ولما كانت المقاومة خاصية اللاوعي، فإنها لا تكف عن أداء دورها في حالتي اليقظة والنوم دون أن يدركها الفرد أو يعترف بوجودها حتى ولو أُعلم بذلك. ومع هذا فإن الأفكار والمشاعر المكبوتة تتخذ صوراً ومظاهر مقنّعة وتناور الرقابة الصارمة وتفلت منها وتتسلل إلى الوعي كما هو الحال في زلات القلم واللسان والنسيان والنكتة والأحلام. وينظر فرويد إلى الحالة الأخيرة، أي الأحلام، باعتبارها درباً"... من الدروب التي يمكن أن تسلكها إلى الوعي تلك المادة النفسية التي جرى كبتها لما يثيره مضمونها من نفور، والتي حجز عليها خارج الوعي"(فرويد، 1981، 19 ، 20).
ومن هذا المنظور اهتم فرويد بالحلم وتحليل مضمونه ليصل إلى تلك الأفكار والمشاعر التي يرتبط بها ويعبر عنها. فالصور التي يراها الإنسان في الحلم ليست سوى إشارات أو رموز لوقائع وأحداث مكبوتة، أفلحت في مراوغة الرقابة وتمكنت من الإفلات منها. وعلى من يمارس التحليل أن يتقن ترجمة هذه الإشارات وفك تلك الرموز ليقف على فكرة الحلم المكبوتة. وقد أشار فرويد إلى ذلك بقولـه: "إن أفكار الحلم والمحتوى الظاهر للحلم تبدو لنا كتصورين مختلفين لمحتوى واحد. فمحتوى الحلم يبدو لنا كتدوين لأفكار الحلم بنوع آخر من التعبير. وعلينا أن نتعلم إشارات وقوانين العمل بمقارنة الأصل مع الترجمة لفهم أفكار الحلم بصورة مباشرة عندما تظهر لنا. إن محتوى الحلم يعرض لنا على شكل هيروغليفي. فإشاراته يجب أن تترجم واحدة واحدة إلى لغة أفكار الحلم، إننا نخطئ بالتأكيد إذا أردنا قراءة هذه الإشارات كصور وليس حسب معناها الرمزي"(سمير نوف، 1982، 17).
وهكذا أقبل فرويد على نشاطه التحليلي وهو مسلح بطريقتي التداعي الحر وتفسير الأحلام المتكاملتين ليخرج ماخفي في لا وعي مرضاه وفي لا وعيه شخصياً إلى نور الوعي، ويربط بين دقائق وجزئيات تقاريرهم عن ماضيهم البعيد وأحلامهم، كما يربط بين دقائق وجزئيات ذكرياته وأحلامه للوقوف على الأسباب الفعلية للحالات المرضية. فماهي طبيعة المكبوتات؟ وماهي مادتها ـ كما وصفها فرويد ـ ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي الانتقال إلى الجانب الآخر من نظرية فرويد. ونعني الجانب الدافعي للسلوك البشري. فقد وجد فرويد أن أفعال الإنسان وتصرفاته منذ الولادة تنشأ وتتطور في سياق البحث عن أساليب وموضوعات إشباع دوافعه الغريزية. فالكائن البشري يولد بعدد من الغرائز. وعلى إشباعها وكيفية هذا الإشباع يتوقف بقاؤه واستمراره. وأول مايجب أن نعرفه هو أن هذا الإشباع يتم عبر تبادل العضوية الأشياء والعناصر الحيوية مع العالم الخارجي. فبفضل الآليات المعقدة لعمل العضوية تتحول الأشياء والعناصر التي تستمدها من المحيط الخارجي إلى أشكال مختلفة من الطاقة. ومع أن فرويد يشير إلى غريزة الجوع وغريزة العطش وغيرهما، إلا أنه لم يعرها أي اهتمام. ووجد أن غريزة حب البقاء التي أطلق عليها اسم "ايروس EROS"(*) والمتمثلة أساساً في الغريزة الجنسية هي الجوهر الطاقي للعضوية. وللتعبيرعن حجم ونوعية هذه الطاقة استخدم فرويد مصطلح الليبيدو LIBIDO.
إننا لو أردنا تحديد الغريزة(أو الغرائز) الجنسية في النظرية الفرويدية لقلنا بأنها طاقة نفسية فطرية تحرك النشاط النفسي للشخص وتوجهه نحو الإشباع الجنسي. وتبين الخبرة الميدانية أن أفعال الناس الموجهة نحو إشباع رغباتهم الجنسية تصطدم دوماً بعوائق خارجية مصدرها المجتمع. ويرجع فرويد سبب ذلك إلى مخالفة الأشكال والأساليب المتبعة في هذا النشاط للقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع. وهذا ما يقود إلى كبت الانفعالات والأفكار التي رافقت أو نجمت عن حرمان الغريزة من الإشباع. فالكبت يحدث، إذن، في كل مرة يصطدم فيها إشباع الغريزة الجنسية بـ"الممنوع الاجتماعي". ومادام الكبت يعني انتقال تلك الانفعالات والأفكار إلى ساحة اللاوعي وبقاءها في حالة نشاط وتأثير على الإنسان، فإن مزيداً من عمليات الكبت سوف يؤدي إلى نشوء الحالة المرضية العصابية، كالهستيريا، وتشكل العقد النفسية، كعقدة أوديب.
ولما كانت الطاقة الجنسية المختزنة في اللاوعي(الليبيدو) هي التي توجه أفعال الإنسان وتصرفاته ـ كما ذكرنا منذ قليل ـ فقد قرر فرويد أن تكون بداية الحياة الجنسية مع "صيحة الاحتجاج" الأولى التي يطلقها الوليد فور خروجه من رحم أمه. ولهذا نراه يتتبع تجليات الغريزة الجنسية وتحولاتها على امتداد سنوات الطفولة، ويتصور أن تلك التجليات تتجاوز تنبيه العضو التناسلي لتشمل مختلف مناطق البدن. فالوظائف الحياتية تكون مشحونة بشحنة ليبيدوية منذ الولادة. ويطلق فرويد عليها اسم "المناطق الشبقية ـ الذاتية"، لأن تفريغ شحنتها لا يستدعي وجود موضوع خارجي، وإنما يتم بفعل ذاتي يقوم به الطفل كالمص والحك والتغوط... الخ، وهنا يتحدث عن ثلاثة مناطق شبقية رئيسية هي: الفم والشرج والعضو التناسلي. وبكل واحدة منها يناط إشباع حاجة حيوية معينة. فالفم يتولى إشباع الحاجة إلى الطعام. والشرج يقوم بتخليص العضوية من الفضلات. وعضو التناسل يؤدي وظيفة التكاثر، وهكذا فإن مفهوم الحياة الجنسية عند الطفل في الاستعمال الفرويدي لا يقتصر على الوظيفة التناسلية فقط، بل يشمل "كل ما يتلعق بنشاطات الطفولة الأولى الهادفة إلى المتعة المحلية التي يمكن لهذا العضو أو ذاك أن يحصل عليها"، ويلفت فرويد انتباهنا إلى وجود أفعال يقوم بها الطفل عن طريق المناطق الشبقية لا تقود إلى إشباع الحاجة الحيوية المنوطة بها، بقدر ما تحقق خفض التوتر. فقرض الأظافر لا يسد جوع الطفل، والاستمناء لا يؤدي إلى الإنجاب، وإنما يساعدان على التخفيف من التوتر الذي يعاني منه الفرد.
وهكذا فالمناطق الشبقية تلعب دوراً ريادياً في نمو الشخصية وتبلور سماتها، لأنها تعتبر، في رأي فرويد، نوافذ لاتصال الطفل بعالمه الخارجي، وبالتالي ، مصدر تجاربه وخبراته. فما يرافق إشباع الطفل لحاجاته(أو عدم إشباعه لها)، من مشاعر سوف يصبح مركباً لسلوكه الجنسي اللاحق وسبباً في هواماته الواعية واللاواعية.
ومن هذا المنطلق يقرر فرويد أن الأعوام الخمسة أو الستة الأولى من حياة الإنسان هي التي تحدد معالم شخصيته ونمطها. وتبعاً للمناطق الشبقية وتعاقب تمركز الطاقة الجنسية فيها يقسم مراحل النمو ويصنّف الشخصيات. فالطفل يمر بثلاث مراحل أساسية: المرحلة الفمية، والمرحلة الشرجية، والمرحلة القضيبية، وعلى أساس السلوك الجنسي في كل مرحلة منها تتكون ثلاثة أنماط من الشخصية: النمط الفمي، والنمط الشرجي، والنمط القضيبي.
1 ـ المرحلة الفمية: ORAL PHASE يعتبر فرويد الفم أولى المناطق الشبقية الطفلية التي تشرع بأداء وظائفها بعد انفصال الطفل عن الأم مباشرة. فالطفل يحقق اللذة في مطلع حياته بمص الأشياء( ثدي الأم، الرضاعة..)، التي تقترب من شفتيه، أو توضع في فمه. كما يحققها بعد ظهور الأسنان عن طريق العض. وإذا كانت العملية الأولى تزود الطفل بلذة جنسية، فإن العملية الثانية(العض) تزوده باللذة العدوانية. وفي حال تناول الطفل للأشياء المؤلمة(الصلبة أو الحامضة أو المرة) فإنه سرعان ما يعمل على إبعادها عن طريق بصقها. بينما نراه يسلك سلوكاً معاكساً إن هو تعرض إلى محاولة انتزاع شيء لذيذ من فمه، حيث نجده يقاوم ذلك بواسطة غلق فمه. ويذهب فرويد إلى هذه الأفعال(المص، العض، البصق، الإغلاق)، تشكل الخبرات السلوكية الأولى للطفل، وأن تكرارها أو تكرار بعضها في هذه المرحلة يمهد السبيل لتكون بعض سمات الشخصية التي توجه علاقة الفرد بالعالم الخارجي. ويعني ذلك أن كل سمة تقوم على فعل من هذه الأفعال.
فالاتجاه نحو المعرفة والاكتساب وحب الاطلاع تتكون على أساس خبرة المص وتناول الأشياء عن طريق الفم. والعدوان والتخريب والمشاكسة هي نتاج خبرة العض. والاستخفاف والاحتقار والاستعلاء هي تعميمات لخبرة البصق. والسلبية والانسحاب والمعارضة تستمد أصولها من خبرة الإغلاق. وبكلمات أخرى فإن ظهور هذه السمات أوغيابها يتوقف على مدى ما يتيحه المحيط للطفل من مثيرات تحرضه على ممارسة هذه الأفعال أو تكفه عن القيام بها.
2 ـ المرحلة الشرجية ANAL PHASE يقرن فرويد ظهور هذه المرحلة بنمو عضلات المصرات في نهاية القناة الهضمية، أي في الشرج، حيث يصبح الطفل قادراً على ضبط إخراج الفضلات والتحكم بعملية التبرز التي تقضي على توتره أو تخفف منه وتجلب له الإحساس باللذة. ويعتقد فرويد أن خبرة الطفل في مجال تفريغ الشحنات الجنسية في هذه المنطقة الشبقية هي مصدر تكون الحالات الانفعالية والمزاجية. وقد حدد بداية هذه المرحلة في العام الثاني من حياة الطفل، حيث تبادر الأم إلى إخضاع عمليتي التبول والتبرز للمتابعة والمراقبة الدائمتين بهدف إكسابه القدرة على ضبطهما والتحكم بهما. ولهذا فإن على علاقة الأم بطفلها خلال هذه المرحلة والأساليب التي تتبعها في تنظيم هاتين العمليتين وتعلمه كيفية ضبطهما يتوقف نشوء الكثير من جوانب شخصيته. فأسلوب القسوة قد يدفع بالطفل إلى الإصرار والعناد كتعبير عن رفضه لتدخل أمه. وأسلوب اللين واللطف يحمله على إبداء قدر كبير من المرونة والطاعة. ويرجح فرويد أن يصبح الطفل في الحالة الأولى مشاكساً ومتمرداً، وفي الحالة الثانية كريماً ومحباً.
وعلى صعيد آخر يرى فرويد أن الاحتفاظ بالبراز وحجزه الإرادي يجلب للطفل شعوراً باللذة، مثلما تجلبه عملية التبرز نتيجة إثارة الغشاء المخاطي الشرجي. وبالمقابل فإن إخراجه يجعل الطفل قلقاً وحزيناً ويترك لديه شعوراً بالفراغ. ولقد تحدث عن سمات الشخصية التي تتكون في ضوء الخبرات التي يمر بها الإنسان خلال المرحلة الشرجية، فوجد أن البخل والحرص على الأشياء والممتلكات والتمسك بها هي امتداد لخبرات الحجز الإرادي للبراز. والنظافة والانضباط والترتيب هي تعميمات لتجاوب الطفل مع توجيهات الأهل وإرشاداتهم.
3 ـ المرحلة القضيبية PHALLIC PHASE وتبدأ هذه المرحلة عادة في السنة الثالثة من عمر الإنسان. وفيها يتحول التركيز الليبيدوي من الشرج إلى عضو التناسل. فيبدأ الطفل بتوجيه اهتمامه نحو هذه المنطقة الشبقية والشعور بلذة "حسية" لدى لمسه لعضوه التناسلي وتدليكه له. وتتسم هذه المرحلة بتزايد الرغبة الجنسية عند الطفل نحو الوالدين. فإذا كان الصبي في السابق يحب أمه ويتقمص أباه، فإن حبه لأمه الآن يتخذ طابعاً جنسياً، ويتحول موقفه إزاء أبيه إلى شعور بالغيرة والكراهية، ويدعو فرويد هذه الحالة بـ"عقدة أوديب" وقد اقتبس هذه التسمية عن الأسطورة اليونانية التي تحكي قصة الأمير أوديب الذي قتل أباه(لايوس ملك طيبة) دون أن يعرفه، ثم تزوج أمه(جوكاست) فأنجبت له أربعة أولاد. وعندما عرف الحقيقة فقأ عينيه ورحل عن المدينة بصحبة إحدى بناته. وتسبب عقدة أ وديب في نشوء مخاطر طفلية تتمثل في خوف الطفل من رد فعل أبيه على موقفه من أمه. وقد يصل هذا الخوف إلى حد القلق من أن يلحق به أبوه أذىً جسدياً، فيقطع قضيبه لكونه مصدر الخطر. وهذا ما عرفه فرويد بـ"قلق الخصاء".
ومما يثير لدى الصبي مثل هذه المخاوف هو اكتشافه لنقص التكوين الجنسي للبنت وافتقارها إلى العضو التناسلي الذي يمتلكه وبالنتيجة يكبت الطفل رغبته بالانفراد بأمه جنسياً وكراهيته لأبيه، وبذا تختفي عقدة أوديب عنده. وهنا يقول فرويد بتقمص الطفل لأمه إذا كانت الغلبة لعناصر الأنوثة في تكوينه العضوي، وتقمصه لأبيه إذا كانت الغلبة لعناصر الذكورة عنده. وفي الحالة الأولى يشبع الطفل رغبته الجنسية نحو أمه بصورة جزئية، بينما تفسح الحالة الثانية المجال أمامه ليشارك أباه في شحناته الانفعالية تجاه الأم.
ومما تجدر الإشارة إليه، هنا، هو وجود سمات مشتركة، علاوة على السمات المختلفة، لاندفاعات الطاقة الجنسية عند كل من الذكر والأنثى في المرحلة القضيبية. فالبنت ـ كالصبي ـ تتوجه بحبها نحو أمها، ولكنها تختلف عنه في أنها لا تتخذ من الأب موضوعاً للتقمص. وحينما تكتشف النقص في تكوينها العضوي بالمقارنة مع الصبي فإنها تشعر بالخصاء، ويتغير شعورها تجاه أمها، فتحل الغيرة والكراهية محل الحب، بينما يظهر لديها رغبة جنسية تجاه أبيها لأنه يمتلك العضو الذي حرمت منه. وهذا ما أطلق عليه فرويد "حسد القضيب"، وهو يقابل "قلق الخصاء" عن الذكر، ويعتبر "حسد القضيب" و"قلق الخصاء" وجهين لعقدة الخصاء.
وإذا كان "حسد القضيب" يؤدي إلى ظهور عقدة أوديب عند البنت، فإن "قلق الخصاء" ينذر باختفاء هذه العقدة عند الذكر. ولكن ذلك لا يعني أن عقدة أوديب تظل العلامة المميزة للطاقة الجنسية عند البنت، بل إنها تضعف تدريجياً مع نمو العضوية واستحالة تحقيق إشباع جنسي عن طريق الأب. وتلك مؤشرات دخول الغريزة الجنسية في فترة الكمون LATENCY PERIOD التي تستمر ـ كما هو الحال عند الولد ـ حتى سن البلوغ. وتعرف هذه المرحلة حلول التقمصات محل الشحنات الموجهة إلى الخارج. ويتحدد موضوع التقمصات على أساس العناصر الجنسية المزدوجة التي تتكون منها الطاقة الجنسية عند البنت. فإذا كانت العناصر الأنثوية عندها هي الأقوى تقمصت أمها. وإذا كانت العناصر الذكرية هي الأقوى تقمصت أباها..
وبهذه الفرضيات التي لم تجد في العلم حتى الآن ما يثبت صحتها، والتي كانت وما زالت أقرب إلى إسقاط تخيلات ذاتية على الواقع، وإقحامها ضمن الحقائق الموضوعية، حاول مؤسس التحليل النفسي تفسير السلوك السوي والمرضي على حد سواء. وبذل جهوداً ضخمة في البحث عن مرتسمات لأفكاره ومفاهيمه في الحالات المرضية التي أشرف على علاجها، ومن ثم ترتيب كل ذلك ووضعه في قوالب محددة وتقديمها على شكل نظرية تدعي بأنها كشفت عن أسرار اللغز الإنساني، وحسمت الحوار الطويل الذي يمتد إلى تاريخ قديم حول مسألة الدوافع المحركة لنشاط الفرد برمته. فقد وجد أن عقدة أوديب هي مصدر الأعراض المرضية، مثلما هي مرجع لتأويل روائع الإسهامات الإبداعية للفنانين والكتاب وغيرهم. وهذا ما عبر عنه بوضوح في إحدى رسائله حين قال: "... لم يراود خاطري سوى فكرة واحدة لها قيمة عامة. لقد وجدت في، كما لدى أي فرد آخر، مشاعر حب نحو أمي ومشاعر غيرة نحو أبي. وهي مشاعر نجدها، على ما أعتقد، لدى كل الأطفال الصغار حتى عندما لا يكون ظهورها مبكراً للغاية، كما هو الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون لاحقاً من الهستيريين. وعليه فإننا، رغم كل الاعتراضات المنطقية التي تجعلنا نستبعد فرضية القدر المحتوم، نفهم الأثر الأخاذ لمسرحية أوديب الملك. فالأسطورة اليونانية قد استحوذت على نزعة قهرية يمكن لأي كان أن يتعرف عليها، إذ وجد الجميع أثراً لها فيهم. فكل مشاهد كان في يوم من الأيام أوديباً بالقوة وبالخيال، ويمتلكه الهول أمام تحقيق حلمه الذي يمثل كحقيقة على الخشبة. ويقيس هولـه درجة الكبت الذي يفصل حالته الطفلية عن حالته الحاضرة. ويتبادر إلى ذهني أننا قد نجد الشيء ذاته في جذور مأساة هاملت. فكيف يمكننا أن نفهم تردد هاملت في الثأر لأبيه بقتل عمه في حين لا يتردد لحظة واحدة في قتل لاييرت؟.. كيف يمكننا أن نشرح ذلك بأفضل من العذاب الذي تحدثه فيه الذكرى الغامضة بأنه فكر في الجرم نفسه(الذي ارتكبه عمه) تجاه أبيه بسبب حبه لأمه؟"..(رزق الله، بلا تاريخ، 70، 71).
كان فرويد حريصاً على نشر كل ما يستجد لديه من كشوف واستنتاجات، وإطلاع الوسط العلمي على آرائه وتصوراته أولاً بأول، وقد استهل المرحلة الجديدة من حياته العلمية بنشر مؤلفاته "تفسير الأحلام" الذي كتبه خلال عامين. وفرغ من وضعه في أيلول(سبتمبر) عام 1899. وصدر في تشرين الثاني(نوفمبر) من نفس العام. وفضل الناشر أن يكون عام 1900 هو عام إصداره.
يتحدث فرويد في هذا العمل المشهور عن دينامية النفس البشرية ومفهوم اللاوعي ووظائفه وقوانينه ودوره الكبير في حياة الفرد. كما يعرض لمفهوم الحلم ورمزيته وتقنيات ترجمة صور الأحلام وردها إلى أفكارها الأصلية. وعلى عكس ما كان يتوقعه فرويد أو يرغب فيه من إثارة الآخرين بأفكاره الجديدة واهتمامهم بها، فقد قوبل كتابه هذا بكثير من البرود واللامبالاة، بل بالنقد والسخرية في بعض التعليقات عليه. بيد أن ذلك لم يثن من عزيمة صاحبه وطموحه في أن يصبح "رجلاً ذا شأن عظيم" فواصل عمله بصبر وعناد لتقديم مزيد من التوضيحات والأدلة على صحة أفكاره وتصوراته، وبعد بضع سنوات نشر كتاباً بعنوان: "علم النفس المرضي في الحياة اليومية"(1904) تعرض من خلاله إلى الدوافع اللاواعية التي تكمن وراء زلات اللسان والقلم وأخطاء الإدراك والذاكرة وفقدانهما كلياً أو جزئياً وأحلام اليقظة وما إليها من الظواهر النفسية. وفي العام نفسه أصدر كتاباً آخر بعنوان "حالة من حالات الهستيريا". وذكر فيه الأسباب النفسية للأمراض العقلية. وفي عام 1905 نشر كتابه "ثلاث مقالات في النظرية الجنسية"، الذي أصبح أحد أهم المراجع في التحليل النفسي. وتتبع فيه مراحل نمو الغريزة الجنسية ومظاهرها في كل مرحلة منها على نحو ما ذكرنا سابقاً. ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أن فرويد لم يعن بمفهوم المرحلة التحسن التدريجي للأفعال والوظائف النفسية عند الطفل، بقدر ماكان يصف به انتقال الطاقة الليبيدوية من منطقة شبقية إلى منطقة شبقية أخرى، وتحولات أشكال العلاقات أثناء هذه المراحل وصولاً إلى المرحلة الجنسية التناسلية. وقد لاحظ فرويد ـ زيادة على هذا ـ أن مسار الغريزة الجنسية ليس محدداً تحديداً صارماً. فتأثير بعض مكونات المرحلة الأدنى يبقى ملحوظاً في المراحل الأعلى. "وهكذا فإن عناصر فمية أو شرجية تلعب دوراً مهماً فيما يتعدى المرحلة الفمية والشرجية. إن الدوافع ماقبل التناسلية تستمر في حياة الراشد"(سميرنوف، 1982، 98).
ويلاحظ فرويد أن سمة الغريزة الجنسية في فترة ماقبل الجنسية التناسلية هي النرجسية NARCISSISME. ويقصد بالنرجسية تلك الإحساسات الإيجابية(اللذة) التي تنشأ بفعل التنبيهات الذاتية مثل مص الأصابع والتبرز أو حبس الفضلات والاستمناء.
وفي نفس العام، أي عام 1905، درس فرويد في كتابه "النكتة وعلاقتها باللاوعي" أهمية النكتة بالنسبة للإنسان باعتبارها نافذة أو قناة لتفريغ الشحنات الانفعالية حينما لا تتيسر إمكانية تفريغها بصورة عادية. ويذكر المؤرخون أن فرويد كتب مؤلفّيه "ثلاث مقالات..." و"النكتة...". في فترة واحدة وخلال بضعة أشهر. وقبل نهاية عام 1905 حسم أمره بعد تردد دام أربعة أعوام، وقرر نشر حالة دورا بعنوان "نبذة من تحليل حالة هستيريا"(دورا).
وبفضل المثابرة والإصرار تمكن فرويد شيئاً فشيئاً من استقطاب عدد من الأطباء الذين كانت أغلبيتهم العظمى من اليهود، أمثال: و.شتيكل(1868-1940م) صاحب طريقة في العلاج تعرف بـ"التحليل الفعال" ومؤلف عدد من الكتب في النظرية الجنسية، وأوتورانك(1884-1939م) الذي طبق التحليل النفسي في الفن والأدب، وصاحب كتاب "صدمة الميلاد"، الذي عرض فيه فكرته حول انفصال الطفل عن أمه ودوره في العصاب، وأن الرغبة الجنسية للذكر تخفي رغبته في العودة إلى رحمها، وكارل أبراهام(1877-1925م) الذي حاول تفسير طبع الإنسان بتثبيت تغيراته عند مرحلة من مراحل النمو الجنسي، وساندور فرنتزي(1873-1933م)، صاحب تقنية حرمان المريض من الطعام والنوم وإشباع حاجاته المتبقية في حالة ما إذا أبدى مقاومة التداعيات الحرة، وذلك بغية زيادة الطاقة الليبيدوية ويمكن أن نضيف أيضاً إ.جونز
(1879-1958م) رائد حركة التحليل النفسي في إنكلترا ومترجم حياة فرويد، وم.ايتينهاين (1881-1943م) وهـ.ساكس(1881-1947م)، ول.بينسفانغر
(1881-1966م) الذي انشق، فيما بعد، عن التحليل النفسي ووضع نظرية "التحليل الوجودي" الذي ترى أن مهمة الطبيب النفسي تبدأ من التصور الذي يحمله العميل عن العالم. ويبقى أن نشير إلى أن أ.أدلر، أحد الوجوه البارزة في حركة التحليل النفسي، كان في طليعة الذين تجمعوا حول مؤسسها.
لقد ألّف هؤلاء الأطباء مجموعة انضوت تحت لواء التحليل النفسي. وكانت تجتمع بقيادة فرويد وفي منزله مساء كل أربعاء. ولهذا سميت بـ"جماعة الأربعاء النفسية".
وفي تلك الأثناء لفتت آراء فرويد انتباه بلولر، طبيب الأمراض العقلية في مدينة زيوريخ ومساعده يونغ. وأبدى الرجلان استعداداً لتطبيق التحليل النفسي في نشاطهما العلاجي. وقد سرّ فرويد كثيراً حينما عرف بذلك، واعتبر أن هذا الموقف يمهد الطريق أمام انتشار أفكاره في أوساط المسيحيين، بل ويضع حداً لكراهيتهم ومعاداتهم لليهود في فيينا. ولهذا سعى للقاء بلولر ويونغ. وفي آخر يوم أحد من شهر شباط(فبراير) عام 1907 استقبل فرويد يونغ في منزله، وتبادل معه الآراء في جلسة طويلة تركت لديه انطباعاً إيجابياً عن ضيفه وقدراته العلمية. وأبدى رغبة شديدة في توطيد علاقته به وتوظيفها لصالح حركته في المستقبل.
وفي 22/9/1907 اتخذ فرويد قراراً بحل "جماعة الأربعاء النفسية".وقد ورد هذا القرار في رسالة بعث بها إلى أعضاء الجماعة عندما كان في روما. ولكنه طلب في الوقت نفسه ممن يريد منهم تقديم طلب انتساب جديد. وفي شهر نيسان(أبريل) من عام 1908 عقد المؤتمر الأول للتحليل النفسي في فندق بريستول في مدينة سالسبورغ. ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمرون إصدار مجلة باسم "مجلة التحليل النفسي وعلم النفس المرضي"، وأن يكون فرويد وبلولر مديرين لها، ويونغ رئيساً لتحريرها. ولكن الخلاف الذي نشب بين يونغ وأبراهام كاد أن يحدث شرخاً في التجمع الجديد لولا تدخل فرويد ووقوفه المصلحي إلى جانب يونغ، ومحاولاته الدؤوبة لثني أبراهام عن موقفه وإقناعه بأهمية وجود يونغ معهم. والحقيقة أن ذرائعه في هذا الشأن كانت بعيدة تماماً عن العلم وروحه. وهذا ما يبدو واضحاً من خلال رسائله إلى أبراهام. فقد جاء في إحداها مايلي: "تذكر أن يونغ، وهو مسيحي وابن قسّ، قد تغلب على مقاومات كبيرة قبل أن يجد طريقه إلي"... وأن علينا نحن اليهود، إذا أردنا التعاون مع الآخرين، أن نبدي بعض المازوكية، وأن نستعد لتحمل بعض الظلم". ويعلل ذلك بأنَّه "لا غنى عن أصدقائنا الآريين. دونهم يقع التحليل النفسي ضحية المعاداة للسامية"(رزق الله، بلا تاريخ، 78).
بوح الروح
ومن هذا المنظور اهتم فرويد بالحلم وتحليل مضمونه ليصل إلى تلك الأفكار والمشاعر التي يرتبط بها ويعبر عنها. فالصور التي يراها الإنسان في الحلم ليست سوى إشارات أو رموز لوقائع وأحداث مكبوتة، أفلحت في مراوغة الرقابة وتمكنت من الإفلات منها. وعلى من يمارس التحليل أن يتقن ترجمة هذه الإشارات وفك تلك الرموز ليقف على فكرة الحلم المكبوتة. وقد أشار فرويد إلى ذلك بقولـه: "إن أفكار الحلم والمحتوى الظاهر للحلم تبدو لنا كتصورين مختلفين لمحتوى واحد. فمحتوى الحلم يبدو لنا كتدوين لأفكار الحلم بنوع آخر من التعبير. وعلينا أن نتعلم إشارات وقوانين العمل بمقارنة الأصل مع الترجمة لفهم أفكار الحلم بصورة مباشرة عندما تظهر لنا. إن محتوى الحلم يعرض لنا على شكل هيروغليفي. فإشاراته يجب أن تترجم واحدة واحدة إلى لغة أفكار الحلم، إننا نخطئ بالتأكيد إذا أردنا قراءة هذه الإشارات كصور وليس حسب معناها الرمزي"(سمير نوف، 1982، 17).
وهكذا أقبل فرويد على نشاطه التحليلي وهو مسلح بطريقتي التداعي الحر وتفسير الأحلام المتكاملتين ليخرج ماخفي في لا وعي مرضاه وفي لا وعيه شخصياً إلى نور الوعي، ويربط بين دقائق وجزئيات تقاريرهم عن ماضيهم البعيد وأحلامهم، كما يربط بين دقائق وجزئيات ذكرياته وأحلامه للوقوف على الأسباب الفعلية للحالات المرضية. فماهي طبيعة المكبوتات؟ وماهي مادتها ـ كما وصفها فرويد ـ ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي الانتقال إلى الجانب الآخر من نظرية فرويد. ونعني الجانب الدافعي للسلوك البشري. فقد وجد فرويد أن أفعال الإنسان وتصرفاته منذ الولادة تنشأ وتتطور في سياق البحث عن أساليب وموضوعات إشباع دوافعه الغريزية. فالكائن البشري يولد بعدد من الغرائز. وعلى إشباعها وكيفية هذا الإشباع يتوقف بقاؤه واستمراره. وأول مايجب أن نعرفه هو أن هذا الإشباع يتم عبر تبادل العضوية الأشياء والعناصر الحيوية مع العالم الخارجي. فبفضل الآليات المعقدة لعمل العضوية تتحول الأشياء والعناصر التي تستمدها من المحيط الخارجي إلى أشكال مختلفة من الطاقة. ومع أن فرويد يشير إلى غريزة الجوع وغريزة العطش وغيرهما، إلا أنه لم يعرها أي اهتمام. ووجد أن غريزة حب البقاء التي أطلق عليها اسم "ايروس EROS"(*) والمتمثلة أساساً في الغريزة الجنسية هي الجوهر الطاقي للعضوية. وللتعبيرعن حجم ونوعية هذه الطاقة استخدم فرويد مصطلح الليبيدو LIBIDO.
إننا لو أردنا تحديد الغريزة(أو الغرائز) الجنسية في النظرية الفرويدية لقلنا بأنها طاقة نفسية فطرية تحرك النشاط النفسي للشخص وتوجهه نحو الإشباع الجنسي. وتبين الخبرة الميدانية أن أفعال الناس الموجهة نحو إشباع رغباتهم الجنسية تصطدم دوماً بعوائق خارجية مصدرها المجتمع. ويرجع فرويد سبب ذلك إلى مخالفة الأشكال والأساليب المتبعة في هذا النشاط للقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع. وهذا ما يقود إلى كبت الانفعالات والأفكار التي رافقت أو نجمت عن حرمان الغريزة من الإشباع. فالكبت يحدث، إذن، في كل مرة يصطدم فيها إشباع الغريزة الجنسية بـ"الممنوع الاجتماعي". ومادام الكبت يعني انتقال تلك الانفعالات والأفكار إلى ساحة اللاوعي وبقاءها في حالة نشاط وتأثير على الإنسان، فإن مزيداً من عمليات الكبت سوف يؤدي إلى نشوء الحالة المرضية العصابية، كالهستيريا، وتشكل العقد النفسية، كعقدة أوديب.
ولما كانت الطاقة الجنسية المختزنة في اللاوعي(الليبيدو) هي التي توجه أفعال الإنسان وتصرفاته ـ كما ذكرنا منذ قليل ـ فقد قرر فرويد أن تكون بداية الحياة الجنسية مع "صيحة الاحتجاج" الأولى التي يطلقها الوليد فور خروجه من رحم أمه. ولهذا نراه يتتبع تجليات الغريزة الجنسية وتحولاتها على امتداد سنوات الطفولة، ويتصور أن تلك التجليات تتجاوز تنبيه العضو التناسلي لتشمل مختلف مناطق البدن. فالوظائف الحياتية تكون مشحونة بشحنة ليبيدوية منذ الولادة. ويطلق فرويد عليها اسم "المناطق الشبقية ـ الذاتية"، لأن تفريغ شحنتها لا يستدعي وجود موضوع خارجي، وإنما يتم بفعل ذاتي يقوم به الطفل كالمص والحك والتغوط... الخ، وهنا يتحدث عن ثلاثة مناطق شبقية رئيسية هي: الفم والشرج والعضو التناسلي. وبكل واحدة منها يناط إشباع حاجة حيوية معينة. فالفم يتولى إشباع الحاجة إلى الطعام. والشرج يقوم بتخليص العضوية من الفضلات. وعضو التناسل يؤدي وظيفة التكاثر، وهكذا فإن مفهوم الحياة الجنسية عند الطفل في الاستعمال الفرويدي لا يقتصر على الوظيفة التناسلية فقط، بل يشمل "كل ما يتلعق بنشاطات الطفولة الأولى الهادفة إلى المتعة المحلية التي يمكن لهذا العضو أو ذاك أن يحصل عليها"، ويلفت فرويد انتباهنا إلى وجود أفعال يقوم بها الطفل عن طريق المناطق الشبقية لا تقود إلى إشباع الحاجة الحيوية المنوطة بها، بقدر ما تحقق خفض التوتر. فقرض الأظافر لا يسد جوع الطفل، والاستمناء لا يؤدي إلى الإنجاب، وإنما يساعدان على التخفيف من التوتر الذي يعاني منه الفرد.
وهكذا فالمناطق الشبقية تلعب دوراً ريادياً في نمو الشخصية وتبلور سماتها، لأنها تعتبر، في رأي فرويد، نوافذ لاتصال الطفل بعالمه الخارجي، وبالتالي ، مصدر تجاربه وخبراته. فما يرافق إشباع الطفل لحاجاته(أو عدم إشباعه لها)، من مشاعر سوف يصبح مركباً لسلوكه الجنسي اللاحق وسبباً في هواماته الواعية واللاواعية.
ومن هذا المنطلق يقرر فرويد أن الأعوام الخمسة أو الستة الأولى من حياة الإنسان هي التي تحدد معالم شخصيته ونمطها. وتبعاً للمناطق الشبقية وتعاقب تمركز الطاقة الجنسية فيها يقسم مراحل النمو ويصنّف الشخصيات. فالطفل يمر بثلاث مراحل أساسية: المرحلة الفمية، والمرحلة الشرجية، والمرحلة القضيبية، وعلى أساس السلوك الجنسي في كل مرحلة منها تتكون ثلاثة أنماط من الشخصية: النمط الفمي، والنمط الشرجي، والنمط القضيبي.
1 ـ المرحلة الفمية: ORAL PHASE يعتبر فرويد الفم أولى المناطق الشبقية الطفلية التي تشرع بأداء وظائفها بعد انفصال الطفل عن الأم مباشرة. فالطفل يحقق اللذة في مطلع حياته بمص الأشياء( ثدي الأم، الرضاعة..)، التي تقترب من شفتيه، أو توضع في فمه. كما يحققها بعد ظهور الأسنان عن طريق العض. وإذا كانت العملية الأولى تزود الطفل بلذة جنسية، فإن العملية الثانية(العض) تزوده باللذة العدوانية. وفي حال تناول الطفل للأشياء المؤلمة(الصلبة أو الحامضة أو المرة) فإنه سرعان ما يعمل على إبعادها عن طريق بصقها. بينما نراه يسلك سلوكاً معاكساً إن هو تعرض إلى محاولة انتزاع شيء لذيذ من فمه، حيث نجده يقاوم ذلك بواسطة غلق فمه. ويذهب فرويد إلى هذه الأفعال(المص، العض، البصق، الإغلاق)، تشكل الخبرات السلوكية الأولى للطفل، وأن تكرارها أو تكرار بعضها في هذه المرحلة يمهد السبيل لتكون بعض سمات الشخصية التي توجه علاقة الفرد بالعالم الخارجي. ويعني ذلك أن كل سمة تقوم على فعل من هذه الأفعال.
فالاتجاه نحو المعرفة والاكتساب وحب الاطلاع تتكون على أساس خبرة المص وتناول الأشياء عن طريق الفم. والعدوان والتخريب والمشاكسة هي نتاج خبرة العض. والاستخفاف والاحتقار والاستعلاء هي تعميمات لخبرة البصق. والسلبية والانسحاب والمعارضة تستمد أصولها من خبرة الإغلاق. وبكلمات أخرى فإن ظهور هذه السمات أوغيابها يتوقف على مدى ما يتيحه المحيط للطفل من مثيرات تحرضه على ممارسة هذه الأفعال أو تكفه عن القيام بها.
2 ـ المرحلة الشرجية ANAL PHASE يقرن فرويد ظهور هذه المرحلة بنمو عضلات المصرات في نهاية القناة الهضمية، أي في الشرج، حيث يصبح الطفل قادراً على ضبط إخراج الفضلات والتحكم بعملية التبرز التي تقضي على توتره أو تخفف منه وتجلب له الإحساس باللذة. ويعتقد فرويد أن خبرة الطفل في مجال تفريغ الشحنات الجنسية في هذه المنطقة الشبقية هي مصدر تكون الحالات الانفعالية والمزاجية. وقد حدد بداية هذه المرحلة في العام الثاني من حياة الطفل، حيث تبادر الأم إلى إخضاع عمليتي التبول والتبرز للمتابعة والمراقبة الدائمتين بهدف إكسابه القدرة على ضبطهما والتحكم بهما. ولهذا فإن على علاقة الأم بطفلها خلال هذه المرحلة والأساليب التي تتبعها في تنظيم هاتين العمليتين وتعلمه كيفية ضبطهما يتوقف نشوء الكثير من جوانب شخصيته. فأسلوب القسوة قد يدفع بالطفل إلى الإصرار والعناد كتعبير عن رفضه لتدخل أمه. وأسلوب اللين واللطف يحمله على إبداء قدر كبير من المرونة والطاعة. ويرجح فرويد أن يصبح الطفل في الحالة الأولى مشاكساً ومتمرداً، وفي الحالة الثانية كريماً ومحباً.
وعلى صعيد آخر يرى فرويد أن الاحتفاظ بالبراز وحجزه الإرادي يجلب للطفل شعوراً باللذة، مثلما تجلبه عملية التبرز نتيجة إثارة الغشاء المخاطي الشرجي. وبالمقابل فإن إخراجه يجعل الطفل قلقاً وحزيناً ويترك لديه شعوراً بالفراغ. ولقد تحدث عن سمات الشخصية التي تتكون في ضوء الخبرات التي يمر بها الإنسان خلال المرحلة الشرجية، فوجد أن البخل والحرص على الأشياء والممتلكات والتمسك بها هي امتداد لخبرات الحجز الإرادي للبراز. والنظافة والانضباط والترتيب هي تعميمات لتجاوب الطفل مع توجيهات الأهل وإرشاداتهم.
3 ـ المرحلة القضيبية PHALLIC PHASE وتبدأ هذه المرحلة عادة في السنة الثالثة من عمر الإنسان. وفيها يتحول التركيز الليبيدوي من الشرج إلى عضو التناسل. فيبدأ الطفل بتوجيه اهتمامه نحو هذه المنطقة الشبقية والشعور بلذة "حسية" لدى لمسه لعضوه التناسلي وتدليكه له. وتتسم هذه المرحلة بتزايد الرغبة الجنسية عند الطفل نحو الوالدين. فإذا كان الصبي في السابق يحب أمه ويتقمص أباه، فإن حبه لأمه الآن يتخذ طابعاً جنسياً، ويتحول موقفه إزاء أبيه إلى شعور بالغيرة والكراهية، ويدعو فرويد هذه الحالة بـ"عقدة أوديب" وقد اقتبس هذه التسمية عن الأسطورة اليونانية التي تحكي قصة الأمير أوديب الذي قتل أباه(لايوس ملك طيبة) دون أن يعرفه، ثم تزوج أمه(جوكاست) فأنجبت له أربعة أولاد. وعندما عرف الحقيقة فقأ عينيه ورحل عن المدينة بصحبة إحدى بناته. وتسبب عقدة أ وديب في نشوء مخاطر طفلية تتمثل في خوف الطفل من رد فعل أبيه على موقفه من أمه. وقد يصل هذا الخوف إلى حد القلق من أن يلحق به أبوه أذىً جسدياً، فيقطع قضيبه لكونه مصدر الخطر. وهذا ما عرفه فرويد بـ"قلق الخصاء".
ومما يثير لدى الصبي مثل هذه المخاوف هو اكتشافه لنقص التكوين الجنسي للبنت وافتقارها إلى العضو التناسلي الذي يمتلكه وبالنتيجة يكبت الطفل رغبته بالانفراد بأمه جنسياً وكراهيته لأبيه، وبذا تختفي عقدة أوديب عنده. وهنا يقول فرويد بتقمص الطفل لأمه إذا كانت الغلبة لعناصر الأنوثة في تكوينه العضوي، وتقمصه لأبيه إذا كانت الغلبة لعناصر الذكورة عنده. وفي الحالة الأولى يشبع الطفل رغبته الجنسية نحو أمه بصورة جزئية، بينما تفسح الحالة الثانية المجال أمامه ليشارك أباه في شحناته الانفعالية تجاه الأم.
ومما تجدر الإشارة إليه، هنا، هو وجود سمات مشتركة، علاوة على السمات المختلفة، لاندفاعات الطاقة الجنسية عند كل من الذكر والأنثى في المرحلة القضيبية. فالبنت ـ كالصبي ـ تتوجه بحبها نحو أمها، ولكنها تختلف عنه في أنها لا تتخذ من الأب موضوعاً للتقمص. وحينما تكتشف النقص في تكوينها العضوي بالمقارنة مع الصبي فإنها تشعر بالخصاء، ويتغير شعورها تجاه أمها، فتحل الغيرة والكراهية محل الحب، بينما يظهر لديها رغبة جنسية تجاه أبيها لأنه يمتلك العضو الذي حرمت منه. وهذا ما أطلق عليه فرويد "حسد القضيب"، وهو يقابل "قلق الخصاء" عن الذكر، ويعتبر "حسد القضيب" و"قلق الخصاء" وجهين لعقدة الخصاء.
وإذا كان "حسد القضيب" يؤدي إلى ظهور عقدة أوديب عند البنت، فإن "قلق الخصاء" ينذر باختفاء هذه العقدة عند الذكر. ولكن ذلك لا يعني أن عقدة أوديب تظل العلامة المميزة للطاقة الجنسية عند البنت، بل إنها تضعف تدريجياً مع نمو العضوية واستحالة تحقيق إشباع جنسي عن طريق الأب. وتلك مؤشرات دخول الغريزة الجنسية في فترة الكمون LATENCY PERIOD التي تستمر ـ كما هو الحال عند الولد ـ حتى سن البلوغ. وتعرف هذه المرحلة حلول التقمصات محل الشحنات الموجهة إلى الخارج. ويتحدد موضوع التقمصات على أساس العناصر الجنسية المزدوجة التي تتكون منها الطاقة الجنسية عند البنت. فإذا كانت العناصر الأنثوية عندها هي الأقوى تقمصت أمها. وإذا كانت العناصر الذكرية هي الأقوى تقمصت أباها..
وبهذه الفرضيات التي لم تجد في العلم حتى الآن ما يثبت صحتها، والتي كانت وما زالت أقرب إلى إسقاط تخيلات ذاتية على الواقع، وإقحامها ضمن الحقائق الموضوعية، حاول مؤسس التحليل النفسي تفسير السلوك السوي والمرضي على حد سواء. وبذل جهوداً ضخمة في البحث عن مرتسمات لأفكاره ومفاهيمه في الحالات المرضية التي أشرف على علاجها، ومن ثم ترتيب كل ذلك ووضعه في قوالب محددة وتقديمها على شكل نظرية تدعي بأنها كشفت عن أسرار اللغز الإنساني، وحسمت الحوار الطويل الذي يمتد إلى تاريخ قديم حول مسألة الدوافع المحركة لنشاط الفرد برمته. فقد وجد أن عقدة أوديب هي مصدر الأعراض المرضية، مثلما هي مرجع لتأويل روائع الإسهامات الإبداعية للفنانين والكتاب وغيرهم. وهذا ما عبر عنه بوضوح في إحدى رسائله حين قال: "... لم يراود خاطري سوى فكرة واحدة لها قيمة عامة. لقد وجدت في، كما لدى أي فرد آخر، مشاعر حب نحو أمي ومشاعر غيرة نحو أبي. وهي مشاعر نجدها، على ما أعتقد، لدى كل الأطفال الصغار حتى عندما لا يكون ظهورها مبكراً للغاية، كما هو الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون لاحقاً من الهستيريين. وعليه فإننا، رغم كل الاعتراضات المنطقية التي تجعلنا نستبعد فرضية القدر المحتوم، نفهم الأثر الأخاذ لمسرحية أوديب الملك. فالأسطورة اليونانية قد استحوذت على نزعة قهرية يمكن لأي كان أن يتعرف عليها، إذ وجد الجميع أثراً لها فيهم. فكل مشاهد كان في يوم من الأيام أوديباً بالقوة وبالخيال، ويمتلكه الهول أمام تحقيق حلمه الذي يمثل كحقيقة على الخشبة. ويقيس هولـه درجة الكبت الذي يفصل حالته الطفلية عن حالته الحاضرة. ويتبادر إلى ذهني أننا قد نجد الشيء ذاته في جذور مأساة هاملت. فكيف يمكننا أن نفهم تردد هاملت في الثأر لأبيه بقتل عمه في حين لا يتردد لحظة واحدة في قتل لاييرت؟.. كيف يمكننا أن نشرح ذلك بأفضل من العذاب الذي تحدثه فيه الذكرى الغامضة بأنه فكر في الجرم نفسه(الذي ارتكبه عمه) تجاه أبيه بسبب حبه لأمه؟"..(رزق الله، بلا تاريخ، 70، 71).
كان فرويد حريصاً على نشر كل ما يستجد لديه من كشوف واستنتاجات، وإطلاع الوسط العلمي على آرائه وتصوراته أولاً بأول، وقد استهل المرحلة الجديدة من حياته العلمية بنشر مؤلفاته "تفسير الأحلام" الذي كتبه خلال عامين. وفرغ من وضعه في أيلول(سبتمبر) عام 1899. وصدر في تشرين الثاني(نوفمبر) من نفس العام. وفضل الناشر أن يكون عام 1900 هو عام إصداره.
يتحدث فرويد في هذا العمل المشهور عن دينامية النفس البشرية ومفهوم اللاوعي ووظائفه وقوانينه ودوره الكبير في حياة الفرد. كما يعرض لمفهوم الحلم ورمزيته وتقنيات ترجمة صور الأحلام وردها إلى أفكارها الأصلية. وعلى عكس ما كان يتوقعه فرويد أو يرغب فيه من إثارة الآخرين بأفكاره الجديدة واهتمامهم بها، فقد قوبل كتابه هذا بكثير من البرود واللامبالاة، بل بالنقد والسخرية في بعض التعليقات عليه. بيد أن ذلك لم يثن من عزيمة صاحبه وطموحه في أن يصبح "رجلاً ذا شأن عظيم" فواصل عمله بصبر وعناد لتقديم مزيد من التوضيحات والأدلة على صحة أفكاره وتصوراته، وبعد بضع سنوات نشر كتاباً بعنوان: "علم النفس المرضي في الحياة اليومية"(1904) تعرض من خلاله إلى الدوافع اللاواعية التي تكمن وراء زلات اللسان والقلم وأخطاء الإدراك والذاكرة وفقدانهما كلياً أو جزئياً وأحلام اليقظة وما إليها من الظواهر النفسية. وفي العام نفسه أصدر كتاباً آخر بعنوان "حالة من حالات الهستيريا". وذكر فيه الأسباب النفسية للأمراض العقلية. وفي عام 1905 نشر كتابه "ثلاث مقالات في النظرية الجنسية"، الذي أصبح أحد أهم المراجع في التحليل النفسي. وتتبع فيه مراحل نمو الغريزة الجنسية ومظاهرها في كل مرحلة منها على نحو ما ذكرنا سابقاً. ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أن فرويد لم يعن بمفهوم المرحلة التحسن التدريجي للأفعال والوظائف النفسية عند الطفل، بقدر ماكان يصف به انتقال الطاقة الليبيدوية من منطقة شبقية إلى منطقة شبقية أخرى، وتحولات أشكال العلاقات أثناء هذه المراحل وصولاً إلى المرحلة الجنسية التناسلية. وقد لاحظ فرويد ـ زيادة على هذا ـ أن مسار الغريزة الجنسية ليس محدداً تحديداً صارماً. فتأثير بعض مكونات المرحلة الأدنى يبقى ملحوظاً في المراحل الأعلى. "وهكذا فإن عناصر فمية أو شرجية تلعب دوراً مهماً فيما يتعدى المرحلة الفمية والشرجية. إن الدوافع ماقبل التناسلية تستمر في حياة الراشد"(سميرنوف، 1982، 98).
ويلاحظ فرويد أن سمة الغريزة الجنسية في فترة ماقبل الجنسية التناسلية هي النرجسية NARCISSISME. ويقصد بالنرجسية تلك الإحساسات الإيجابية(اللذة) التي تنشأ بفعل التنبيهات الذاتية مثل مص الأصابع والتبرز أو حبس الفضلات والاستمناء.
وفي نفس العام، أي عام 1905، درس فرويد في كتابه "النكتة وعلاقتها باللاوعي" أهمية النكتة بالنسبة للإنسان باعتبارها نافذة أو قناة لتفريغ الشحنات الانفعالية حينما لا تتيسر إمكانية تفريغها بصورة عادية. ويذكر المؤرخون أن فرويد كتب مؤلفّيه "ثلاث مقالات..." و"النكتة...". في فترة واحدة وخلال بضعة أشهر. وقبل نهاية عام 1905 حسم أمره بعد تردد دام أربعة أعوام، وقرر نشر حالة دورا بعنوان "نبذة من تحليل حالة هستيريا"(دورا).
وبفضل المثابرة والإصرار تمكن فرويد شيئاً فشيئاً من استقطاب عدد من الأطباء الذين كانت أغلبيتهم العظمى من اليهود، أمثال: و.شتيكل(1868-1940م) صاحب طريقة في العلاج تعرف بـ"التحليل الفعال" ومؤلف عدد من الكتب في النظرية الجنسية، وأوتورانك(1884-1939م) الذي طبق التحليل النفسي في الفن والأدب، وصاحب كتاب "صدمة الميلاد"، الذي عرض فيه فكرته حول انفصال الطفل عن أمه ودوره في العصاب، وأن الرغبة الجنسية للذكر تخفي رغبته في العودة إلى رحمها، وكارل أبراهام(1877-1925م) الذي حاول تفسير طبع الإنسان بتثبيت تغيراته عند مرحلة من مراحل النمو الجنسي، وساندور فرنتزي(1873-1933م)، صاحب تقنية حرمان المريض من الطعام والنوم وإشباع حاجاته المتبقية في حالة ما إذا أبدى مقاومة التداعيات الحرة، وذلك بغية زيادة الطاقة الليبيدوية ويمكن أن نضيف أيضاً إ.جونز
(1879-1958م) رائد حركة التحليل النفسي في إنكلترا ومترجم حياة فرويد، وم.ايتينهاين (1881-1943م) وهـ.ساكس(1881-1947م)، ول.بينسفانغر
(1881-1966م) الذي انشق، فيما بعد، عن التحليل النفسي ووضع نظرية "التحليل الوجودي" الذي ترى أن مهمة الطبيب النفسي تبدأ من التصور الذي يحمله العميل عن العالم. ويبقى أن نشير إلى أن أ.أدلر، أحد الوجوه البارزة في حركة التحليل النفسي، كان في طليعة الذين تجمعوا حول مؤسسها.
لقد ألّف هؤلاء الأطباء مجموعة انضوت تحت لواء التحليل النفسي. وكانت تجتمع بقيادة فرويد وفي منزله مساء كل أربعاء. ولهذا سميت بـ"جماعة الأربعاء النفسية".
وفي تلك الأثناء لفتت آراء فرويد انتباه بلولر، طبيب الأمراض العقلية في مدينة زيوريخ ومساعده يونغ. وأبدى الرجلان استعداداً لتطبيق التحليل النفسي في نشاطهما العلاجي. وقد سرّ فرويد كثيراً حينما عرف بذلك، واعتبر أن هذا الموقف يمهد الطريق أمام انتشار أفكاره في أوساط المسيحيين، بل ويضع حداً لكراهيتهم ومعاداتهم لليهود في فيينا. ولهذا سعى للقاء بلولر ويونغ. وفي آخر يوم أحد من شهر شباط(فبراير) عام 1907 استقبل فرويد يونغ في منزله، وتبادل معه الآراء في جلسة طويلة تركت لديه انطباعاً إيجابياً عن ضيفه وقدراته العلمية. وأبدى رغبة شديدة في توطيد علاقته به وتوظيفها لصالح حركته في المستقبل.
وفي 22/9/1907 اتخذ فرويد قراراً بحل "جماعة الأربعاء النفسية".وقد ورد هذا القرار في رسالة بعث بها إلى أعضاء الجماعة عندما كان في روما. ولكنه طلب في الوقت نفسه ممن يريد منهم تقديم طلب انتساب جديد. وفي شهر نيسان(أبريل) من عام 1908 عقد المؤتمر الأول للتحليل النفسي في فندق بريستول في مدينة سالسبورغ. ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمرون إصدار مجلة باسم "مجلة التحليل النفسي وعلم النفس المرضي"، وأن يكون فرويد وبلولر مديرين لها، ويونغ رئيساً لتحريرها. ولكن الخلاف الذي نشب بين يونغ وأبراهام كاد أن يحدث شرخاً في التجمع الجديد لولا تدخل فرويد ووقوفه المصلحي إلى جانب يونغ، ومحاولاته الدؤوبة لثني أبراهام عن موقفه وإقناعه بأهمية وجود يونغ معهم. والحقيقة أن ذرائعه في هذا الشأن كانت بعيدة تماماً عن العلم وروحه. وهذا ما يبدو واضحاً من خلال رسائله إلى أبراهام. فقد جاء في إحداها مايلي: "تذكر أن يونغ، وهو مسيحي وابن قسّ، قد تغلب على مقاومات كبيرة قبل أن يجد طريقه إلي"... وأن علينا نحن اليهود، إذا أردنا التعاون مع الآخرين، أن نبدي بعض المازوكية، وأن نستعد لتحمل بعض الظلم". ويعلل ذلك بأنَّه "لا غنى عن أصدقائنا الآريين. دونهم يقع التحليل النفسي ضحية المعاداة للسامية"(رزق الله، بلا تاريخ، 78).
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح