهكذا فان طلب العلم واجب دینی من وجهة النظر الاسلامیة ولا تشیر الاحادیث النبویة الشریفة الى التقید بالعلوم الدینیة فقط وإنما المعرفة بصورة عامة والصین لیس المكان المناسب لمعرفة التعالیم الاسلامیة. هناك على أی حال شیء من التقید على نوع المعرفة التی یوصی بها الاسلام. ینتقد القرآن الكریم اولئك الذین یبحثون عن نوع من العلوم والمعرفة والتی لا تنفع صاحبها او الآخرین.
«وَیَتَعلّمُونَ مَا یَضُرُّهُمْ وَلاَ یَنْفَعُهُمْ» (البقرة/ 102)
یشیر الرسول الى نفس النقطة حیث یقول صلىاللهعلیهوآلهوسلم :
سلوا اللّه علماً نافعاً وتعوذوا باللّهِ مِنْ علمٍ لا ینفع.(3)
هنا لم تستخدم كلمة (نافعاً) فی معناها المجرد (ای القائل بمذهب المنفعة) لتوضیح هذه النقطة یجب ان نشیر الى الفكر الاسلامی للحیاة الانسانیة. وفقاً للقرآن الكریم.
خُلِقَ الانسانُ لیعبدَ اللّه عزوجل:
«وَمَا خَلَقْتُ الَجِنّ والإنْسَ إلاّ لیَعْبُدُونِ » (الذاریات/ 56)؛ العبارة (عبادة) تعنی المفاهیم الضمنیة من وجهة نظر الاسلام والتی تشیر الى الاعمال التی ترضی الخالق وهی غیر محددة كما یسیء فهمها بعض الناس حیث یتصور البعض بانها فقط الصلاة والصوم وبعض الأمور الاخرى. فعلى سبیل المثال فان أی خدمة تقدم من مسلم لأخیه المسلم تعتبر بمثابة نوع من العبادة. وللعبادة بعدین: الایمان باللّه. وما یوضحه اللّه من خلال انبیائه وانجاز الاعمال الخیرة.
«وَأمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى…» (الكهف/ 88)
وهب اللّه عزوجل الانسان الحواس والقدرات الضروریة الاخرى للتعلم كی یتمكن انجاز ما یطلب منهم.
«واللّهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمهاتِكُمْ لا تَعْلَمُون شیئاً وَجعَلَ لكُمْ السَّمْعَ والأبْصَارَ والأفْئِدَةَ لعلَكُمْ تَشْكُرُونَ » (النحل/ 78)
بالاضافة الى ذلك فلقد زود اللّه البشر بالمستلزمات الضروریة لكی یستفیدوا من دورهم كخلفاء اللّه فی الارض.
«وَهُوَ الَّذی سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحماً طَریّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حُلیةً تلبسُونَهَا وَتَرَى فی الفُلْكِ مَوَاخِرَ فِیْهِ ولتبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعلَّكُم تَشكُرُونَ » (النحل/ 14)
ونصح الانسان ایضاً بان یستفید بصورة صحیحة من نِعم اللّه ویتجنب أی نوع من الفساد والمعاصی على الارض.
«وَاحْسِنْ كَمَا أحْسَنَ اللّهُ الیْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فی الأرْضِ إنَّ اللّهَ لا یُحْبُ المُفْسِدِینَ » (القصص/ 77)
الحقیقة أنَّ البشر مدعوون الى الاستفادة من نعم اللّه بصورة تجعلهم یتسابقون فی أعمال الخیر.
«اِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِیْنَةً لها لِنَبْلُوَهُمْ أیُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلاً » (الكهف/ 7)
وهكذا فان المعرفة المفیدة هی نوع من المعرفة التی تتمحور حول اللّه لتوجیه البشر بصورة نظریة وعملیة. وهذا یمكن تضمینه اذا تأطرت المعرفة من خلال وجهة النظر التوحیدیة الصحیحة العامة، فی المحیط الاسلامی حیث توفر الآراء الاسلامیة العامة مثل هذا الأطار. فی هذا البحث، نعرف المعرفة والعلوم الدینیة كنوع من العلم او المعرفة التی تؤطر من خلال وجهة النظر التوحیدیة للاسلام، حیث تختلف المعرفة الدینیة عن المعرفة الدنیویة من ناحیة الاهداف والافكار والمفاهیم الفرضیة الفلسفیة.
«كلُّ ذلك یتمركز ویتمحور حول اللّه ومن المفترض ان یؤدی بالنتیجة إلیه».
3ـ الاسلام وعلوم الطبیعة :
یشیر القرآن الكریم الى المظاهر الطبیعیة كدلائل وعلامات لوجود اللّه ویوصی القرآن ایضاً بدراسة المظاهر الطبیعیة المختلفة كسبیل لمعرفة الخالق وعبادته.
«ومِنْ آیاتِهِ خلقُ السمواتِ والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم إنَّ فی ذلك لآیات للعالمین » (الروم/ 22)
«قُلْ أنظروا مَاذَا فی السمواتِ والأرضِ…» (یونس/ 101)
«قُلْ سِیرُوا فی الأرْضِ فانْظُرُوا كیفَ بَدَأَ الخلقَ…» (العنكبوت/ 20)
تعتبر التعالیم الاسلامیة التأمل فی صنع اللّهِ للكونِ من أفضل النماذج لعبادة اللّه. ویُنقل عن الامام علی علیهالسلام قوله:
لا عبادة كالتفكیر فی صنعة اللّه عزوجل(4)
من وجهة النظر القرآنیة، الهدف من دراسة المظاهر الطبیعیة لیست الطبیعة بذاتها بل من المفروض أنْ تؤدی بالنتیجة الى تقریب الانسان الى الخالق عزوجل.
أعتقد العلماء المسلمون فی الماضی بأن الحكمة الالهیة تنعكس على خلقه وهذا المفهوم یوضحه احد العلماء الاعلام فی الاسلام فی القرن الحادی عشر (البیرونی)، حیثُ قالَ: عندما یقرر شخص ما أن یفرض بین الحقیقة والباطل یجب علیه ان یدرس الكون ویكتشف فیما اذا كان أبدیّ أو مختلق.
إذا اعتقد شخص ما بانه لا یحتاج الى هذا النوع من المعرفة، انه على أی حال بحاجة الى التفكیر والتأمل حول القوانین التی تحكم العالم جزئیاً أو كلیاً وهذا بدوره یؤدی الى معرفة الحقیقة حول القوانین وبالتالى یُمهد الطریق لمعرفة خالق الكون سبحانه. وهذا بالواقع نوع من الحقیقة التی یَأمُرُ اللّهُ عبادَهُ العلماء بالبحث عنها واللّهُ ینطقُ بالحقِ عندما یقولُ
«رَبَّنّا مَا خَلَقْتَ هَذّا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » (آل عمران/ 191)
تحتوی هذه الآیة على ما شرحناه بالتفصیل واذا عمل الانسان وفقاً لذلك، فان ذلك سیُقربه الى جمیع فروع العلوم والمعرفة والادراك.(5)
یسعى الكثیر من مؤسسی العلوم الحدیثة الى دراسة المظاهر الطبیعیة كوسیلة لفهم الكون لا كوسیلة للتقرب الى اللّه تعالى، وذلك من أجل اشباع رغباتهم الخاصة كما اقر بویل:
عندما أمعن بدقة (من خلال المنظار) الأجرام السماویة المكتشفة قدیماً وحدیثاً وعندما الاحظ بدقة عالیة طبیعة الانسان فی براعة عمله وصنعه. كما درست كتاب الطبیعة بدقة وبمساعدة سكاكین التشریح ورأیت النور المنبعث من الأفران الكیمیاویة. عندئذ وجدت نفسی أهتف مردداً ترنیمة داود یا الهی ما هذا التنوع فی عملك وصنعك كل ذلك خلقته بحكمتك وجلالك المبارك.
4ـ بعض العناصر المهمة للمنظر العالمی الاسلامی :
المنظر العالمی هو الاطار الذی من خلاله یحدث أثر ملائم فی تشغیل عقولنا. ویتضمن ذلك الفرضیات التجریدیة والنظریة حول اللّه والكون والانسان. ویؤثر الفكر العالمی على قراراتنا واسبقیاتنا وقیمنا وأهدافنا وهذا یعید افكارنا الى وعیها ووحدتها التامة. هنا سنذكر عناصر المنظر الاسلامی العالمی التی تؤثر على المعرفة بصورة عامة وعلى العلوم الطبیعیة بصورة خاصة.
1ـ التوحید :
من ابرز المفاهیم الأساسسیة السائدة فی الاسلام هی فكرة التوحید وتتضمن وحدة الخلق، یعنی العلاقات المتبادلة لجمیع أجزاء العالم، وهذا بدوره یتضمن وحدة المعرفة. وهكذا فانَّ هدف العمل العلمی هو اظهار وتوضیح الوحدة الاساسیة للعالم المخلوق. وهذا یعنی بأن تركیبة مختلف الانظمة العلمیة یجب ان تتجانس لاعطاء الصورة المتناسقة للعالم. وطبقاً للقرآن الكریم فان وحدة الكون هی انعكاس لوحدة الخالق.
«لَوْ كَانَ فِیهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا…» (الانبیاء/ 22)
وهكذا، فان التأمل حول وحدة الكون یقودنا الى الاستدلال على وحدة الخالق، وقد تجادل الفلاسفة المسلمون حول وحدة الكون الدالة على وجود الخالق، كما قال الملاصدرا:
«ارتباط الموجودات بعضها ببعض على الرصف الحقیقى والنظم الحكمى دال على انّ مبدعها واحد محض. وكما انّ كل واحد من اعضاء الشخص الواحد الانسانی وان وجد ممتازاً عن غیره من الاعضاء بحسب الطبیعة، لكن كونها مؤتلفة تألیفاً طبیعیاً مرتبط بعضها ببعض، منتفع بعضها عن بعض، منتظمة فی رباط واحد، تدّل على انّ مدّبرها وممسكها عن الانحلال قوة واحدة ومبدأ واحد. فكذلك الحال فی اجسام العالم وقواها. فان كونها مع انفصال بعضها عن بعض وتفرّد كل منها بطبیعة خاصة وفعل خاص یمتاز به عن غیره مرتبطة منتظمة فی رباط واحد مؤتلفة ائتلافاً طبیعیاً، یدل على ان مبدعها ومدبرها وممسك رباطها عن ان ینفصم واحد حقیقی یقیمها بقوته التی «یمسك السموات والارض ان تزولا. إذ لو كان فیهما صانعان لتمیّز صنع كل واحد منهما عن صنع غیره، فكان ینقطع الإرتباط، فیختل النظام».(7)
وبسبب تأثیر التعالیم القرآنیة فقد أكد العلماء المسلمون الكلاسیكیون على الارتباط العضوی لمختلف فروع المعرفة وحاولوا ان یطوقوا باحكام جمیع المعرفة المستوردة من خلال التمحور والتمركز حول الذات الالهیّة. على امتداد التاریخ الاسلامی؛ وكان هناك جهد ثابت لایجاد انسجام ووحدة خلف التعددیة الواضحة للنظام الطبیعی، وحاول العلماء والفلاسفة فی جمیع العصور ان یظهروا الصورة الموحدة للعالم.
استمر البحث والتحقیق حول التوحید فی زمن الاغریق حتى الفترة المعاصرة من عصرنا الحالی وشاهدنا الجهد المبذول من قبل علماء الفیزیاء والطبیعة النظریین من أجل توحید القوى الاساسیة للكون ولكن بالنسبة لعلماء الفیزیاء المعاصرین فان توحید القوى والوصول الى الجانب النظری لكل شیء وهذا یعنی نهایة الاسطورة ولكن بالنسبة للعلماء المؤمنین هی الخطوة الاولى فی البحث والتحقیق حول الخالق والحافظ لهذا الكون المناسق.
«إنَّ فی خَلْق السَّمَواتِ والارضِ واختلاف اللیل والنهار لآیات لاولی الألباب، الذینَ یذكرونَ اللّهَ قیاماً وقعوداً وعلى جنوبهم ویتفكّرون فی خلق السمواتِ والارضِ، رَبَّنَا ما خَلقْتَ هَذا باطِلاً…» (آل عمران/ 191-190).
الفكرة الاتحادیة حول النظام البدیع كان أمراً شاقاً بین العلماء المسلمین المشهورین السابقین وهكذا فان العلماء عجزوا من تعزیز ورقی بعض مجالات المعارف على حساب المجالات الاخرى. فی عصرنا الحالی، على أیّ حال، هناك صعوبة لای حوار بین علوم الطبیعة والعلوم الانسانیة وأدى التخصص الى تشتت المعرفة وهذا بدوره منع المتعلمین من الحصول على صورة موحدة للعالم المادی وضیق سلسلة البحث والتقصی.
وقد شرح هایزنبرغ هذه النقطة بصورة جمیلة: «الیوم زهو العالم وكبریاؤهُ وحبه للتفاصیل والاكتشاف والبحث وتنظیم الاجزاء الصغیرة الظاهرة فی الطبیعة من خلال مجال مطوق وضیق وهذا یعزز بصورة طبیعیة التقدیر والاحترام العالی للحرفی فی موضوع خاص، والباحث على حساب وادراك وقیمة العلاقات المتبادلة على نطاق واسع خلال هذه الفترة كما نستطیع أن نتكلم بصعوبة عن الفكرة الموحدة للطبیعة على الاقل فیما یخص المحتوى. الدنیا بالنسبة للعالِمِ الفذِّ هی جزء ضیق من الكون والتی كرس حیاته وعمله من أجلها.»(
فی عصرنا الحالی لا خیار للعلماء غیر التخصص والتخصص فی حدّ ذاته لیس مشكلة، ومایشعرنا بالحزن والأسى هو خسارة العالم للصورة الموحدة للكون والتعمیم غیر المضمون للاختصاص فی مجال الخاص فی البحث الى الحقول الاخرى، والتوجه الى الدراسات المتمیزة بالانضباط والتی اصبحت شاقة وصعبة فی هذه الایام تصعف بهذه المشكلة.
2ـ الاعتقاد فی الحقائق فوق الطبیعیة وقصور المعرفة الانسانیة :
وفقاً للقرآن الكریم فان المصادر الخارجیة هی ضروریة لمعرفة الكون، ولكن من وجهة نظر القرآن، الحقائق الحسیّة غیر كافیة لادراك الكون. وجمیع ما یحصل من حواسنا علیه هی نماذج أو أجزاء منفصلة تستطیع عقولنا فقط ان تربط هذه الاجزاء مع بعضها كما یفسر لنا شوماخر E.F.Schumacher بصورة رائعة :
«نحن ببساطة لا نرى فقط بأعیننا ولكن نرى أیضاً مع جزء كبیر من مؤهلات عقولنا وبما أنَّ هذه المؤهلات العقلیة تتباین بصورة شاسعة من شخص لآخر فان هناك اشیاء كثیرة من المتعذر اغفالها وذلك لانَّ بعض الأشخاص یستطیعون فهم الاشیاء وادراكها بینما الآخرون یتعذر علیهم ذلك وما نراه مناسباً وملائماً لبعض الافراد لا نراه كذلك للآخرین.»(9)
هناك بعض الناس یمتلكون أحاسیس منتظمة ولكنهم لا یستطیعون ربط أفكارهم وملاحظاتهم بحیث یعكسوا ذلك على احاسیسهم وعقولهم.
«لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها…» (الاعراف/ 179)
بالاضافة الى ما ذكر یوجد هناك فی العالم حقائق لا نستطیع أنْ نستوعب أی معلومات عنها من خلال الاحاسیس الخارجیة.
«سُبْحَانَ الّذِی خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبُتُ الأرْضُ وَمِنْ أنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ یَعْلَمُونَ…» (یس/ 36)
«وللّهِ غَیْبُ السَّمواتِ والأرْضِ…» (هود/ 123)
فی الواقع یذكر القرآن الكریم عالمین، عالم الغیب وعالم الشهادة. معرفتنا بعالم الغیب یمكن الحصول علیها فقط من خلال الوحی.
«قُلْ لا أقُولُ لكُمْ عِنْدِی خَزَائِنُ اللّهِ وَلاَ أعْلَمُ الغَیْبَ وَلاَ أقُولُ لكُمْ إنّی مَلَكٌ اِنْ أتَّبِعَ إلاَّ ما یُوحَى إلَیَّ…» (الانعام/ 50)
باختصار لیس جمیع المعلومات حول الكون هى متجذرة حسّیّاً بل هناك الكثیر من الحقائق فی الكون لا نملك أی وسیلة للوصول او الاقتراب الیها.
یشیر الاعتقاد بتحدید المعرفة الانسانیة ووجود الحقائق فوق الطبیعیة باننا یجب ان لا نتوقف على مستوى الحقائق الحسیة ولا نزعم بصورة مطلقة بأننا وصلنا الى ادراك تام الى جمیع المظاهر الطبیعیة فی وقت محدد.
فی المادیة المعاصرة تلزم بعض النظریات الاشیاء التی هی من حیث المبدأ لا یمكن ملاحظتها. نستشهد بقضیة ذات أبعاد أضافیة من خلال نظریة ممتازة:
وفقاً للقرآن الكریم، فلقد منح الانبیاء ذهنیة خاصة تمكنهم من تصور بعض الحقائق المحجوبة عن عامة البشر، التعالیم النبویة تعتبر جوهریة لقیادة السلوك البشری ولتوسیع الرؤیا الانسانیة للحقائق الموجودة.
3ـ الاعتقاد فی الكون الهادف :
من وجهة النظر القرآنیة فان اللّه عزوجل خلق كل شیء بمقیاس ومیزان ورَسَمَ لهذا الخلق نهایات.
«وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا بِاطِلاً…» (ص/ 27)
یتحدث القرآن عن الانطباع والهدف والاتجاه من خلق الكون.
«قَالَ ربُّنَا الّذِی أعْطَى كُلَّ شیءٍ خَلْقَهُ ثم هَدَى » (طه/ 50)
الشعور الموجه هو بالاحرى واضح وجلی فی المجال الانسانی ولكن من السذاجة ان ننكرها من أجل انواع اخرى موجودة فقط على اسس معرفتنا الحالیة للعالم المادی. الفكرة القرآنیة لنهایات الكون مرتبطة بواسطة الفكرة الاخرویة حیث یلتقی كل شیء فى مكانه الصحیح والمناسب ویشعر المؤمن بوجود اللّه. سیكون كل ما خلق عبثاً من دون وجود الحیاة الاخرى (القیامة).
«أفَحَسِبْتُم إنَّمَا خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وإنكُمْ إلَیْنَا لا تَرْجَعُونَ» (المؤمنین/ 115)
«أوَلَمْ یَتَفَكَّرُوا فی أنفُسِهِم مَا خَلَقَ اللّهُ السَّمواتِ والارْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا إلاّ بِالْحَقِّ وَأجَلٍ مُسَمَّى وانّ كثیراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ » (الروم/
ـ الالتزام والتعهد بالقیم الاخلاقیة :
یعتبر القرآن الكریم الالتزام بالقیم الخلقیة واحدة من الاهداف الرئیسیة للرسالة النبویة.
«هُوَ الّذی بَعَثَ فی الامیینَ رَسُولاً مِنْهُم یَتْلُوا عَلَیْهِم آیَاتِهِ ویُزَكِّیهم وَیُعَلِّمُهُم الكتابَ والحكمة وإنْ كَانُوا مِن قبلُ لَفِی ضَلاَلٍ مُبینٍ» (الجمعة/ 2)
وقول الرسول الاعظم صلىاللهعلیهوآلهوسلم یصب فی نفس المجرى.
إنی بُعِثتُ لأُتمم مكارمَ الاخلاقِ.(10)
وما یأمله الاسلام من المسلمین هو الالتزام التام بالقیم الاخلاقیة فی جمیع مراحل حیاته ومن وجهة النظر الاسلامیة فان التعلیم العلمی یجب ان یكون مرتبطاً بالتعالیم الاخلاقیة وهذا یوجب علینا ان نشجع الاهتمام الخلقی والشعور بالمسؤولیة.
بعض النقاط الاساسیة التی تخص العلوم القدسیة.
مفاهیم العلوم القدسیة والعلوم العلمانیة هی مفاهیم محیرة وغامضة بالنسبة لجمیع الأدیان والایدیولوجیات. العلم والدین (او الایدیولوجیة) مجالین مستقلین بالنسبة للإهتمام الانسانی ولا فائدة من الكلام عن العلوم الغربیة او العلوم القدسیة. حیث تتصف العلوم بمنهجیة واضحة وشاملة وتتألف من الاختبار العلمی وقوة الملاحظة والأعمال النظریة. ویعتبر كلّ ذلك شامل وعام بحیث لا یترك المجال لمختلف أنواع العلوم.
هذا الفهم الساذج للعلم والأعمال العلمیة نابع من إهمال وتحدید العلوم والدور الذی یلعبه الفلاسفة والایدیولوجیون فى العلوم. ومن المعتقد بأن ما تعلمناه تحت رایة العلم هو حقیقة علمیة متجذرة فی حقیقتها الموضوعیة.
من وجهة نظرنا لا یمكن ان نفصل العلوم عن القیم بصورة كاملة والاعمال العلمیة مثقلة بالمفاهیم الفلسفیة الدینیة ضمناً. حیث تلعب المیتافیزیقیا دوراً مهماً فی مستویات جمیع الانشطة العلمیة بالرغم من حدوث ذلك بصورة لاشعوریة، ومن البساطة ان نظن بأنَّ التعهدات الفلسفیة والایدیولجیة لا تدخل ضمن البنیة العلمیة.
1ـ اسطورة القیم والنشاط العلمی العدیم القیمة :
من الطبیعی القول بأن العلوم هی دراسة صحیحة للطبیعة والاخلاق والى حد ما قواعد السلوك والتی تمثل مجالین مستقلین للاهتمام الانسانی. نستطیع الاعتراف بان الفرد لا یمكن له أن یشتق بصورة مباشرة التعابیر الحاویة للقیم الاخلاقیة من التعابیر الواقعیة. لكن نعتقد بان هذین النوعین من التعابیر مرتبطان معاً على المستوى المیتافیزیقی والعملى وهما یلتقیان على المستوى المیتافیزیقى لان أی وجهة نظر عامة للفرد یمكن ان یؤثر على ای شىء یعمله. وبهذه الطریقة نستطیع ان نمدَّ جسراً یربط بین الحقائق والقیم بالاضافة لارتباطها على المستوى العملی ولان جمیع المشاریع العلمیة ملزمة بالاحكام القیمة فی اختیار النظریات وفی تطبیقات العلوم وفی النتائج التكنولوجیة.
(يتبع الجزء الثاني )
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح