وصف الجنة من الكتاب والسنةوالطريق الموصل إليهاالجزء الثاني عيون وأنهار الجنة:
ولما كانت النفس البشرية تألف المياه والبساتين والأشجار وتسكن إليها فقد زين الله جل وعلا الجنة, وألبسها من بهاء الأشجار وعلوها وبركة الثمار ونموها وجريان الأنهار وسيولها وعذوبة العيون في أركانها,ما تقر به أعين عباد الله الصالحين.
عيون الجنة: قال تعالى: إن المتقين في جنات وعيون [ الحجر45 ]، وقال سبحانه: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراعيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً [ الإنسان 5-6 ] ، قال بعض السلف: "معهم قضبان من حديد حيثما مالوا مالت معهم" *حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح *
أخي الحبيب: ما بالك بقوم سلكوا طريق النجاة.. وتزودوا بالطاعات واتقوا ربهم حق التقاة..فأورثهم الله تلك الجنات, تتفجر عيونها كل حين, تارة تمزج بالكافور فتكون باردة طيبة الرائحة,وأخرى بالزنجبيل فتكون حارة طيبة الرائحة, قال تعالى:قال تعالى:
ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا عيناً فيها تسمى سلسبيلا[ الإنسان 17-18 ]
وقال سبحانه:
إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين [ الحجر 45-46 ]
فأحسن –أخي الكريم-يحسن الله إليك,وصفِّ سعيك إلى الجنة بالصدق والإخلاص والعمل الصالح, يسقيك الله من عيونه وشراب جنته:
صفى المقرب سعيه فصفا له
ذاك الشراب فتلك تصفيتان
وفي الجنة عينان: الأولى: عين الكافور: قال تعالى: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا ًيشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً [ الإنسان 5-6 ] وهذه العين يشرب منها المقربون الماء الخالص.وأما الأبرار فيشربونه ممزوجاً.
الثانية: عين التسنيم: قال تعالى: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختومختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيمعينا ًيشرب بها المقربون [ المطففين 22-28 ]
أنهار الجنة: وبين تلك القصور الذهبية, والخيام البهية تجري أنهار عذبة لذة.. أعدها الله للمؤمنين ونوَّع أجناسها وشرابها, فمنها الماء ومنها العسل ومنها الخمر ومنها اللبن. قال تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى [ محمد 15 ]
فماء الدنيا يأسن ويأجن من طول مكثه.. لكن مياه أنهار الجنة لا تأسن.. ولبن الدنيا تصيبه الحموضة إذا طال مكثه لكن لبن الآخرة لا يتغير طعمه, وخمر الدنيا كريهة المذاق كريهة الرائحة أما خمر الجنة ففيها من اللذة ما يبعث على الشرب, وعسل الدنيا تصيبه الأخلاط فلا يصفو, أما عسل الجنة فصاف لامع طري. فأين هي الدنيا من الآخرة؟ وكيف يحرص عاقل على لذة ناقصة فانية ويترك اللذة الكاملة الباقية؟ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وقد أخبرنا رسول الله أنه في إسرائه :" رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان, فقلت: يا جبريل, ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة, وأما الظاهران فالنيل والفرات" ( مسلم ) وتأمل- أخي- في هذه الأنهار وما أودع الله فيها من خيرات لم تجر العادة بمثلها في الدنيا. وتأمل فيها وهي تجري في الجنة من غير أخدود, تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار, قال تعالى:
جنات تجري من تحتها الأنهار [ البقرة 25 ] ، وقال سبحانه: تجري تحتها النهار [ التوبة 100 ] ، وقال سبحانه: تجري من تحتهم الأنهار [ الكهف ] ، أما الكوثر فهو نهر من أنهار الجنة أعطاه الله سبحانه وتعالى لرسوله : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر 1 ] ، وعن أنس بن مالك عن النبي :"بينما أنا أسير في الجنة, إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف, فلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك, فإذا طيبه أو طينه مسك أذفر"(البخاري مع الفتح ).
واعلم أخي الكريم: أن هذه الأنهار تنساب متفجرة من الأعلى ثم تنحدر في نزول, فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله :" إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله , ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة" ( البخاري ) وأخبر :" إن في الجنة بحر العسل, وبحر الخمر, وبحر اللبن, وبحر الماء,ثم تنشق الأنهار بعد" ( الترمذي وقال حسن صحيح )
فشمر- أخي- عن ساعد الجد فإن الأمر جلل.. إن الجنة حق.. ونعيمها صدق..
درجات الجنة
أخي الكريم: لقد خلق الله الجنة وأورثها عباده الصالحين وجعلهم فيها متفاضلين متفاوتين, ولذلك كانت الجنة درجات يفضل بعضها بعضاَ, وكل ذلك كان فضلاََ من ربك وعدلاَ.. ليشمر ويثابر من اشتاقت نفسه إلى الجنة وعلت همته لأعلى درجاتها, في ذلك النعيم المقيم. قال تعالى: ومن يأته مؤمناَ قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى [ طه 75 ] . فالإيمان والعمل الصالح هما طريق الفردوس فكلما كان إيمانك- أخي الكريم- عالياَ ثابتاَ كانت منزلتك رفيعة في تلك الدرجات, وإنما يتفاوت المؤمنون المتقون في ذلك بحسب إيمانهم وتقواهم قال تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماَ مدحوراّومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراَكلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراّانظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاّ[ الإسراء18-21] فهنا بين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجات الآخرة أكبر من درجات الدنيا .
واعلم أخي الكريم: أن تفاضل الجنان يشمل التفاضل بين خيراتها من أبنية وعيون وأشجار وفواكه ونساء. قال تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن ] ، وبعد وصفهما قال سبحانه: ومن دونهما جنتان [الرحمن 62 ] ، أي دون الجنتين الأوليتين في الخير والمقام والمنزلة.
فأما عن الفاكهة فقال في الأوليتين: فيهما من كل فاكهة زوجان [الرحمن 52 ] ، فذكر أن في كل صنف من الفواكه شكلين. أما في الجنتين الأخريتين فذكر مطلق الفاكهة من غير ذكر الزوجين فقال: فيهما فاكهة ونخل ورمان [الرحمن 68 ] ، وأما عن الأثاث فذكر في الأوليتين: متكئين على فرش بطائنها من إستبرق [الرحمن 54 ] ، وقال في الأخريتين: متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [الرحمن 76 ] ولا شك أن الفرش أفضل من الزخرف وأن الإستبرق أفضل من العبقري.
وهكذا الأمر في نسائهما وخضرتهما كما هو ظاهر في الآيات. وما هذا التفاضل إلا تسلية من الله لعباده الصالحين الذين تحملوا مشاق السفر في رحلة الدنيا وصبروا على ما أصابهم من ضر في سبيل الله وحده, وعاشوا بين أهليهم غرباء.. لما كانوا عليه من التمسك بالكتاب والسنة. ومما يدل على تفاضل أهل الجنة ما رواه المغيرة بن شعبة أن رسول الله قال:
"سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجئ بعدما أدخل أهل الجنة الجنة. فيقال له: ادخل الجنة0 فيقول: أي رب؟ وكيف؟ وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب, فيقول: لك ذلك ومثله, ومثله ومثله ومثله, فقال في الخامسة رضيت رب.فيقول: لك هذا و عشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، قال(أي موسى): رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها, فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على بال بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل :فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
( مسلم ) ، فهذه الجنة وهذه درجاتها, قد بنيت وهيئت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ففيها والله يحمد التنافس بالطاعة والقربات وإليها تجب المسارعة بالخيرات والحسنات فأين ذوو الهمم العالية, وقد دعوا إلى السباق, واين طلاب السمو, وقد قرب اللحاق:
وإذا كانت النفوس كـــبارا**تعبت في مرادها الأجسام
فلا تتصور- أخي الكريم- أن ذلك النعيم المقيم, ينال بالراحة والتفكه, بل إن طريقه وعر طويل ودربه قد حف بالمكاره والعقبات فلا يسلكه إلا مشمر عن ساعد الجد مخلص قد باع نفسه وماله يبتغي بذلك الجنة, قال رسول الله:" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" ( البخاري ومسلم ) ، أما أعلى منزلة في الجنة فإنها الوسيلة.. وهي بإذن الله لنبينا محمد قال :
"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي, فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً, ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة" ( مسلم ) وقد أخبرنا رسول الله أن الشهداء في سبيل الله ممن ينالون تلك الدرجات العلى قال :
"أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول, فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا,وأولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة, يضحك إليهم ربك, فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" ( صحيح الجامع ) ولك أن تتصور نفسك يا عبد الله وقد رفع الله درجتك ومنزلتك في الجنة مع الأنبياء والشهداء, وما ذلك على الله بعزيز.. إذا صدقت الله فأجبت داعيه إذ يقول:يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاَ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يزقون فيها بغير حساب [ غافر 39-40 ]
أشجار- ثمار- الجنة
ومن نعيم الجنة الخالد, كثرة الأشجار, ووفرة طيب الثمار, وغرائب الأطيار, فأشجارها لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها ، من كثرة أغصانها وطول عمودها وانسياب أركانها وأعوادها, ولقد أودع الله فيها من جمال الشكل وحسن المنظر وبهاء اللون ورونق المظهر وامتداد الظل وطيب الثمار مالا يخطر على بال ولا رأته عين ولا سمعته أذن.
فتصور نفسك أخي الكريم: وأنت تملك واحدة من تلك الأشجار, كيف ستكون نشوتك وكيف سيكون سرورك وفرحتك, وكيف وهي أشجار كثيرة, عديدة ومتنوعة, فمنها أشجار الرمان ومنها أشجار العنب ومنها أشجار السدر ومنها أشجار الطلح, ولا تظن أخي الحبيب, أن هذه الفاكهة هي نفسها التي نراها في الدنيا, بل إن فواكه الآخرة لا تشبه فواكه الدنيا سوى في الاسم فقط كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه .
أما شكلها ولونها و مذاقها فلا يعلم قدره و مقداره إلا الذي خلقها و أبدعها .
قال تعالى : إن للمتقين مفازاً حدائق و أعناباً [ النبأ 31-32 ] و قال سبحانه :فبأي آلاء ربكما تكذبان الرحمن ]
، و قال عز وجل : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة [ الواقعة 27-32 ] .
فسدر الجنة مخضود ،منزوع الشوك ، و طلحها منضود معد للتناول دون كد أو عناء .
يا طيب هاتيك الثمار وغرسها**في المسك ذاك الترب للبستان
و كذلك الماء الذي يسقى به**يا طيب ذاك الورد للظمآن
فأي نعيم بعد هذا النعيم .. وأي تجارة رابحة بعد هذه التجارة .
فيا أيها القلب الذي ملك الهوى**أزمته حتى متى ذا التلــوم
وحتام لا تصحو و قد قرب المدى**ودانت كؤس السير و الناس نوم
أهذا هو الربح الذي قد كسـبته!لعمرك لا ربح و لا الأصل يسلم
فانتهز أخي الكريم : هذه اللحظات الباقيات في صالح الأعمال وطيب القربات 00 ولا تغرنك الدنيا فإنما هي سحابة صيف عما قريب تنقشع واسلك سبيل المتقين لتنهم من فواكه الجنة الكثيرة ، قال تعالى : يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب [ ص5 ] ، وقال تعالى :
وفاكهة مما يتخيرون [ الواقعة 20 ] وقال جل وعلا : إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون [ المرسلات 41-42 ] ، إنها فواكه كثيرة طيبة لا تنقطع00 فأشجارها دائمة العطاء وافرة الخضرة 00 ممتدة الظلال00 في كل حال . قد تشابهت أشكال ثمارها, بيد أن كنهها ومذاقها يختلف. وهذا من لطائف نضجها وعجائب قدرة الله في إبداعها, قال تعالى: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً [ البقرة 25 ] ومن تلك الأشجار ما إن ظلها ليسير فيه الراكب مائة عام وما يقطعه. قال رسول الله :"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها" ( البخاري م مسلم ) ، وقال تعالى: وظل ممدود [ الواقعة 30 ] ومن تلك الأشجار سدرة المنتهى: قال تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ النجم 13-14 ] قال في حديث الإسراء :"ثم انطلق بي-أي: جبريل- حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ونبقها فلال هجر, وورقها مثل آذان الفيلة, تكاد الورقة تغطي هذه الأمة فغشيها ألوان لا أدري ما هي, ثم أدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" ( صحيح الجامع و الحديث في الصحيحين )
ومن تلك الأشجار ما يخرج منها ثياب أهل الجنة قال رسول الله :"طوبى شجرة في الجنة,مسيرة مائة عام, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" (السلسلة الصحيحة ) ومما يزيد أشجار الجنة بهاء وجمالاً, أن سيقانها من الذهب قال رسول الله :"ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب" ( صحيح الجامع ) ، الله أكبر.. ما ألذ ثمارها وما أبهى أشجارها فطوبى لمن أحسن غراسها,في الدنيا بذكر الله وتهليله تسبيحه وحمده وتكبيره. فقد قال رسول الله :"لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد, أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء, وأنها قيعان, غراسها: سبحان الله..والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر"
( الصحيحة ) ، فاغرس.. أيها الأخ الكريم: بساتين الأشجار بأسهل الأذكار فهي كلمات خفيفة سهلة, وما أكثر الغافلين عنها, المشتغلين بلغو الكلام وربما الهذر الحرام. مساكين هؤلاء الغافلون شغلهم غراس الدنيا, فاشتغلوا به ونسوا حظهم في الآخرة,ولم يزل يلهيهم طول الأمل وحب الدنيا, حتى باغتهم الموت.
بخلت بشيء لا يضـــــرك بذله**وجدت بشيء مثله لا يقـــــــوم
بخلت بذا الحظ الخســيس دناءة**وجدت بدار الخلد لو كنت تفهم
وبعت نعيماً لا انقضـــاء له ولا**نظير ببخس عن قريب سـيعدم
ومع كثرة أشجار الجنة وثمارها, فإن أهل الجنة يرغبون في الزرع, فعن رسول الله :
"أنه كان يوماً يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: أولست فيما شئت قال: بلى! ولكن أحب ان أزرع. فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال, فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي يا رسول الله. لا تجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً. فإنهم أصحاب زرع. فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله " ( البخاري )
هيئة نساء أهل الجنة
هيئة أهل الجنة:وقد جعل الله أهل الجنة في أكمل صورة خلق عليها البشر, وهي صورة آدم عليه السلام,وما ذلك إلا لتكمل سعادتهم وغبطتهم في ذلك النعيم الخالد. وكما جمل الله صورهم فقد جمل أخلاقهم فكان أهل الجنة على خلق رجل واحد: قال رسول الله :
"أخلاقهم على خلق رجل واحد, على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء" ( مسلم ) فما أعذب تلك الحياة.. وما ألذ عيشها.. حياة كلها مودة وصفاء وألفة وإخاء.. ومحبة وصدق ووفاء, قال تعالى: وهدوا إلى الطيب من القول [ الحج 24 ] وقال سبحانه: لا تسمع فيها لاغية [ الغاشية 11 ] وقال سبحانه: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين [ الحجر 47 ] فلا نكد ولا شقاء. ولا بغض ولا حسد ولا تشاجر ولا حروب, وإنما هو مجتمع يسوده الهدوء والسكينة والألفة والرحمة.
وقد ذكر رسول الله أن أهل الجنة كلهم شباب أبناء ثلاث و ثلاثين. قال رسول الله :"يدخل أهل الجنة جرداً مرداً, كأنهم مكحلون, أبناء ثلاث وثلاثين" ( صحيح الجامع ) ، كما أنهم لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا ينامون فقد قال رسول الله :" النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة" ( السلسلة الصحيحة ) ، فما أغرب أهل الإيمان في الدنيا. فهم يتطلعون بقلوبهم إلى هذا النعيم ولسان حالهم يقول:
لا خير في العيش ما دامت منغصة**لذاته باذكار المــوت والهرم
وإنما عيشهم في دار المقام, حيث لا ينغص الهرم شبابهم ولا يزيل الموت نعيمهم.
فتبصر يا عبد الله ولا يلهينك طول الأمل, ولا يمنينك الشباب, فإن المنايا لا تهاب وإنه بعد الشباب كهولة فهرم, وبعد الهرم موت فقبر فحساب, فإما إلى نعيم وإما إلى جحيم.نسأل الله العفو والعافية وحسن الختام.
نساء الجنة
حسنهن: أما نساء الجنة فأعظم بجمالهن,فإنهن محورات العيون ملألآت الخدود,تكسوهن النضرة, ويملؤهن الجمال,أخاذات بنظراتهن, ساحرات بحسنهن, قاصرات بطرفهن.
قال تعالى:وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون [ الواقعة 22 –23 ] وقال سبحانه: كأنهن الياقوت والمرجان [ الرحمن 58 ] وقال تعالى: كأنهن بيض مكنون [ الصافات 49 ] قد تمازج بياض عيونهن بالسواد, وبياض أبدانهن بالنعومة, فقد جاء في الحديث "ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن" ( البخاري مع الفتح ) وقال رسول الله :"لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً أي(المشرق والمغرب) ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" ( مسلم و انظر الترغيب ).
واعلم أخي الكريم:أن هذا النعيم لا ينال إلا بالجد في طاعة الله, وتقديم مراده على مراد النفس, بأداء الصلوات والذكر في الخلوات, والقيام في الظلمات. قال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة, فنمت ذات ليلة, فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال وبيدها رقعة فقالت أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم. فدفعت إلي الرقعة, فإذا مكتوب هذه الأبيات:
لهاك النوم عن طلب الأماني **وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيهـــــا**وتلهو في الخيام مع الحســـان
تنبه في منامك إن خيراً**من النوم التهجــــــــد بالقرآن
ونساء الجنة كلهن أبكار لم يمسهن أحد من الإنس أو الجن قال تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً [ الواقعة 35 –37 ] و(عرباً) جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن, وقال أبو عبيدة : العروب: الحسنة التبعل أي التي تحسن مواقعتها و ملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها.
أخلاقهن: أما أخلاقهن فإنها رفيعة عالية, جمعت طلاوة الحياء والحشمة وحلاوة التودد والبسمة وقصر الطرف وحسن الإقبال وجمال الوجه ولطافة الإهلال. قال تعالى:
فيهن خيرات حسان [ الرحمن 70 ] فالخيرات جمع خيرة وحسان جمع حسنة, فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم, حسان الوجوه. وقال تعالى : حور مقصورات في الخيام [ الرحمن 72 ] فهن محبوسات على أزواجهن لا يرين غيرهم في الخيام, ولا يردن غيرهم ولا يطمعن إلى من سواهم, بما وهبهن الله من صدق العشرة وصفاء الحب والمودة والإخلاص لأزواجهن. وقال تعالى: وعندهم قاصرات الطرف عين [ الصافات 48 ] والطرف بتسكين الراء هو البصر. أي أنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن إعجاباً بهم وحباً.
غناءهن:ونساء الجنة, مع زهو جمالهن ورقة أبدانهن ونعومة شكلهن وسحرهن وحسنهن ومع ما تحلين به من دماثه الأخلاق وحسن العشرة, قد وهبن من الأصوات أحسنها و من الأغاني أعذبها وأطربها, قال تعالى: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون [ الروم 14-15 ] قال يحيى بن أبي كثير: الحبرة: اللذة والسماع. أو ما سمعت سماعهم فيها غناءالحور بالأصــــــــوات والألحان**واهاً لذياك الســـــــــماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان** واهاً لذياك الســــــــماع وطيبه
من مثل أقمار على أغصان
الطريق إلى الجنة:
واعلم يا عبد الله. أن الجنة لا تنال بالعمل.. وإنما هي فضل من الله ورحمة قال رسول الله :"لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة" ( مسلم ) وأما قول الله جل وعلا : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" [ السجدة 17 ] فإن الباء في قوله (بما كانوا يعملون) سببية. أي بسبب أعمالهم فالله سبحانه جعل أعمالهم سبباً لفضله ورحمته حيث أدخلهم جنته.
فإذا عرفت –أخي الكريم- أن الجنة هي محض فضل الله ورحمته, وان رحمته وفضله إنما ينالان بفعل ما يرضاه ويريده فبادر إلىخير الأعمال وصالح الأفعال. واحفظ الله, واسلك سبيله القويم يفض عليك من الرحمات ما يدخلك به أعالي الجنات في تلك الغرفات.
فاسلك سبيل المتـــــقين**وظن خيراً بالكــــــريم
واذكر وقوفك خائــــــفاً**والناس في أمر عظيــــم
فاغنم حياتك واجــتهد**وتب إلى الرب الرحـــيم
وأما طريق الجنة: فهو كل ما يقربك من الله سبحانه من القربات والطاعات فقد ذكر الله جل وعلا طاعات وعبادات في كتابه العزيز جازى عليها بالجنة من عمل بها مخلصاً فمن ذلك
الإيمان والعمل الصالح: فقد ذكر الله سبحانه في سورة العصر أن الإنسان خاسر إلا من أمن وعمل صالحاً فقال سبحانه: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ العصر ] وقال سبحانه: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار [ البقرة 25 ] ونظير هذا في القرآن كثير.
وذلك لأن الإيمان يوجب معرفة الله وخشيته ومراقبته وتوقيره ومتابعة رسول الله والعمل الصالح يوجب فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه من كبائر الإثم والفواحش.
الصلاة: قال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ العنكبوت 45 ] فالصلاة ناهية عن الإثم والمنكر الموجب للحرمان من الجنة. وهي الماحية للذنوب والخطايا كما قال رسول الله :"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات, هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس, يمحو الله بهن الخطايا" ( البخاري و مسلم ) وقال رسول الله :" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها, وركوعها, إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة, وذلك الدهر كله" ( مسلم )
فبادر –أخي الكريم- بالحفاظ على الصلاة فإنها نور المؤمن وعهده وفصل ما بينه وبين الكفر. قال رسول الله :"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ( مسلم ) وقال : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ( الترمذي و قال حسن صحيح )
أداء النوافل: فهي تقرب إلى الله بعد الفرائض, وتكسبك –أخي الكريم- حلة الولاية لله سبحانه لأنها موجبة لحبه وحفظه, وهي علامة حبك لله وطاعتك وإخلاصك. قال رسول الله :"ما من عبد يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة –أو- إلا بنى له بيت في الجنة" ( مسلم )
فدونك فاصنع ما تحب فإنــما**غداً تحصد الزرع الذي أنت زارع
ومن بين الأعمال الموجبة للجنة: بر الوالدين, قال رسول الله :"رغم أنف, ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما أو كليهما, فلم يدخل الجنة" ( مسلم )
فاحرص –أخي- على بر الوالدين وأطعهما في ما أمرا إذا لم يكن أمرهما معصية لله وأحسن إليهما في الدنيا يحسن الله إليك بجنته وفضله وجوده, واعلم أن عقوقهما من أكبر الكبائر فقد قرن الله طاعتهما بالتحذير من الشرك والأمر بتوحيده. قال سبحانه وتعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً [ النساء 36 ]
واعلم –أخي- أن التوبة من أجل القربات والعبادات وهي منزلة لا يفارقها الصالحون في رحلتهم في هذه الحياة الدنيا, بل ولا الأنبياء والمرسلون. ذلك لأن الله تعالى أمر بها في كل وقت وحين وعلق الفلاح عليها.
فكل ابن آدم خطاء.. قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [ النور 31 ] فتأمل حفظك الله كيف وصفهم الله بالإيمان ثم دعاهم إلى التوبة ليعلم كل مسلم أن التوبة لازمة للعبد في سائر منازله التي يسلكها في طريقه إلى الله. وتذكر دائماً أن الجنة قد حفت بالمكاره وأن النار قد حفت بالشهوات وإلا كيف سيكون الاختبار و كيف يميز الصابر من الضاجر والمطيع من العاصي. قال رسول الله :"لما خلق الله الجنة أرسل جبريل إلى الجنة فقال: أنظر إليها, وإلى ما أعددت لأهلها فيها, قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها. قال فرجع إليه وقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها. قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد.. الحديث" ( الترمذي وأحمد وقال حسن صحيح وحسن إسناده الألباني في تخريج مشكاة المصابيح )
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
بوح الروح
ولما كانت النفس البشرية تألف المياه والبساتين والأشجار وتسكن إليها فقد زين الله جل وعلا الجنة, وألبسها من بهاء الأشجار وعلوها وبركة الثمار ونموها وجريان الأنهار وسيولها وعذوبة العيون في أركانها,ما تقر به أعين عباد الله الصالحين.
عيون الجنة: قال تعالى: إن المتقين في جنات وعيون [ الحجر45 ]، وقال سبحانه: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراعيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً [ الإنسان 5-6 ] ، قال بعض السلف: "معهم قضبان من حديد حيثما مالوا مالت معهم" *حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح *
أخي الحبيب: ما بالك بقوم سلكوا طريق النجاة.. وتزودوا بالطاعات واتقوا ربهم حق التقاة..فأورثهم الله تلك الجنات, تتفجر عيونها كل حين, تارة تمزج بالكافور فتكون باردة طيبة الرائحة,وأخرى بالزنجبيل فتكون حارة طيبة الرائحة, قال تعالى:قال تعالى:
ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا عيناً فيها تسمى سلسبيلا[ الإنسان 17-18 ]
وقال سبحانه:
إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين [ الحجر 45-46 ]
فأحسن –أخي الكريم-يحسن الله إليك,وصفِّ سعيك إلى الجنة بالصدق والإخلاص والعمل الصالح, يسقيك الله من عيونه وشراب جنته:
صفى المقرب سعيه فصفا له
ذاك الشراب فتلك تصفيتان
وفي الجنة عينان: الأولى: عين الكافور: قال تعالى: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا ًيشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً [ الإنسان 5-6 ] وهذه العين يشرب منها المقربون الماء الخالص.وأما الأبرار فيشربونه ممزوجاً.
الثانية: عين التسنيم: قال تعالى: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختومختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيمعينا ًيشرب بها المقربون [ المطففين 22-28 ]
أنهار الجنة: وبين تلك القصور الذهبية, والخيام البهية تجري أنهار عذبة لذة.. أعدها الله للمؤمنين ونوَّع أجناسها وشرابها, فمنها الماء ومنها العسل ومنها الخمر ومنها اللبن. قال تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى [ محمد 15 ]
فماء الدنيا يأسن ويأجن من طول مكثه.. لكن مياه أنهار الجنة لا تأسن.. ولبن الدنيا تصيبه الحموضة إذا طال مكثه لكن لبن الآخرة لا يتغير طعمه, وخمر الدنيا كريهة المذاق كريهة الرائحة أما خمر الجنة ففيها من اللذة ما يبعث على الشرب, وعسل الدنيا تصيبه الأخلاط فلا يصفو, أما عسل الجنة فصاف لامع طري. فأين هي الدنيا من الآخرة؟ وكيف يحرص عاقل على لذة ناقصة فانية ويترك اللذة الكاملة الباقية؟ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وقد أخبرنا رسول الله أنه في إسرائه :" رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان, فقلت: يا جبريل, ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة, وأما الظاهران فالنيل والفرات" ( مسلم ) وتأمل- أخي- في هذه الأنهار وما أودع الله فيها من خيرات لم تجر العادة بمثلها في الدنيا. وتأمل فيها وهي تجري في الجنة من غير أخدود, تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار, قال تعالى:
جنات تجري من تحتها الأنهار [ البقرة 25 ] ، وقال سبحانه: تجري تحتها النهار [ التوبة 100 ] ، وقال سبحانه: تجري من تحتهم الأنهار [ الكهف ] ، أما الكوثر فهو نهر من أنهار الجنة أعطاه الله سبحانه وتعالى لرسوله : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر 1 ] ، وعن أنس بن مالك عن النبي :"بينما أنا أسير في الجنة, إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف, فلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك, فإذا طيبه أو طينه مسك أذفر"(البخاري مع الفتح ).
واعلم أخي الكريم: أن هذه الأنهار تنساب متفجرة من الأعلى ثم تنحدر في نزول, فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله :" إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله , ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة" ( البخاري ) وأخبر :" إن في الجنة بحر العسل, وبحر الخمر, وبحر اللبن, وبحر الماء,ثم تنشق الأنهار بعد" ( الترمذي وقال حسن صحيح )
فشمر- أخي- عن ساعد الجد فإن الأمر جلل.. إن الجنة حق.. ونعيمها صدق..
درجات الجنة
أخي الكريم: لقد خلق الله الجنة وأورثها عباده الصالحين وجعلهم فيها متفاضلين متفاوتين, ولذلك كانت الجنة درجات يفضل بعضها بعضاَ, وكل ذلك كان فضلاََ من ربك وعدلاَ.. ليشمر ويثابر من اشتاقت نفسه إلى الجنة وعلت همته لأعلى درجاتها, في ذلك النعيم المقيم. قال تعالى: ومن يأته مؤمناَ قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى [ طه 75 ] . فالإيمان والعمل الصالح هما طريق الفردوس فكلما كان إيمانك- أخي الكريم- عالياَ ثابتاَ كانت منزلتك رفيعة في تلك الدرجات, وإنما يتفاوت المؤمنون المتقون في ذلك بحسب إيمانهم وتقواهم قال تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماَ مدحوراّومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراَكلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراّانظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاّ[ الإسراء18-21] فهنا بين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجات الآخرة أكبر من درجات الدنيا .
واعلم أخي الكريم: أن تفاضل الجنان يشمل التفاضل بين خيراتها من أبنية وعيون وأشجار وفواكه ونساء. قال تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن ] ، وبعد وصفهما قال سبحانه: ومن دونهما جنتان [الرحمن 62 ] ، أي دون الجنتين الأوليتين في الخير والمقام والمنزلة.
فأما عن الفاكهة فقال في الأوليتين: فيهما من كل فاكهة زوجان [الرحمن 52 ] ، فذكر أن في كل صنف من الفواكه شكلين. أما في الجنتين الأخريتين فذكر مطلق الفاكهة من غير ذكر الزوجين فقال: فيهما فاكهة ونخل ورمان [الرحمن 68 ] ، وأما عن الأثاث فذكر في الأوليتين: متكئين على فرش بطائنها من إستبرق [الرحمن 54 ] ، وقال في الأخريتين: متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [الرحمن 76 ] ولا شك أن الفرش أفضل من الزخرف وأن الإستبرق أفضل من العبقري.
وهكذا الأمر في نسائهما وخضرتهما كما هو ظاهر في الآيات. وما هذا التفاضل إلا تسلية من الله لعباده الصالحين الذين تحملوا مشاق السفر في رحلة الدنيا وصبروا على ما أصابهم من ضر في سبيل الله وحده, وعاشوا بين أهليهم غرباء.. لما كانوا عليه من التمسك بالكتاب والسنة. ومما يدل على تفاضل أهل الجنة ما رواه المغيرة بن شعبة أن رسول الله قال:
"سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجئ بعدما أدخل أهل الجنة الجنة. فيقال له: ادخل الجنة0 فيقول: أي رب؟ وكيف؟ وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب, فيقول: لك ذلك ومثله, ومثله ومثله ومثله, فقال في الخامسة رضيت رب.فيقول: لك هذا و عشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، قال(أي موسى): رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها, فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على بال بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل :فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
( مسلم ) ، فهذه الجنة وهذه درجاتها, قد بنيت وهيئت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ففيها والله يحمد التنافس بالطاعة والقربات وإليها تجب المسارعة بالخيرات والحسنات فأين ذوو الهمم العالية, وقد دعوا إلى السباق, واين طلاب السمو, وقد قرب اللحاق:
وإذا كانت النفوس كـــبارا**تعبت في مرادها الأجسام
فلا تتصور- أخي الكريم- أن ذلك النعيم المقيم, ينال بالراحة والتفكه, بل إن طريقه وعر طويل ودربه قد حف بالمكاره والعقبات فلا يسلكه إلا مشمر عن ساعد الجد مخلص قد باع نفسه وماله يبتغي بذلك الجنة, قال رسول الله:" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" ( البخاري ومسلم ) ، أما أعلى منزلة في الجنة فإنها الوسيلة.. وهي بإذن الله لنبينا محمد قال :
"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي, فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً, ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة" ( مسلم ) وقد أخبرنا رسول الله أن الشهداء في سبيل الله ممن ينالون تلك الدرجات العلى قال :
"أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول, فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا,وأولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة, يضحك إليهم ربك, فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" ( صحيح الجامع ) ولك أن تتصور نفسك يا عبد الله وقد رفع الله درجتك ومنزلتك في الجنة مع الأنبياء والشهداء, وما ذلك على الله بعزيز.. إذا صدقت الله فأجبت داعيه إذ يقول:يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاَ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يزقون فيها بغير حساب [ غافر 39-40 ]
أشجار- ثمار- الجنة
ومن نعيم الجنة الخالد, كثرة الأشجار, ووفرة طيب الثمار, وغرائب الأطيار, فأشجارها لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها ، من كثرة أغصانها وطول عمودها وانسياب أركانها وأعوادها, ولقد أودع الله فيها من جمال الشكل وحسن المنظر وبهاء اللون ورونق المظهر وامتداد الظل وطيب الثمار مالا يخطر على بال ولا رأته عين ولا سمعته أذن.
فتصور نفسك أخي الكريم: وأنت تملك واحدة من تلك الأشجار, كيف ستكون نشوتك وكيف سيكون سرورك وفرحتك, وكيف وهي أشجار كثيرة, عديدة ومتنوعة, فمنها أشجار الرمان ومنها أشجار العنب ومنها أشجار السدر ومنها أشجار الطلح, ولا تظن أخي الحبيب, أن هذه الفاكهة هي نفسها التي نراها في الدنيا, بل إن فواكه الآخرة لا تشبه فواكه الدنيا سوى في الاسم فقط كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه .
أما شكلها ولونها و مذاقها فلا يعلم قدره و مقداره إلا الذي خلقها و أبدعها .
قال تعالى : إن للمتقين مفازاً حدائق و أعناباً [ النبأ 31-32 ] و قال سبحانه :فبأي آلاء ربكما تكذبان الرحمن ]
، و قال عز وجل : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة [ الواقعة 27-32 ] .
فسدر الجنة مخضود ،منزوع الشوك ، و طلحها منضود معد للتناول دون كد أو عناء .
يا طيب هاتيك الثمار وغرسها**في المسك ذاك الترب للبستان
و كذلك الماء الذي يسقى به**يا طيب ذاك الورد للظمآن
فأي نعيم بعد هذا النعيم .. وأي تجارة رابحة بعد هذه التجارة .
فيا أيها القلب الذي ملك الهوى**أزمته حتى متى ذا التلــوم
وحتام لا تصحو و قد قرب المدى**ودانت كؤس السير و الناس نوم
أهذا هو الربح الذي قد كسـبته!لعمرك لا ربح و لا الأصل يسلم
فانتهز أخي الكريم : هذه اللحظات الباقيات في صالح الأعمال وطيب القربات 00 ولا تغرنك الدنيا فإنما هي سحابة صيف عما قريب تنقشع واسلك سبيل المتقين لتنهم من فواكه الجنة الكثيرة ، قال تعالى : يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب [ ص5 ] ، وقال تعالى :
وفاكهة مما يتخيرون [ الواقعة 20 ] وقال جل وعلا : إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون [ المرسلات 41-42 ] ، إنها فواكه كثيرة طيبة لا تنقطع00 فأشجارها دائمة العطاء وافرة الخضرة 00 ممتدة الظلال00 في كل حال . قد تشابهت أشكال ثمارها, بيد أن كنهها ومذاقها يختلف. وهذا من لطائف نضجها وعجائب قدرة الله في إبداعها, قال تعالى: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً [ البقرة 25 ] ومن تلك الأشجار ما إن ظلها ليسير فيه الراكب مائة عام وما يقطعه. قال رسول الله :"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها" ( البخاري م مسلم ) ، وقال تعالى: وظل ممدود [ الواقعة 30 ] ومن تلك الأشجار سدرة المنتهى: قال تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ النجم 13-14 ] قال في حديث الإسراء :"ثم انطلق بي-أي: جبريل- حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ونبقها فلال هجر, وورقها مثل آذان الفيلة, تكاد الورقة تغطي هذه الأمة فغشيها ألوان لا أدري ما هي, ثم أدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" ( صحيح الجامع و الحديث في الصحيحين )
ومن تلك الأشجار ما يخرج منها ثياب أهل الجنة قال رسول الله :"طوبى شجرة في الجنة,مسيرة مائة عام, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" (السلسلة الصحيحة ) ومما يزيد أشجار الجنة بهاء وجمالاً, أن سيقانها من الذهب قال رسول الله :"ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب" ( صحيح الجامع ) ، الله أكبر.. ما ألذ ثمارها وما أبهى أشجارها فطوبى لمن أحسن غراسها,في الدنيا بذكر الله وتهليله تسبيحه وحمده وتكبيره. فقد قال رسول الله :"لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد, أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء, وأنها قيعان, غراسها: سبحان الله..والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر"
( الصحيحة ) ، فاغرس.. أيها الأخ الكريم: بساتين الأشجار بأسهل الأذكار فهي كلمات خفيفة سهلة, وما أكثر الغافلين عنها, المشتغلين بلغو الكلام وربما الهذر الحرام. مساكين هؤلاء الغافلون شغلهم غراس الدنيا, فاشتغلوا به ونسوا حظهم في الآخرة,ولم يزل يلهيهم طول الأمل وحب الدنيا, حتى باغتهم الموت.
بخلت بشيء لا يضـــــرك بذله**وجدت بشيء مثله لا يقـــــــوم
بخلت بذا الحظ الخســيس دناءة**وجدت بدار الخلد لو كنت تفهم
وبعت نعيماً لا انقضـــاء له ولا**نظير ببخس عن قريب سـيعدم
ومع كثرة أشجار الجنة وثمارها, فإن أهل الجنة يرغبون في الزرع, فعن رسول الله :
"أنه كان يوماً يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: أولست فيما شئت قال: بلى! ولكن أحب ان أزرع. فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال, فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي يا رسول الله. لا تجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً. فإنهم أصحاب زرع. فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله " ( البخاري )
هيئة نساء أهل الجنة
هيئة أهل الجنة:وقد جعل الله أهل الجنة في أكمل صورة خلق عليها البشر, وهي صورة آدم عليه السلام,وما ذلك إلا لتكمل سعادتهم وغبطتهم في ذلك النعيم الخالد. وكما جمل الله صورهم فقد جمل أخلاقهم فكان أهل الجنة على خلق رجل واحد: قال رسول الله :
"أخلاقهم على خلق رجل واحد, على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء" ( مسلم ) فما أعذب تلك الحياة.. وما ألذ عيشها.. حياة كلها مودة وصفاء وألفة وإخاء.. ومحبة وصدق ووفاء, قال تعالى: وهدوا إلى الطيب من القول [ الحج 24 ] وقال سبحانه: لا تسمع فيها لاغية [ الغاشية 11 ] وقال سبحانه: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين [ الحجر 47 ] فلا نكد ولا شقاء. ولا بغض ولا حسد ولا تشاجر ولا حروب, وإنما هو مجتمع يسوده الهدوء والسكينة والألفة والرحمة.
وقد ذكر رسول الله أن أهل الجنة كلهم شباب أبناء ثلاث و ثلاثين. قال رسول الله :"يدخل أهل الجنة جرداً مرداً, كأنهم مكحلون, أبناء ثلاث وثلاثين" ( صحيح الجامع ) ، كما أنهم لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا ينامون فقد قال رسول الله :" النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة" ( السلسلة الصحيحة ) ، فما أغرب أهل الإيمان في الدنيا. فهم يتطلعون بقلوبهم إلى هذا النعيم ولسان حالهم يقول:
لا خير في العيش ما دامت منغصة**لذاته باذكار المــوت والهرم
وإنما عيشهم في دار المقام, حيث لا ينغص الهرم شبابهم ولا يزيل الموت نعيمهم.
فتبصر يا عبد الله ولا يلهينك طول الأمل, ولا يمنينك الشباب, فإن المنايا لا تهاب وإنه بعد الشباب كهولة فهرم, وبعد الهرم موت فقبر فحساب, فإما إلى نعيم وإما إلى جحيم.نسأل الله العفو والعافية وحسن الختام.
نساء الجنة
حسنهن: أما نساء الجنة فأعظم بجمالهن,فإنهن محورات العيون ملألآت الخدود,تكسوهن النضرة, ويملؤهن الجمال,أخاذات بنظراتهن, ساحرات بحسنهن, قاصرات بطرفهن.
قال تعالى:وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون [ الواقعة 22 –23 ] وقال سبحانه: كأنهن الياقوت والمرجان [ الرحمن 58 ] وقال تعالى: كأنهن بيض مكنون [ الصافات 49 ] قد تمازج بياض عيونهن بالسواد, وبياض أبدانهن بالنعومة, فقد جاء في الحديث "ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن" ( البخاري مع الفتح ) وقال رسول الله :"لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً أي(المشرق والمغرب) ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" ( مسلم و انظر الترغيب ).
واعلم أخي الكريم:أن هذا النعيم لا ينال إلا بالجد في طاعة الله, وتقديم مراده على مراد النفس, بأداء الصلوات والذكر في الخلوات, والقيام في الظلمات. قال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة, فنمت ذات ليلة, فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال وبيدها رقعة فقالت أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم. فدفعت إلي الرقعة, فإذا مكتوب هذه الأبيات:
لهاك النوم عن طلب الأماني **وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيهـــــا**وتلهو في الخيام مع الحســـان
تنبه في منامك إن خيراً**من النوم التهجــــــــد بالقرآن
ونساء الجنة كلهن أبكار لم يمسهن أحد من الإنس أو الجن قال تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً [ الواقعة 35 –37 ] و(عرباً) جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن, وقال أبو عبيدة : العروب: الحسنة التبعل أي التي تحسن مواقعتها و ملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها.
أخلاقهن: أما أخلاقهن فإنها رفيعة عالية, جمعت طلاوة الحياء والحشمة وحلاوة التودد والبسمة وقصر الطرف وحسن الإقبال وجمال الوجه ولطافة الإهلال. قال تعالى:
فيهن خيرات حسان [ الرحمن 70 ] فالخيرات جمع خيرة وحسان جمع حسنة, فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم, حسان الوجوه. وقال تعالى : حور مقصورات في الخيام [ الرحمن 72 ] فهن محبوسات على أزواجهن لا يرين غيرهم في الخيام, ولا يردن غيرهم ولا يطمعن إلى من سواهم, بما وهبهن الله من صدق العشرة وصفاء الحب والمودة والإخلاص لأزواجهن. وقال تعالى: وعندهم قاصرات الطرف عين [ الصافات 48 ] والطرف بتسكين الراء هو البصر. أي أنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن إعجاباً بهم وحباً.
غناءهن:ونساء الجنة, مع زهو جمالهن ورقة أبدانهن ونعومة شكلهن وسحرهن وحسنهن ومع ما تحلين به من دماثه الأخلاق وحسن العشرة, قد وهبن من الأصوات أحسنها و من الأغاني أعذبها وأطربها, قال تعالى: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون [ الروم 14-15 ] قال يحيى بن أبي كثير: الحبرة: اللذة والسماع. أو ما سمعت سماعهم فيها غناءالحور بالأصــــــــوات والألحان**واهاً لذياك الســـــــــماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان** واهاً لذياك الســــــــماع وطيبه
من مثل أقمار على أغصان
الطريق إلى الجنة:
واعلم يا عبد الله. أن الجنة لا تنال بالعمل.. وإنما هي فضل من الله ورحمة قال رسول الله :"لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة" ( مسلم ) وأما قول الله جل وعلا : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" [ السجدة 17 ] فإن الباء في قوله (بما كانوا يعملون) سببية. أي بسبب أعمالهم فالله سبحانه جعل أعمالهم سبباً لفضله ورحمته حيث أدخلهم جنته.
فإذا عرفت –أخي الكريم- أن الجنة هي محض فضل الله ورحمته, وان رحمته وفضله إنما ينالان بفعل ما يرضاه ويريده فبادر إلىخير الأعمال وصالح الأفعال. واحفظ الله, واسلك سبيله القويم يفض عليك من الرحمات ما يدخلك به أعالي الجنات في تلك الغرفات.
فاسلك سبيل المتـــــقين**وظن خيراً بالكــــــريم
واذكر وقوفك خائــــــفاً**والناس في أمر عظيــــم
فاغنم حياتك واجــتهد**وتب إلى الرب الرحـــيم
وأما طريق الجنة: فهو كل ما يقربك من الله سبحانه من القربات والطاعات فقد ذكر الله جل وعلا طاعات وعبادات في كتابه العزيز جازى عليها بالجنة من عمل بها مخلصاً فمن ذلك
الإيمان والعمل الصالح: فقد ذكر الله سبحانه في سورة العصر أن الإنسان خاسر إلا من أمن وعمل صالحاً فقال سبحانه: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ العصر ] وقال سبحانه: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار [ البقرة 25 ] ونظير هذا في القرآن كثير.
وذلك لأن الإيمان يوجب معرفة الله وخشيته ومراقبته وتوقيره ومتابعة رسول الله والعمل الصالح يوجب فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه من كبائر الإثم والفواحش.
الصلاة: قال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ العنكبوت 45 ] فالصلاة ناهية عن الإثم والمنكر الموجب للحرمان من الجنة. وهي الماحية للذنوب والخطايا كما قال رسول الله :"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات, هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس, يمحو الله بهن الخطايا" ( البخاري و مسلم ) وقال رسول الله :" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها, وركوعها, إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة, وذلك الدهر كله" ( مسلم )
فبادر –أخي الكريم- بالحفاظ على الصلاة فإنها نور المؤمن وعهده وفصل ما بينه وبين الكفر. قال رسول الله :"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ( مسلم ) وقال : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ( الترمذي و قال حسن صحيح )
أداء النوافل: فهي تقرب إلى الله بعد الفرائض, وتكسبك –أخي الكريم- حلة الولاية لله سبحانه لأنها موجبة لحبه وحفظه, وهي علامة حبك لله وطاعتك وإخلاصك. قال رسول الله :"ما من عبد يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة –أو- إلا بنى له بيت في الجنة" ( مسلم )
فدونك فاصنع ما تحب فإنــما**غداً تحصد الزرع الذي أنت زارع
ومن بين الأعمال الموجبة للجنة: بر الوالدين, قال رسول الله :"رغم أنف, ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما أو كليهما, فلم يدخل الجنة" ( مسلم )
فاحرص –أخي- على بر الوالدين وأطعهما في ما أمرا إذا لم يكن أمرهما معصية لله وأحسن إليهما في الدنيا يحسن الله إليك بجنته وفضله وجوده, واعلم أن عقوقهما من أكبر الكبائر فقد قرن الله طاعتهما بالتحذير من الشرك والأمر بتوحيده. قال سبحانه وتعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً [ النساء 36 ]
واعلم –أخي- أن التوبة من أجل القربات والعبادات وهي منزلة لا يفارقها الصالحون في رحلتهم في هذه الحياة الدنيا, بل ولا الأنبياء والمرسلون. ذلك لأن الله تعالى أمر بها في كل وقت وحين وعلق الفلاح عليها.
فكل ابن آدم خطاء.. قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [ النور 31 ] فتأمل حفظك الله كيف وصفهم الله بالإيمان ثم دعاهم إلى التوبة ليعلم كل مسلم أن التوبة لازمة للعبد في سائر منازله التي يسلكها في طريقه إلى الله. وتذكر دائماً أن الجنة قد حفت بالمكاره وأن النار قد حفت بالشهوات وإلا كيف سيكون الاختبار و كيف يميز الصابر من الضاجر والمطيع من العاصي. قال رسول الله :"لما خلق الله الجنة أرسل جبريل إلى الجنة فقال: أنظر إليها, وإلى ما أعددت لأهلها فيها, قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها. قال فرجع إليه وقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها. قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد.. الحديث" ( الترمذي وأحمد وقال حسن صحيح وحسن إسناده الألباني في تخريج مشكاة المصابيح )
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح