الله و الكون المعقد
يقول :جون وليم كلونس عالم في الوراثة ـ حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بيتسبرج أستاذ علم الأحياء و الفسيولوجيا بكلية المعلمين بكلونكورديا منذ 1945ـ عضو جمعية الدراسات الوراثة ـ مختص في الوراثة و علم البيئة .
عندما حاولت أن أكتب في هذا الموضوع جالت بخاطري حكمتان قديمتان من الحكم المقدسة و هما :
" السماوات تشهد بجلال الله ، و إحكامها يدل على بديع صنعه ".
" يقول الأحمق في نفسه : ليس هناك غله " .
إن هذا العالم الذي نعيش فيه بلغ من الإتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشا بمحض الصدفة . إنه مليء بالروائع و الأمور التي تحتاج إلى مدبر ، و التي يمكن نسبتها إلى قدر أعمى . و لا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم و تقدير ظواهر هذا الكون المعقد . و هي بذلك من معرفتنا بالله و من إيماننا بوجوده .
و من التعقيدات الطريفة في هذا الكون ، ما نشاهده من العلاقات التوافقية الاضطرارية بين الأشياء أحياناً ؟ و من أمثلتها العلاقات الموجودة بين فراش اليوكاونيا و نبات اليوكا و هو أحد النباتات الزنبقية . فزهرة اليوكا تتدلى غلى أسفل و يكون عضو التأنيث فيها أكثر انخفاضاً عن عضوا التذكير أو السداة . أما الميسم و هو الجزء من الزهور الذي يتلقى حبوب اللقاح ، فإنه على شكل الكأس . و هو موضوع بطريقة يستحيل معها أن تسقط معها فيه حبوب اللقاح .
و لابد أن تنتقل هذه الحبوب بواسطة فراشة اليوكا التي تبدأ عمليها بعد مغيب الشمس بقليل ، فتجمع كمية من حبوب اللقاح من الأزهار التي تزورها و تحفظها في فمها الذي بني بطرقة خاصة لأداء هذا العمل . ثم تطير الفراشة إلى نبات آخر من نفس النوع و تثقب مبيضها بجهاز خاص في مؤخرة جسمها ، ينتهي بطرف مدبب يشبه الإبرة و ينزل منه البيض . و تضع الفراشة بيضة أو أكثر ثم تزحف إلى أسفل الزهرة حتى تصل إلى القلم ، و هناك تترك ما جمعته من حبوب اللقاح على صورة كرة فوق ميسم الزهرة . و ينتج عدداً كبيراً من الحبوب يستخدم بعضها طعاماً ليرقة الفراشة و ينضج بعضها لكي يواصل دورة الحياة .
و هناك علاقة مشابهة بين نبات التين و مجموعة من الزنابير الصغيرة و ينتج هذا النبات عين من مجموعات الأزهار يحتوي أحدهما على الأزهار المذكرة و المؤنثة معا . أما الآخر فجميع أزهاره مؤنثة . و يقوم بتلقيح الأزهار المؤنثة في كلا النوعين السابقين إناث الزنابير . و تكون فتحة التخت الذي يحمل مجموعات الأزهار في كلا النوعين ضيقة إلى حد كبير بسبب إحاطتها بكثير من الأوراق الحرشفية مما يجعل وصول الحشرة إلى الداخل يتم بصعوبة كبيرة و يؤدي إلى تمزق أجنحتها . و عندما تدخل الحشرة إلى المجموعة التي تشتمل على الأزهار الذكرية و الأنثوية ، تضع الحشرة الأنثى بيضها ثم تموت ثم يفقس البيض و تتزاوج الشفافير الصغيرة الناتجة ، و لا يستطيع أن يخرج منها سوى الإناث ،أما الذكور فتموت ، و قبل أن تخرج الإناث تلتصق هبوات اللقاح بأجسامها فتحملها إلى مجموعات جديدة من الأزهار . فإذا كانت المجموعات الجيدة تشتمل على أزهار ذكور وأخرى إناث ، فإن العلمية تتكرر بالصورة السابقة ، اما إذا اشتملت المجموعة على أزهار إناث فقط ، فإن الفراشة تموت دون أن تضع البيوض .
ففي هذه الحالة تكون الأزهار الإناث على درجة من الطول بحيث لا تستطيع أن تصل الحشرات إلى قاعدتها لكي تضع البيض هناك ، و عندما تحاول الحشرات أن تصل إلى هذه القاعدة العميقة دون جدوى تلقح الأزهار بما تحمله من هبوات اللقاح ، ثم تنضج الأزهار و تكون ثمار التين . و عندما أدخل التين إلى الولايات المتحدة لأول مرة لم يكن ينتج ثماراً و لم يمكن إنتاج الثمار و قيام و صناعة التين إلا بعد أن جلبت الشفافير إلى اولايات المتحدة .
و هناك كثير من الأزهار التي تسجن الحشرات داخلا ن ومن أمثلتها الزهرة المسات " جاك المصورة " JACK IN THE PULPIT . و لهذا النبات نوعان من المجموعات الزهرية ، ذكور و إناث . و هي تتكون داخل مقصورات تضيق عند منتصفها . و يتم التلقيح بواسطة ذبابة دقيقة تدخل إلى المقصورة ولا تكاد تجتاذ المنطقة الضيقة الوسطى حتى تجد نفسها سجينة ن ليس بسببب الضيق فحسب ن بل بسبب تغطية الجدران الداخلية بمادة شمعية منزلقة يتعذر معها على الحشرة أن تثبت أقدامها ، و عندئذ تدور الحشرات بصورة جنونية داخل المكان ، فتعلق هبوات اللقاح بجسمها . و بعد قليل تتصلب جوانب المقصورة بعض الشيء فتستطيع الحشرة الخروج بعد أن يكون جسمها تغطى بهبوات اللقاح . فإذا زارت الحشرة مقصورة مذكرة أخرى تكررت العملية السابقة ، أما إذا دخلت مقصورة أنثى فإنها تسجن في داخلها سجناً دائماً حتى تموت هي ن و عند محاولتها اليائسة للخروج ، تقوم بتلقيح الأزهار الأنثى . إن النبات في هذه الحالة لا يهتم بخروج الحشرة لأنها تكون قد أدت رسالتها ، أما عند زيارتها للمقصورات المذكرة فإنه يسمح لها بالخروج لأنها لا تكون قد أدت رسالتها بعد .
أفلا تدل كل هذه الشواهد على وجود الله ؟إنه من الصعب على عقولنا أن تتصور أن كل هذا التوافق العجيب قد تم بمحض المصادفة ، إنه لابد أن يكون نتيجة توجيه محكم أحتاج إلى قدرة و تدبير .
و نستطيع أن نلمح أدلة أخرى على وجود الله و قدرته في تلك الحالات العديدة التي حاول الإنسان فيها أن يتدخل في توازل الطبيعة أو يعمل على تعديله.
فمثلاً عندما نزل المهاجرون الأولون أستراليا ، لم يكن هنالك من الثدييات المشيمية إلا الدنجو ، و هو كلب بري . و لما كان هؤلاء المهاجرون قد نزحوا من أوربا فقد تذكروا ما كان يهيئه صيد الأرنب من فرصة طيبة لممارسة الصيد و الرياضة . و في محاولة لتحسين الطبيعة في أستراليا أستورد توماس أوستين نحو أثني عشر زوجاً من الأرانب و أطلقها هناك ن و كان ذلك سنة 1859 ،و لم يكن لهذه الأرانب أعداء طبيعيون في استراليا ، و لذلك فقد تكاثرت بصورة مذهلة ،و وزاد عددها زيادة كبيرة فوق ما كان ينتظر ن و كانت النتيجة سيئة للغية . فقد أحدثت الأرانب أضراراً بالغة بتلك البلاد حيث قضت على الحشائش و المراعي التي ترعاها الأغنام . و قد بذلت محاولات عديدة للسيطرة على الأرانب ن وبنيت أسوار عبر القارة في كوينزلاند بلغ امتدادها 7000 ميل و مع ذلك ثبت عدم فائدتها . فقد استطاعت الأرانب أن تتخطاها . ثم استخدم نوع من الطعم السام و لكن هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل . و لم يمكن الوصول إلة حل إلا في السنوات الأخيرة ن و كان ذلك باستخدام فيروس خاص يسبب مرضاً قاتلاً لهذ الأرانب هو مرض الرض المخاطي . و قد لا يكون هذا هو الحل الأخير ، فقد أخذنا نسمع أخيراً عن ظهور أرانب حصينة لديها مقاومة كبيرة لهذا المرض في استراليا . ومع ذلك فقد أدى انخفاض عدد الأرانب هنالك إلى منافح جمة ، و تحولت مناطق البراري القاحلة و الجبال المقفرة التي بقيت عشرات السنين إلى مروج خضراء يانعة . و قد ترتب على ذلك في الإيراد من صناعة الأغنام وحدها قدرت 1952 ـ 1953 بما يبلغ 84 مليون جنيه .
ومن الممكن ن يكون لدينا مشكلة أرانب مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرانب الأوربية تختلف في نوعها عن الأرانب التي كانت تستوطن أمريكا ، و التي لا تعرف الآن إلا في جزيرة سان جوان حيث تعيش في عزلة تامة سنة 1900 . و قد حاول أصحاب بعض نوادي الصيد ـ بحسن نية طبعاً ـ أن يعمموا نوع الأرنب المسمى سان جوان في الولايات المتحدة كلها بسبب صعوبة أستيراد النوع المسمى ذيل القطن و انتقاله من ولاية إلى أخرى كما كانت الحال من قبل . و كان من الممكن أن تصبح النتيجة خطيرة للغاية لأن أرانب السان جوان تتكاثر في الولايات المتحدة بنفس السرعة التي تتكاثر بها الأرانب في أستراليا . و من الاحتياطات الحديثة التي أتخذت لتلافي هذا الخطر رفع الحظر عن صيد هذا النوع من الأرانب على مدار السنة .
و من الطريف أن استخدام فيروس الأرانب في أوربا قد أحدث أثره هنالك . فقد أحضر طبيب فرنس من المهتمين بالموضوع ـ بسبب ما أحدثته الأرانب من الأضرار للأشجار في حديقـته ، بعض هذا الفيروس و حقن به بعض الأرانب البرية في فرنسا ، بل الأقاليم الأوربية المجاورة أيضاً . و يتجادل الناس حول هذا الموضوع فتختلف وجهات نظرهم . فمنهم من يرى أن العمل قد أدى إلى خفض كمية اللحوم التي كانت تعيش عليها الطبقات الفقيرة . و منهم من يرى أن هذا العجز يعوضه تحسين الإنتاج النباتي بعد انخفاض عدد الأرانب .
الله والقوانين الكيماوية:
يقول:جون أزولف بوهلر مستشار كيماوي ـ حاصل على درجة الكتوراه من جامعة إنديانا ـ أستاذ الكيميا بكلية أندرسون ـ متخصص في تركيب الأحماض الأمينية و الكشف عن الكوبلت .
لكي ندرك كيف تنتسب القوانين الكيماوية إلى الله ، و نتبين مبلغ قصور العقل الإنساني ، و نعرف لماذا ينبغي أن يتواضع الناس جميعاً حتى أولئك الذين نعدهم من العباقرة فإنني أحب أن أعرض على قرائي لمحة موجزة عن علم الكيمياء ، الذي هو ميدان تخصصي .وسوف أحاول الابتعاد عن المصطلحات الفنية و أن أكون واضحا ما استطعت.
فمنذ فجر المدنية و الإنسان يحاول أن يفهم كنه التغيرات التي تطرأ على ما يحيط به من عالم الماديات . و قد كان فهمه للمادة في بادىء الأمر يشوبه النقص و الغموض ، و كان ديمقريطس الذي عاش قيل الميلاد بنحو 400 سنة أول من وصل عن طريق التخمين إلى أن جميع الأشياء تتألف من دقائق صغيرة تعتبر كل منها وحدة قائمة بذاتها . و تختلف هذه الفكرة عما كان شائعاً من قبل من أن المادة المادة تتألف من كتلة واحدة متصلة .
و لما كانت فكرة ديمقريطس لا تتفق مع ما تشاهده العين من أمر المادة ، فقد بقيت هذه الفكرة مدفوعة تحت أنقاض ما كان يسود ذلك العهد من شك في صحتها .
و ظلت الكيمياء القديمة من ضروب الشعوذة و السحر ألفي سنة و هي تحاول أن تجد تفسيراً لمعنى المادة . و في حوالي متصف القرن السابع عشر عاد روبرت بويل إلى فكرة ديمقريطس من جديد و أطلق اسم العنصر على كل مادة من المواد البسيطة التي لا يمكن تحوليها في المعمل إلى أبسط منها .و العناصر بهذا المعنى تختلف عن المعنى الذي ذهب إليه أرسطوطاليس حينما رأى أن العناصر التي تتألف منها المادة هي الأرض و النار و الهواء و الماء . و في سنة 1774 أكتشف جون بريستلي الأوكسجين وو في سنة 1776 توصل لورد كافينديش إلى عنصر الإيدروجين . و بعد فترة وجيزة اكتشف لافوزييه أن الهواء خليط منن الأوكسجين و النيتروجين . و استنبط أن الماء هو الآخر لا يمكن أن يكون عنصراً لأنه يمكن تحضيره بإحراق الأيدروجين في الهواء .لقد كان علم الكيمياء يتقدم بحق ، و في عام 1799 توصل الكيماوي الفرنسي جوزيف براوست إلى أن المواد الكيماوية النقية مثل ملح الطعام يكون لها تركيب ثالث ، بصرف النظر عن مصدرها . أما بيرثوليت فكان يناقضه و يرى أن الملح المحضر من أماكن مختلفة على سطح الأرض يختلف في تركيبها تبعاً لاختلاف هذه الأماكن.
و لقد كسب براوست الجولة بعد مضي ثمان سنوات قضاها في إجراء التجارب و بذلك تبين أن للمركبات تركيباً ثابتاً.
و في سنة 1808 حاول دالتون ـ و كان مدرساً ـ أن يجمع كل ما هو معروف من المعلومات الكيماوية حتى ذلك الوقت ، و أن يجد تفسيراً لثبات العناصر و المركبات . و قد توصل إلى النظرية الذرية للمادة . فقد كان يرى أن العناصر تتكون من جزيئات صغيرة سماه الذرات و توصل إلى أن الذرات العنصر الواحد لابد أن تكون متكافئة من جميع الوجوه أما ذرات العناصر المختلفة فمتباينة .
و قد أفترض دالتون أن الذرات غير قابلة للكسر فهي لا تستطيع أن تتحول إلى صورة اصغر . و قد أرجع اختلاف العناصر في صفاتها الطبيعية و الكيماوية إلى ما بين ذراتها من اختلاف في الوزن و الخواص الأخرى . كما بين أن ثبات المركبات يرجع إلى اتحاد العناصر الداخلية في تركيبها بنسب دقيقة ثابتة في المركب الواحد . و عندئذ أتضح أن الظواهر الكيماوية تخضع لقوانين معينة مثل قانون بقاء المادة و قانون ثبات الركيب و قانون بقاء الطاقة .
و بهذه الوسائل التي تسلح بها الكيماويون في بحوثهم العلمية ، تحول علم الكيمياء من علم وصفي إلى علم قياسي يعتمد على القياس الدقيق .و ما إن فتح ذلك الطريق على أساس الاتجاه حتى ظهر التقدم الحقيقي ، وصار من المقرر أن دراسة الكيمياء تقوم على أساس الانتظام و القوانين . بذلك تحولت الكيمياء إلى صف العلوم . و تقدمت دراستها في نصف القرن الذي تلا دالتون تقدماً كبيراَ وسارت في نفس الاتجاه الذي حددته قوانين نيوتن ، و نجح العلماء في زيادة عدد العناصر في سنة 1900 و بذلك ضربت الكيمياء رقماً قياسياً في تقدمها.
لقد كان دالتون يعتبر الذرة كتلة صلبة من المادة تخضع لقوانين نيوتن . و في النصف الأخير من القرن التاسع عشر أجريت تجارب عديدة اتضح منها أن هنالك ذرات أكثر تعقيداً من الذرات التي وصفها دالتون ، فقد بدأ ماسون في سنة 1853 بإمرار تيار كهربائي خلال أنبوبة مفرغة . ثم حاول جسلر أن يعيد التجربة السابقة مستخدما تياراً أقوى و مجموعة من الغازات المختلفة داخل الأنابيب المفرغة .
و في سنة 1878 أستطاع كروكس باستخدام أنابيب مفرغة إلى درجة لم يحصل عليها سابقوه ، أن يلاحظ بريقا عجيبا داخل الأنبوب عند إمرار التيار الكهربي بها . و قد أثبت طويون أن هذه الأشعة العجيبة تحمل شحنات كهربية سالبة ، و أنها تتحرك بسرعة لا يتصورها العقل ، و أنها تكاد تكون عديمة الوزن ،و قد سميت هذه الأشعة أشعة المهبطية ، كنا سميت الأنابيب التي تتلون داخلها أشعة المهبط . وقد تبين أخيراً أن هذه الأشعة ليست إلا سيلا من الالكترونات المتدفقة .
ثم اكتشفت بعد ظاهرة النشاط الإشعاعي ، التي اكتشفتها بكويرل و آل كوري . و قد فتح هذا الاكتشاف عالما جيديا من الجزيئات التي هي دون الذرات . و لم يعد ينظر إلى الذرة على أنها جسم صلب مصمت ، بل صار ينظر إليها على أنها تشبه مجموعة شمسية مصغرة ن تقع كتلتها الكبرى في مركزها حيث تتجمع البروتونات الموجبة ، و من حول هذه الكتلة يتم توزيع الالكترونات السالبة التي هي ليست إلا وحدات من الطاقة تتحرك حول المركز في نظام معين .
و تتوقف الخواص الطبيعة و الكيموية للذرة على ما يحمله حول المركز في نظام معين . و تتوقف على طريقة ترتيب الالكترونات حول النواة . و قد بذلت محاولات في بادىء الأمر لتطبيق قوانين نيوتن على الجزيئات دون الذرة ، و لكن اتضح بعد قليل ان هذه القوانين لا تنطبق على تلك الجزيئات الدقيقة . و قد دعا ذلك إلى ضرورة قيام طرق جديدة أخرى للحساب فنشأت نظرية " الكوانتم " أو نظرية الكم . و هي تساعدنا على أن تعبر تعبيراً رياضياً عن احتمال سلوك البروتونات و الالكترونات و غيرها من الجزيئات دون الذرية .
و في سنة 1927 توصل هايزنبرج إلى نظرية " الشك " أو عدم التحديد لكي يبين لماذا لا تخضع الجزيئات دون الذرية لقوانين نيوتن ز و ينص هذا المبدأ على أنه من المحال تعيين موضع أي جزيء وسرعته في لحظة واحدة . فكلما حاولنا أن نشاهد إلكترونا نجد أننا نغير من حالته ، و قد يتناول التغيير مكانه أو سرعته أو كليهما .
و على ذلك فإننا نستطيع ان نتكلم عن احتمال حدوث ظاهرة ، ولكننا لا نستطيع أن نحددها تحيداً دقيقا ، و عندئذ نقول إن الطبيعة تخضع لقوانين المصادفة الإحصائية . و نحن في العادة نتعامل مع أعداد كبيرة جداً من الأيونات أو الجزيئات في المعمل ، أعداد تبلغ الملايين ، فعندما نمزج المحاليل يسلك كل أيون من الأيونات الداخلة في التفاعل سلوكا خاصاً ، سلوك غير منتظم ، لا نستطيع أن نتنبأ به ، و مع ذلك فإننا نستطيع أن نقدر نتائج التفاعل الكلي تقديرا بالغ الدقة . و قد يكون هنالك مئات الآلاف من الأيونات التي لم تشترك في التفاعل و لكن مادامت الموازين التي نستخدم عاجزة عن تقدير هذا القدر الضئيل منها فإننا نعتبر أن التفاعل قد أكتمل و بلغ درجة التمام .
و يشير دينوي إلى ذلك فيقول : إن كل شيء يتوقف على معايير الملاحظة التي تستخدمها ، و إن ما قد نعتبره تاماً أو كاملا باستخدام أحد المعايير قد لا يكون كذلك عندما نستخدم معياراً آخر ، فإذا مزجنا جراماً من الكربون لأحد الميكروبات التي تزحف فوق هذا التل من الخليط ، فإنه يبدو على صورة مجموعة من الكتل السوداء التي تجاورها كتل بيضاء . و يرجع ذلك إلى اختلاف مستوى الملاحظة في حالة الميكروب عنده في حالتنا .
أما لماذا تخضع الكيمياء للقوانين التي اكتشفناها ، فيرجع إلى أنها علم إحصائي . و على ذلك فإن القوانين الطبيعية الكيماوية تقوم في أساسها على عدم الانتظام .أما ما نشاهده من انتظام الظواهر فيرجع إلى أننا نتعامل مع أعداد بالغة الكبر تخضع في مجموعها لقوانين الإحصاء و تعطي نتائج محددة . ومن أن النظام الذي نشاهده و التوافق الذي نلاحظ إنما يخرجان من الفوضى .
فما هي القوى الموجهة التي وراء هذه القوانين الإحصائية ؟
عندما يطبق الإنسان قوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في الطبيعة مثل تكون جزيء واحد من جزيئات البروتين من العناصر التي تدخل في تركيبه ، فإننا نجد أن عمر الأرض الذي يقدر بثلاثة بلايين من السنين أو أكثر ن لا يعتبر زمنا كافيا لحدوث هذه الظاهرة و تكون هذا الجزيء عن طرق المصادفة إن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت هناك قوة موجهة إلى غاية محددة و تعيننا على إدراك كيف يخرج النظام من الفوضى .
و لابد أن نسلم بأننا لا نعرف حتى الآن كل ما يمكن أن يعرف عن المادة و الطاقة ، فنحن لا نزال في بداية الطريق . و قد يكون ما سميناه عدم نظام أو فوضى على المستوى دون الذري مخافاً لذلك كل المخالفة ، فقد تكون أفكارنا خاطئة أو متأثرة بنقص معلوماتنا عن الظواهر المختلفة ن أو تقيدنا بجانب غير سليم من الملاحظة .
إن الإنسان يشاهد التنظيم و الإبداع حيثما ولى وجهة في نواحي هذا الكون . و يبدو أن هذا الكون يسير نحو هدف معين ، كما يدل على ذلك النظام الذي نشاهده في الذرات ، فهناك نظام معين تتبعه الذرات جميعها من الأيدروجين إلى اليورانيوم وما بعد اليورانيوم .و كلما أزداد علمنا بالقوانين التي تتحكم في توزيع البروتونات و الإلكترونات لإنتاج العناصر المختلفة ، أزداد إيماننا بما يسود عالم المادة من توافق و نظام ، و قد يجيء اليوم الذي ينكشف لنا فيه كيف تتجمع الطاقة لكي تكون تلك الكتل من المادة . و لقد كان أينشتين أول من أظهر العلاقة الموجودة بين المادة و الطاقة . و لا يزال الإنسان في بداية الطري لكشف أسرار الطاقة الذرية ، و قد نستطيع في يوم من الأيام أن تحول الطاقة إلى مادة .
و تدل الشواهد على وحدة الكون من الوجهة الكيماوية . و لدينا من الطرق و الوسائل ما يمكننا من اختبار كثير من العناصر الموجودة في الكواكب الأخرى ، و معرفة أنها هي نفس العناصر التي توجد على الأرض . و حتى النجوم البعيدة عنا ن فإنها تشتمل على عناصر مشابهة لعناصر الأرض . و يعتقد العلماء أن القوانيين الطبيعية التي تتحكم في هذا الكوكب هي عينا القوانين التي تخضع لها النجوم و الكواكب الأخرى في أفلاكها النائية المترامية في الفضاء . فحيثما اتجهنا نجد الإبداع و النظام و التوافق ، حتى هنالك ظل من شك عندي في أن إلها قادرا قد أبدع هذا الكون و بناه وحدد وجهته و غايته .
و كنت أرجوا أن يتسع الوقت و المكان لذكر كثير من الأمثلة الأخرى التي تدل على روعة الإبداع و جلال النظام ،و لكنني أحب ا، أوجه نظر القارىء إلى دورة الماء على الأرض و دورة ثاني أوكسيد الكربون و دورة النشادر و دورة الأكسجين التي تشهد كل منها بحكمة و تدبير و قوة لأحد لها .
و برغم أن هنالك كثيراً من الأشياء في الطبيعة مما لم يصل الإنسان بعد إلى معرفة كنهه او تفسيره و مما لا يزال يكتنفه الغموض ،فإننا لا نريد أن نقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الأقدمون عندما اتخذوا آلهة لكي يجدوا تفسيراً لما غمض عليهم ، و حددوا لكل إله قدرته و عينوا له وظيفته و دائرة تخصصه ... و عندما تقدمت العلوم و أمكن فهم كثير من الظواهر الغامضة و معرفة القوانين التي تخضع لها ، لم يعد هؤلاء الناس في حاجة إلى الآلهة التي نتلمس قدرة الله في النظام الذي خلقه و القوانين التي تحكمها و لكن الإنسان عاجز عن أن يسن تلك القوانين ، فهي من صنع الله وحده .و لا يفعل الإنسان أكثر من أنه يكتشفها ثم يستخدمها في محاولة إدراك أسرار هذا الكون.
و كل قانون يكتشفه الإنسان يزيد قربا من الله ، و قدرة على إدراكه ، فتلك هي الآيات التي يتجلى بها الله علينا ، و قد لا تكون هذه هي طريقته الوحيدة في هذا التجلي ، فهو يتجلى أيضا في كتبها المقدسة مثلا ، و مع ذلك فإن طرقة تجليه تعالى في آياته التي نشاهدها في هذا الكون تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة لنا .
لنظام الفريد في المجموعة الشمسية
نعلم أن في المجموعة الشمسية ثمانية كواكب غير منيرة تدور حول الشمس : أصغرها عطارد ثم المريخ ثم الزهرة ، فالأرض فارونوس فنبتون فزحل فالمشتري ، ثم بلوتوا الذي كشفوه منذ ثلاثين سنة ( و هو كوكب شاذ في صغر حجمه و في بعد عن الشمس فلا يصلح أن يكون سببا قاطعاً لابطال النسبة العجيبة التي سأذكرها عن بعد الكواكب من الشمس ) .هذا في ترتيب أحجامها ، و أما بعدها عن الشمس فالكواكب تأتي على ترتيب آخر : فأقربها عطارد الذي يبلغ متوسط بعده عن الشمس 36 مليون ميل ، ثم الزهرة و متوسط بعدها 67 مليوناً ، فالأرض و متوسط بعدها 93 مليواناً ، فالمريخ و بعده مليوناً ، فالمشتري و بعده 484 مليوناً ، فزحل 887 مليوناً ، فأورانوس و بعده 1782 مليوناً ، و نبتون و متوسط بعده عن الشمس 2792 مليوناً من الأميال .
و ما ذكرت لك هذه الأحجام و الأبعاد لأعرفك بشيء أنت تعرفه ، أو تستطيع أن تعثر عليه في أبسط كتب الفلك ، وإنما ذكرتها لأعرفك بما تطوي عليه هذه الأبعاد من نسب مقدرة تدهش العقول : فقد كشف العلماء أن أبعاد هذه السيارة عن الشمس جارية على نسب مقدرة تدهش العقول : فقد كشف العلماء أن أبعاد هذه السيارات عن الشمس جارية على نسب مقدرة و مطردة تسير وفق (9) منازل : أولها ( الصفر ) ثم تليه ثمانية أعداد تبدأ بالعدد (3) ثم تتدرج متضاعفة هكذا : ( 3ـ 6 ـ 12ـ 24 ـ48ـ 96ـ 192 ـ384ـ).فإذا أضيف إلى كل واحد منها العدد (4) ثم ضرب حاصل الجمع بتسعة ملايين ميل ، ظهر مقدار بعد السيارة التي في منزلة العدد عن الشمس . أي أنه بإضافة (4) إلى كل منزلة تصبح المنازل التسع هكذا ك (4ـ 7ـ10 ـ28ـ100ـ196ـ388).
فإذا أخذنا أعداد المنازل هذه و ضربنا كل عدد منها بتسعة ملايين يظهر لنا بعد السيارة التي هي في منزلة ذلك العدد عن الشمس .فعطارد مثلاً يبلغ متوسط بعده عن الشمس(36) مليون ميل كما سبق القول .و بما أن منزلته في البعد هي الأولى فيكون رقمها (4) فإذا ضربنا 4*9 ملايين يكون حاصل الضرب (36) مليون ميل . و هكذا تسير النسبة في بعد كل سيار عن الشمس مع فروق مختلفة قليلة .
و لكنهم رأوا كيف تكون المنازل التي اكتشفوها في تفاوت الأبعاد تسع منازل في حين أن الكواكب المعروفة ثمانية .
فقد وجدوا أن منزلة العدد (28) ليس فيها كوكب ، بل يأتي ن بعد المريخ صاحب العدد(16) ، كوكب المشتري الذي هو صاحب العدد (52 ) .
فما هو السر في هذا الفراغ ؟ إما أن تكون النسبة التي اكتشفوها غير مطردة و إما أن يكون هنالك كوكب غير منظور في مرتبة العدد (28) على 252 مليون ميل عن الشمس ، أي بين المريخ و المشتري .
و من عجائب النظام الباهر أنهم وجدوا أخيراً في هذا الفراغ الشيء الذي قدّروا أنه لابد من وجوده . و لكنهم لم يجدوه كوكباً كبيراً بل وجدوا كويكبات صغيرة كثيرة تدور كلها في الفراغ المذكور الذي بين المريخ و المشتري أي في نفس المنزلة التي حسبوها من قبل فارغة .
فهل هذا التناسب في مواقع النجوم و أقدارها ، و مواقع الكواكب و أبعادها ، كله أثر من آثار المصادفة العمياء ...
بوح الروح
يقول :جون وليم كلونس عالم في الوراثة ـ حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بيتسبرج أستاذ علم الأحياء و الفسيولوجيا بكلية المعلمين بكلونكورديا منذ 1945ـ عضو جمعية الدراسات الوراثة ـ مختص في الوراثة و علم البيئة .
عندما حاولت أن أكتب في هذا الموضوع جالت بخاطري حكمتان قديمتان من الحكم المقدسة و هما :
" السماوات تشهد بجلال الله ، و إحكامها يدل على بديع صنعه ".
" يقول الأحمق في نفسه : ليس هناك غله " .
إن هذا العالم الذي نعيش فيه بلغ من الإتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشا بمحض الصدفة . إنه مليء بالروائع و الأمور التي تحتاج إلى مدبر ، و التي يمكن نسبتها إلى قدر أعمى . و لا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم و تقدير ظواهر هذا الكون المعقد . و هي بذلك من معرفتنا بالله و من إيماننا بوجوده .
و من التعقيدات الطريفة في هذا الكون ، ما نشاهده من العلاقات التوافقية الاضطرارية بين الأشياء أحياناً ؟ و من أمثلتها العلاقات الموجودة بين فراش اليوكاونيا و نبات اليوكا و هو أحد النباتات الزنبقية . فزهرة اليوكا تتدلى غلى أسفل و يكون عضو التأنيث فيها أكثر انخفاضاً عن عضوا التذكير أو السداة . أما الميسم و هو الجزء من الزهور الذي يتلقى حبوب اللقاح ، فإنه على شكل الكأس . و هو موضوع بطريقة يستحيل معها أن تسقط معها فيه حبوب اللقاح .
و لابد أن تنتقل هذه الحبوب بواسطة فراشة اليوكا التي تبدأ عمليها بعد مغيب الشمس بقليل ، فتجمع كمية من حبوب اللقاح من الأزهار التي تزورها و تحفظها في فمها الذي بني بطرقة خاصة لأداء هذا العمل . ثم تطير الفراشة إلى نبات آخر من نفس النوع و تثقب مبيضها بجهاز خاص في مؤخرة جسمها ، ينتهي بطرف مدبب يشبه الإبرة و ينزل منه البيض . و تضع الفراشة بيضة أو أكثر ثم تزحف إلى أسفل الزهرة حتى تصل إلى القلم ، و هناك تترك ما جمعته من حبوب اللقاح على صورة كرة فوق ميسم الزهرة . و ينتج عدداً كبيراً من الحبوب يستخدم بعضها طعاماً ليرقة الفراشة و ينضج بعضها لكي يواصل دورة الحياة .
و هناك علاقة مشابهة بين نبات التين و مجموعة من الزنابير الصغيرة و ينتج هذا النبات عين من مجموعات الأزهار يحتوي أحدهما على الأزهار المذكرة و المؤنثة معا . أما الآخر فجميع أزهاره مؤنثة . و يقوم بتلقيح الأزهار المؤنثة في كلا النوعين السابقين إناث الزنابير . و تكون فتحة التخت الذي يحمل مجموعات الأزهار في كلا النوعين ضيقة إلى حد كبير بسبب إحاطتها بكثير من الأوراق الحرشفية مما يجعل وصول الحشرة إلى الداخل يتم بصعوبة كبيرة و يؤدي إلى تمزق أجنحتها . و عندما تدخل الحشرة إلى المجموعة التي تشتمل على الأزهار الذكرية و الأنثوية ، تضع الحشرة الأنثى بيضها ثم تموت ثم يفقس البيض و تتزاوج الشفافير الصغيرة الناتجة ، و لا يستطيع أن يخرج منها سوى الإناث ،أما الذكور فتموت ، و قبل أن تخرج الإناث تلتصق هبوات اللقاح بأجسامها فتحملها إلى مجموعات جديدة من الأزهار . فإذا كانت المجموعات الجيدة تشتمل على أزهار ذكور وأخرى إناث ، فإن العلمية تتكرر بالصورة السابقة ، اما إذا اشتملت المجموعة على أزهار إناث فقط ، فإن الفراشة تموت دون أن تضع البيوض .
ففي هذه الحالة تكون الأزهار الإناث على درجة من الطول بحيث لا تستطيع أن تصل الحشرات إلى قاعدتها لكي تضع البيض هناك ، و عندما تحاول الحشرات أن تصل إلى هذه القاعدة العميقة دون جدوى تلقح الأزهار بما تحمله من هبوات اللقاح ، ثم تنضج الأزهار و تكون ثمار التين . و عندما أدخل التين إلى الولايات المتحدة لأول مرة لم يكن ينتج ثماراً و لم يمكن إنتاج الثمار و قيام و صناعة التين إلا بعد أن جلبت الشفافير إلى اولايات المتحدة .
و هناك كثير من الأزهار التي تسجن الحشرات داخلا ن ومن أمثلتها الزهرة المسات " جاك المصورة " JACK IN THE PULPIT . و لهذا النبات نوعان من المجموعات الزهرية ، ذكور و إناث . و هي تتكون داخل مقصورات تضيق عند منتصفها . و يتم التلقيح بواسطة ذبابة دقيقة تدخل إلى المقصورة ولا تكاد تجتاذ المنطقة الضيقة الوسطى حتى تجد نفسها سجينة ن ليس بسببب الضيق فحسب ن بل بسبب تغطية الجدران الداخلية بمادة شمعية منزلقة يتعذر معها على الحشرة أن تثبت أقدامها ، و عندئذ تدور الحشرات بصورة جنونية داخل المكان ، فتعلق هبوات اللقاح بجسمها . و بعد قليل تتصلب جوانب المقصورة بعض الشيء فتستطيع الحشرة الخروج بعد أن يكون جسمها تغطى بهبوات اللقاح . فإذا زارت الحشرة مقصورة مذكرة أخرى تكررت العملية السابقة ، أما إذا دخلت مقصورة أنثى فإنها تسجن في داخلها سجناً دائماً حتى تموت هي ن و عند محاولتها اليائسة للخروج ، تقوم بتلقيح الأزهار الأنثى . إن النبات في هذه الحالة لا يهتم بخروج الحشرة لأنها تكون قد أدت رسالتها ، أما عند زيارتها للمقصورات المذكرة فإنه يسمح لها بالخروج لأنها لا تكون قد أدت رسالتها بعد .
أفلا تدل كل هذه الشواهد على وجود الله ؟إنه من الصعب على عقولنا أن تتصور أن كل هذا التوافق العجيب قد تم بمحض المصادفة ، إنه لابد أن يكون نتيجة توجيه محكم أحتاج إلى قدرة و تدبير .
و نستطيع أن نلمح أدلة أخرى على وجود الله و قدرته في تلك الحالات العديدة التي حاول الإنسان فيها أن يتدخل في توازل الطبيعة أو يعمل على تعديله.
فمثلاً عندما نزل المهاجرون الأولون أستراليا ، لم يكن هنالك من الثدييات المشيمية إلا الدنجو ، و هو كلب بري . و لما كان هؤلاء المهاجرون قد نزحوا من أوربا فقد تذكروا ما كان يهيئه صيد الأرنب من فرصة طيبة لممارسة الصيد و الرياضة . و في محاولة لتحسين الطبيعة في أستراليا أستورد توماس أوستين نحو أثني عشر زوجاً من الأرانب و أطلقها هناك ن و كان ذلك سنة 1859 ،و لم يكن لهذه الأرانب أعداء طبيعيون في استراليا ، و لذلك فقد تكاثرت بصورة مذهلة ،و وزاد عددها زيادة كبيرة فوق ما كان ينتظر ن و كانت النتيجة سيئة للغية . فقد أحدثت الأرانب أضراراً بالغة بتلك البلاد حيث قضت على الحشائش و المراعي التي ترعاها الأغنام . و قد بذلت محاولات عديدة للسيطرة على الأرانب ن وبنيت أسوار عبر القارة في كوينزلاند بلغ امتدادها 7000 ميل و مع ذلك ثبت عدم فائدتها . فقد استطاعت الأرانب أن تتخطاها . ثم استخدم نوع من الطعم السام و لكن هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل . و لم يمكن الوصول إلة حل إلا في السنوات الأخيرة ن و كان ذلك باستخدام فيروس خاص يسبب مرضاً قاتلاً لهذ الأرانب هو مرض الرض المخاطي . و قد لا يكون هذا هو الحل الأخير ، فقد أخذنا نسمع أخيراً عن ظهور أرانب حصينة لديها مقاومة كبيرة لهذا المرض في استراليا . ومع ذلك فقد أدى انخفاض عدد الأرانب هنالك إلى منافح جمة ، و تحولت مناطق البراري القاحلة و الجبال المقفرة التي بقيت عشرات السنين إلى مروج خضراء يانعة . و قد ترتب على ذلك في الإيراد من صناعة الأغنام وحدها قدرت 1952 ـ 1953 بما يبلغ 84 مليون جنيه .
ومن الممكن ن يكون لدينا مشكلة أرانب مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرانب الأوربية تختلف في نوعها عن الأرانب التي كانت تستوطن أمريكا ، و التي لا تعرف الآن إلا في جزيرة سان جوان حيث تعيش في عزلة تامة سنة 1900 . و قد حاول أصحاب بعض نوادي الصيد ـ بحسن نية طبعاً ـ أن يعمموا نوع الأرنب المسمى سان جوان في الولايات المتحدة كلها بسبب صعوبة أستيراد النوع المسمى ذيل القطن و انتقاله من ولاية إلى أخرى كما كانت الحال من قبل . و كان من الممكن أن تصبح النتيجة خطيرة للغاية لأن أرانب السان جوان تتكاثر في الولايات المتحدة بنفس السرعة التي تتكاثر بها الأرانب في أستراليا . و من الاحتياطات الحديثة التي أتخذت لتلافي هذا الخطر رفع الحظر عن صيد هذا النوع من الأرانب على مدار السنة .
و من الطريف أن استخدام فيروس الأرانب في أوربا قد أحدث أثره هنالك . فقد أحضر طبيب فرنس من المهتمين بالموضوع ـ بسبب ما أحدثته الأرانب من الأضرار للأشجار في حديقـته ، بعض هذا الفيروس و حقن به بعض الأرانب البرية في فرنسا ، بل الأقاليم الأوربية المجاورة أيضاً . و يتجادل الناس حول هذا الموضوع فتختلف وجهات نظرهم . فمنهم من يرى أن العمل قد أدى إلى خفض كمية اللحوم التي كانت تعيش عليها الطبقات الفقيرة . و منهم من يرى أن هذا العجز يعوضه تحسين الإنتاج النباتي بعد انخفاض عدد الأرانب .
الله والقوانين الكيماوية:
يقول:جون أزولف بوهلر مستشار كيماوي ـ حاصل على درجة الكتوراه من جامعة إنديانا ـ أستاذ الكيميا بكلية أندرسون ـ متخصص في تركيب الأحماض الأمينية و الكشف عن الكوبلت .
لكي ندرك كيف تنتسب القوانين الكيماوية إلى الله ، و نتبين مبلغ قصور العقل الإنساني ، و نعرف لماذا ينبغي أن يتواضع الناس جميعاً حتى أولئك الذين نعدهم من العباقرة فإنني أحب أن أعرض على قرائي لمحة موجزة عن علم الكيمياء ، الذي هو ميدان تخصصي .وسوف أحاول الابتعاد عن المصطلحات الفنية و أن أكون واضحا ما استطعت.
فمنذ فجر المدنية و الإنسان يحاول أن يفهم كنه التغيرات التي تطرأ على ما يحيط به من عالم الماديات . و قد كان فهمه للمادة في بادىء الأمر يشوبه النقص و الغموض ، و كان ديمقريطس الذي عاش قيل الميلاد بنحو 400 سنة أول من وصل عن طريق التخمين إلى أن جميع الأشياء تتألف من دقائق صغيرة تعتبر كل منها وحدة قائمة بذاتها . و تختلف هذه الفكرة عما كان شائعاً من قبل من أن المادة المادة تتألف من كتلة واحدة متصلة .
و لما كانت فكرة ديمقريطس لا تتفق مع ما تشاهده العين من أمر المادة ، فقد بقيت هذه الفكرة مدفوعة تحت أنقاض ما كان يسود ذلك العهد من شك في صحتها .
و ظلت الكيمياء القديمة من ضروب الشعوذة و السحر ألفي سنة و هي تحاول أن تجد تفسيراً لمعنى المادة . و في حوالي متصف القرن السابع عشر عاد روبرت بويل إلى فكرة ديمقريطس من جديد و أطلق اسم العنصر على كل مادة من المواد البسيطة التي لا يمكن تحوليها في المعمل إلى أبسط منها .و العناصر بهذا المعنى تختلف عن المعنى الذي ذهب إليه أرسطوطاليس حينما رأى أن العناصر التي تتألف منها المادة هي الأرض و النار و الهواء و الماء . و في سنة 1774 أكتشف جون بريستلي الأوكسجين وو في سنة 1776 توصل لورد كافينديش إلى عنصر الإيدروجين . و بعد فترة وجيزة اكتشف لافوزييه أن الهواء خليط منن الأوكسجين و النيتروجين . و استنبط أن الماء هو الآخر لا يمكن أن يكون عنصراً لأنه يمكن تحضيره بإحراق الأيدروجين في الهواء .لقد كان علم الكيمياء يتقدم بحق ، و في عام 1799 توصل الكيماوي الفرنسي جوزيف براوست إلى أن المواد الكيماوية النقية مثل ملح الطعام يكون لها تركيب ثالث ، بصرف النظر عن مصدرها . أما بيرثوليت فكان يناقضه و يرى أن الملح المحضر من أماكن مختلفة على سطح الأرض يختلف في تركيبها تبعاً لاختلاف هذه الأماكن.
و لقد كسب براوست الجولة بعد مضي ثمان سنوات قضاها في إجراء التجارب و بذلك تبين أن للمركبات تركيباً ثابتاً.
و في سنة 1808 حاول دالتون ـ و كان مدرساً ـ أن يجمع كل ما هو معروف من المعلومات الكيماوية حتى ذلك الوقت ، و أن يجد تفسيراً لثبات العناصر و المركبات . و قد توصل إلى النظرية الذرية للمادة . فقد كان يرى أن العناصر تتكون من جزيئات صغيرة سماه الذرات و توصل إلى أن الذرات العنصر الواحد لابد أن تكون متكافئة من جميع الوجوه أما ذرات العناصر المختلفة فمتباينة .
و قد أفترض دالتون أن الذرات غير قابلة للكسر فهي لا تستطيع أن تتحول إلى صورة اصغر . و قد أرجع اختلاف العناصر في صفاتها الطبيعية و الكيماوية إلى ما بين ذراتها من اختلاف في الوزن و الخواص الأخرى . كما بين أن ثبات المركبات يرجع إلى اتحاد العناصر الداخلية في تركيبها بنسب دقيقة ثابتة في المركب الواحد . و عندئذ أتضح أن الظواهر الكيماوية تخضع لقوانين معينة مثل قانون بقاء المادة و قانون ثبات الركيب و قانون بقاء الطاقة .
و بهذه الوسائل التي تسلح بها الكيماويون في بحوثهم العلمية ، تحول علم الكيمياء من علم وصفي إلى علم قياسي يعتمد على القياس الدقيق .و ما إن فتح ذلك الطريق على أساس الاتجاه حتى ظهر التقدم الحقيقي ، وصار من المقرر أن دراسة الكيمياء تقوم على أساس الانتظام و القوانين . بذلك تحولت الكيمياء إلى صف العلوم . و تقدمت دراستها في نصف القرن الذي تلا دالتون تقدماً كبيراَ وسارت في نفس الاتجاه الذي حددته قوانين نيوتن ، و نجح العلماء في زيادة عدد العناصر في سنة 1900 و بذلك ضربت الكيمياء رقماً قياسياً في تقدمها.
لقد كان دالتون يعتبر الذرة كتلة صلبة من المادة تخضع لقوانين نيوتن . و في النصف الأخير من القرن التاسع عشر أجريت تجارب عديدة اتضح منها أن هنالك ذرات أكثر تعقيداً من الذرات التي وصفها دالتون ، فقد بدأ ماسون في سنة 1853 بإمرار تيار كهربائي خلال أنبوبة مفرغة . ثم حاول جسلر أن يعيد التجربة السابقة مستخدما تياراً أقوى و مجموعة من الغازات المختلفة داخل الأنابيب المفرغة .
و في سنة 1878 أستطاع كروكس باستخدام أنابيب مفرغة إلى درجة لم يحصل عليها سابقوه ، أن يلاحظ بريقا عجيبا داخل الأنبوب عند إمرار التيار الكهربي بها . و قد أثبت طويون أن هذه الأشعة العجيبة تحمل شحنات كهربية سالبة ، و أنها تتحرك بسرعة لا يتصورها العقل ، و أنها تكاد تكون عديمة الوزن ،و قد سميت هذه الأشعة أشعة المهبطية ، كنا سميت الأنابيب التي تتلون داخلها أشعة المهبط . وقد تبين أخيراً أن هذه الأشعة ليست إلا سيلا من الالكترونات المتدفقة .
ثم اكتشفت بعد ظاهرة النشاط الإشعاعي ، التي اكتشفتها بكويرل و آل كوري . و قد فتح هذا الاكتشاف عالما جيديا من الجزيئات التي هي دون الذرات . و لم يعد ينظر إلى الذرة على أنها جسم صلب مصمت ، بل صار ينظر إليها على أنها تشبه مجموعة شمسية مصغرة ن تقع كتلتها الكبرى في مركزها حيث تتجمع البروتونات الموجبة ، و من حول هذه الكتلة يتم توزيع الالكترونات السالبة التي هي ليست إلا وحدات من الطاقة تتحرك حول المركز في نظام معين .
و تتوقف الخواص الطبيعة و الكيموية للذرة على ما يحمله حول المركز في نظام معين . و تتوقف على طريقة ترتيب الالكترونات حول النواة . و قد بذلت محاولات في بادىء الأمر لتطبيق قوانين نيوتن على الجزيئات دون الذرة ، و لكن اتضح بعد قليل ان هذه القوانين لا تنطبق على تلك الجزيئات الدقيقة . و قد دعا ذلك إلى ضرورة قيام طرق جديدة أخرى للحساب فنشأت نظرية " الكوانتم " أو نظرية الكم . و هي تساعدنا على أن تعبر تعبيراً رياضياً عن احتمال سلوك البروتونات و الالكترونات و غيرها من الجزيئات دون الذرية .
و في سنة 1927 توصل هايزنبرج إلى نظرية " الشك " أو عدم التحديد لكي يبين لماذا لا تخضع الجزيئات دون الذرية لقوانين نيوتن ز و ينص هذا المبدأ على أنه من المحال تعيين موضع أي جزيء وسرعته في لحظة واحدة . فكلما حاولنا أن نشاهد إلكترونا نجد أننا نغير من حالته ، و قد يتناول التغيير مكانه أو سرعته أو كليهما .
و على ذلك فإننا نستطيع ان نتكلم عن احتمال حدوث ظاهرة ، ولكننا لا نستطيع أن نحددها تحيداً دقيقا ، و عندئذ نقول إن الطبيعة تخضع لقوانين المصادفة الإحصائية . و نحن في العادة نتعامل مع أعداد كبيرة جداً من الأيونات أو الجزيئات في المعمل ، أعداد تبلغ الملايين ، فعندما نمزج المحاليل يسلك كل أيون من الأيونات الداخلة في التفاعل سلوكا خاصاً ، سلوك غير منتظم ، لا نستطيع أن نتنبأ به ، و مع ذلك فإننا نستطيع أن نقدر نتائج التفاعل الكلي تقديرا بالغ الدقة . و قد يكون هنالك مئات الآلاف من الأيونات التي لم تشترك في التفاعل و لكن مادامت الموازين التي نستخدم عاجزة عن تقدير هذا القدر الضئيل منها فإننا نعتبر أن التفاعل قد أكتمل و بلغ درجة التمام .
و يشير دينوي إلى ذلك فيقول : إن كل شيء يتوقف على معايير الملاحظة التي تستخدمها ، و إن ما قد نعتبره تاماً أو كاملا باستخدام أحد المعايير قد لا يكون كذلك عندما نستخدم معياراً آخر ، فإذا مزجنا جراماً من الكربون لأحد الميكروبات التي تزحف فوق هذا التل من الخليط ، فإنه يبدو على صورة مجموعة من الكتل السوداء التي تجاورها كتل بيضاء . و يرجع ذلك إلى اختلاف مستوى الملاحظة في حالة الميكروب عنده في حالتنا .
أما لماذا تخضع الكيمياء للقوانين التي اكتشفناها ، فيرجع إلى أنها علم إحصائي . و على ذلك فإن القوانين الطبيعية الكيماوية تقوم في أساسها على عدم الانتظام .أما ما نشاهده من انتظام الظواهر فيرجع إلى أننا نتعامل مع أعداد بالغة الكبر تخضع في مجموعها لقوانين الإحصاء و تعطي نتائج محددة . ومن أن النظام الذي نشاهده و التوافق الذي نلاحظ إنما يخرجان من الفوضى .
فما هي القوى الموجهة التي وراء هذه القوانين الإحصائية ؟
عندما يطبق الإنسان قوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في الطبيعة مثل تكون جزيء واحد من جزيئات البروتين من العناصر التي تدخل في تركيبه ، فإننا نجد أن عمر الأرض الذي يقدر بثلاثة بلايين من السنين أو أكثر ن لا يعتبر زمنا كافيا لحدوث هذه الظاهرة و تكون هذا الجزيء عن طرق المصادفة إن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت هناك قوة موجهة إلى غاية محددة و تعيننا على إدراك كيف يخرج النظام من الفوضى .
و لابد أن نسلم بأننا لا نعرف حتى الآن كل ما يمكن أن يعرف عن المادة و الطاقة ، فنحن لا نزال في بداية الطريق . و قد يكون ما سميناه عدم نظام أو فوضى على المستوى دون الذري مخافاً لذلك كل المخالفة ، فقد تكون أفكارنا خاطئة أو متأثرة بنقص معلوماتنا عن الظواهر المختلفة ن أو تقيدنا بجانب غير سليم من الملاحظة .
إن الإنسان يشاهد التنظيم و الإبداع حيثما ولى وجهة في نواحي هذا الكون . و يبدو أن هذا الكون يسير نحو هدف معين ، كما يدل على ذلك النظام الذي نشاهده في الذرات ، فهناك نظام معين تتبعه الذرات جميعها من الأيدروجين إلى اليورانيوم وما بعد اليورانيوم .و كلما أزداد علمنا بالقوانين التي تتحكم في توزيع البروتونات و الإلكترونات لإنتاج العناصر المختلفة ، أزداد إيماننا بما يسود عالم المادة من توافق و نظام ، و قد يجيء اليوم الذي ينكشف لنا فيه كيف تتجمع الطاقة لكي تكون تلك الكتل من المادة . و لقد كان أينشتين أول من أظهر العلاقة الموجودة بين المادة و الطاقة . و لا يزال الإنسان في بداية الطري لكشف أسرار الطاقة الذرية ، و قد نستطيع في يوم من الأيام أن تحول الطاقة إلى مادة .
و تدل الشواهد على وحدة الكون من الوجهة الكيماوية . و لدينا من الطرق و الوسائل ما يمكننا من اختبار كثير من العناصر الموجودة في الكواكب الأخرى ، و معرفة أنها هي نفس العناصر التي توجد على الأرض . و حتى النجوم البعيدة عنا ن فإنها تشتمل على عناصر مشابهة لعناصر الأرض . و يعتقد العلماء أن القوانيين الطبيعية التي تتحكم في هذا الكوكب هي عينا القوانين التي تخضع لها النجوم و الكواكب الأخرى في أفلاكها النائية المترامية في الفضاء . فحيثما اتجهنا نجد الإبداع و النظام و التوافق ، حتى هنالك ظل من شك عندي في أن إلها قادرا قد أبدع هذا الكون و بناه وحدد وجهته و غايته .
و كنت أرجوا أن يتسع الوقت و المكان لذكر كثير من الأمثلة الأخرى التي تدل على روعة الإبداع و جلال النظام ،و لكنني أحب ا، أوجه نظر القارىء إلى دورة الماء على الأرض و دورة ثاني أوكسيد الكربون و دورة النشادر و دورة الأكسجين التي تشهد كل منها بحكمة و تدبير و قوة لأحد لها .
و برغم أن هنالك كثيراً من الأشياء في الطبيعة مما لم يصل الإنسان بعد إلى معرفة كنهه او تفسيره و مما لا يزال يكتنفه الغموض ،فإننا لا نريد أن نقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الأقدمون عندما اتخذوا آلهة لكي يجدوا تفسيراً لما غمض عليهم ، و حددوا لكل إله قدرته و عينوا له وظيفته و دائرة تخصصه ... و عندما تقدمت العلوم و أمكن فهم كثير من الظواهر الغامضة و معرفة القوانين التي تخضع لها ، لم يعد هؤلاء الناس في حاجة إلى الآلهة التي نتلمس قدرة الله في النظام الذي خلقه و القوانين التي تحكمها و لكن الإنسان عاجز عن أن يسن تلك القوانين ، فهي من صنع الله وحده .و لا يفعل الإنسان أكثر من أنه يكتشفها ثم يستخدمها في محاولة إدراك أسرار هذا الكون.
و كل قانون يكتشفه الإنسان يزيد قربا من الله ، و قدرة على إدراكه ، فتلك هي الآيات التي يتجلى بها الله علينا ، و قد لا تكون هذه هي طريقته الوحيدة في هذا التجلي ، فهو يتجلى أيضا في كتبها المقدسة مثلا ، و مع ذلك فإن طرقة تجليه تعالى في آياته التي نشاهدها في هذا الكون تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة لنا .
لنظام الفريد في المجموعة الشمسية
نعلم أن في المجموعة الشمسية ثمانية كواكب غير منيرة تدور حول الشمس : أصغرها عطارد ثم المريخ ثم الزهرة ، فالأرض فارونوس فنبتون فزحل فالمشتري ، ثم بلوتوا الذي كشفوه منذ ثلاثين سنة ( و هو كوكب شاذ في صغر حجمه و في بعد عن الشمس فلا يصلح أن يكون سببا قاطعاً لابطال النسبة العجيبة التي سأذكرها عن بعد الكواكب من الشمس ) .هذا في ترتيب أحجامها ، و أما بعدها عن الشمس فالكواكب تأتي على ترتيب آخر : فأقربها عطارد الذي يبلغ متوسط بعده عن الشمس 36 مليون ميل ، ثم الزهرة و متوسط بعدها 67 مليوناً ، فالأرض و متوسط بعدها 93 مليواناً ، فالمريخ و بعده مليوناً ، فالمشتري و بعده 484 مليوناً ، فزحل 887 مليوناً ، فأورانوس و بعده 1782 مليوناً ، و نبتون و متوسط بعده عن الشمس 2792 مليوناً من الأميال .
و ما ذكرت لك هذه الأحجام و الأبعاد لأعرفك بشيء أنت تعرفه ، أو تستطيع أن تعثر عليه في أبسط كتب الفلك ، وإنما ذكرتها لأعرفك بما تطوي عليه هذه الأبعاد من نسب مقدرة تدهش العقول : فقد كشف العلماء أن أبعاد هذه السيارة عن الشمس جارية على نسب مقدرة تدهش العقول : فقد كشف العلماء أن أبعاد هذه السيارات عن الشمس جارية على نسب مقدرة و مطردة تسير وفق (9) منازل : أولها ( الصفر ) ثم تليه ثمانية أعداد تبدأ بالعدد (3) ثم تتدرج متضاعفة هكذا : ( 3ـ 6 ـ 12ـ 24 ـ48ـ 96ـ 192 ـ384ـ).فإذا أضيف إلى كل واحد منها العدد (4) ثم ضرب حاصل الجمع بتسعة ملايين ميل ، ظهر مقدار بعد السيارة التي في منزلة العدد عن الشمس . أي أنه بإضافة (4) إلى كل منزلة تصبح المنازل التسع هكذا ك (4ـ 7ـ10 ـ28ـ100ـ196ـ388).
فإذا أخذنا أعداد المنازل هذه و ضربنا كل عدد منها بتسعة ملايين يظهر لنا بعد السيارة التي هي في منزلة ذلك العدد عن الشمس .فعطارد مثلاً يبلغ متوسط بعده عن الشمس(36) مليون ميل كما سبق القول .و بما أن منزلته في البعد هي الأولى فيكون رقمها (4) فإذا ضربنا 4*9 ملايين يكون حاصل الضرب (36) مليون ميل . و هكذا تسير النسبة في بعد كل سيار عن الشمس مع فروق مختلفة قليلة .
و لكنهم رأوا كيف تكون المنازل التي اكتشفوها في تفاوت الأبعاد تسع منازل في حين أن الكواكب المعروفة ثمانية .
فقد وجدوا أن منزلة العدد (28) ليس فيها كوكب ، بل يأتي ن بعد المريخ صاحب العدد(16) ، كوكب المشتري الذي هو صاحب العدد (52 ) .
فما هو السر في هذا الفراغ ؟ إما أن تكون النسبة التي اكتشفوها غير مطردة و إما أن يكون هنالك كوكب غير منظور في مرتبة العدد (28) على 252 مليون ميل عن الشمس ، أي بين المريخ و المشتري .
و من عجائب النظام الباهر أنهم وجدوا أخيراً في هذا الفراغ الشيء الذي قدّروا أنه لابد من وجوده . و لكنهم لم يجدوه كوكباً كبيراً بل وجدوا كويكبات صغيرة كثيرة تدور كلها في الفراغ المذكور الذي بين المريخ و المشتري أي في نفس المنزلة التي حسبوها من قبل فارغة .
فهل هذا التناسب في مواقع النجوم و أقدارها ، و مواقع الكواكب و أبعادها ، كله أثر من آثار المصادفة العمياء ...
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح