انوع المشكلات التي تظهر في المجتمعات التي لا تطبق فيها العدالة الحقيقية؟
1. زيادة حنث اليمين
يلعب الشهود دورا رئيسيا في اكتشاف الحقيقة وترسيخ أسس العدالة. ذلك أن شهادة شهود العيان توضح كثيرا من القضايا بسرعة وتميز الحق عن الباطل. ولكن في المجتمعات التي لا تتبع قيم القرآن والسنة، لا يمكن قط التعويل على شهادة الشهود من أجل اكتشاف الحقيقة. ويرجع هذا ببساطة إلى أن الناس الذين لا يتبعون أحكام القرآن والسنة يمكنهم أن يكذبوا مقابل منفعة أو مال بنفس السهولة التي يتنفس بها معظم الناس. وهم بذلك يديرون ظهورهم لكل سلوك أخلاقي مثل قول الحقيقة أو مناصرة البريء.
بل إن الأمر قد يصل في بعض الحالات إلى امتناع الناس عن الإدلاء بالشهادة في قضية معينة، مهما كانت أهمية شهادتهم بالنسبة لسير العدالة. وتفسر عادة سلوكيات هذا النوع من الناس بأفكار غير واقعية، مثل الخوف من التورط في مشاكل أو التعرض لظروف غير مواتية. ويؤكد المولى عز وجل في الآية التالية على أهمية الكشف عن الحقيقة:
"... وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ." (سورة البقرة: 283)
وقد يكون الحقد والكراهية الموجهان نحو شخص ما سببا في إغراء الناس بتلفيق الشهادة. فمن خلال شهادة الزور وتشويه الحقائق، يستطيعون أن يعرقلوا سير العدالة. وقد فسر أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الصدق في الحديث التالي:
"عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".1
إن الناس الذين لا يعيشون وفقا لقيم القرآن والسنة لا يطبقون العدالة، خاصة عندما تكون الأسبقية عندهم لمصالحهم وأهوائهم الشخصية، ولا يفكرون أبدا في تبعات شهادة الزور التي يدلون بها. إذ لا يخطر ببالهم قط ما يعانيه الشخص البريء وأسرته في أثناء مدة سجنه الطويلة ظلما، لأنهم لا يضعون أنفسهم مكان الآخر لكي يتخيلوا كيف ستكون الحياة حينئذ...
ويولي المولى عز وجل في القرآن الكريم أهمية خاصة لهذا الموقف الذي يتعرض له الناس، ويأمرنا بأن نكون عادلين مهما كانت الظروف:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ." (سورة المائدة:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث التالي لكي يتجنب الناس الظلم: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان"2
وينحرف بعض الناس عما هو صحيح وعادل بدافع الخوف، أو المال، أو الطمع. ولن يتحرر هؤلاء الناس من هذه العبودية إلا باكتساب قيم القرآن. لأنهم عندئذ لن يميلوا قط إلى إلحاق الأذى بالناس، مهما كانت الظروف، سواء كانوا تحت تأثير التهديد أو الإكراه أو تحت إغراء أي منفعة شخصية، لأنهم يدركون أن الله محيط بهم في كل لحظة. كما يدرك المؤمنون أنهم سيُسألون في الآخرة عن كل إثم ارتكبوه وكل شر نطقوا به. ويعلن الله في الآية التالية أن عباد الرحمن لا يشهدون زورا:
"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا." (سورة الفرقان: 72)
ويجدر بنا أن نلفت الانتباه هنا إلى نقطة أخرى تتعلق بأولئك الذين يسعون وراء مصالحهم مفضلين ذلك على تطبيق العدالة، وهذه النقطة هي: أنه في يوم ما قد يلحق بهم نفس الأذى. وإذا حدث ذلك، لا شك في أنهم سينزعجون كثيرا من المظالم التي ستقع عليهم وسيسعون لإيجاد شاهد موثوق به لا يلفق الشهادة. وعلى أولئك الذين لا يودون أن يمروا بهذه التجربة أن يكافحوا لنشر القيم التي أمرنا الله بها وأن يلتزموا التزاما كاملا بالمبادئ الأخلاقية التي أثنى الله عليها في القرآن الكريم.
2. معايير الحكم على الناس هي المال والمستوى الاجتماعي
يشكل المال والمكانة الاجتماعية المعيارين الأساسيين لتقييم الناس في المجتمعات التي لا تتبع قيم القرآن والسنة. وفي هذه المجتمعات، سنجد أن كل الطبقات مشبعة بهذه العقلية، مما يوفر لنا قدرا وافرا من الأمثلة لتحليلها.
ويمدنا سلوك صاحب المتجر تجاه زبونين مختلفين بمفاتيح مذهلة لفهم خفايا هذه المشكلة. إذ يتعامل صاحب المتجر بأدب واهتمام مع الشخص الذي يوحي مظهره بالثراء. في حين أنه لا يتعامل بنفس الطريقة مع الزبون الآخر الذي يوحي مظهره بالفقر. ولا يتغير هذا الأسلوب على الرغم من أن كلا الزبونين يذهب إلى المتجر لشراء نفس الأشياء وإنفاق نفس القدر من المال. ولكن المظهر والمكانة هما اللتان تحددان الطريقة التي يتعامل بها صاحب المتجر مع زبائنه.
ولكن هذه المعايير لا تصح لدى شخص يعيش وفقا لأحكام القرآن الكريم. لأن المؤمن حسن الخلق مع غيره من البشر لمجرد أنهم "بشر". كما أنه لا يميز بأي شكل من الأشكال بين من حوله. وهو لا يحتاج إلى "ألقاب" كي يقدر شخصا ما. كما أنه لا يبالي بما إذا كان الشخص غنيا أو فقيرا، يعيش في كوخ أو في فيلا. كما أن ثياب المرء الغالية، أو وجهه الجميل، أو شهادته الجامعية التي حصل عليها من أعرق الجامعات، أو مكانته الاجتماعية، أو غير ذلك من رموز المكانة الاجتماعية المشابهة لا تعني له شيئا البتة. فقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الحكيم أن إيمان المرء بالله وقربه منه هو المعيار الوحيد الذي يجب أن يطبق على حب الناس.
3. مشكلات التعليم
التعليم حق لكل فرد. وبصرف النظر عن اعتبارات الدين، أو اللغة، أو الجنس، أو المكانة الاجتماعية، يحق لكل فرد أن يسعى للحصول على المعرفة. ومع ذلك، فالظلم الاجتماعي يجعل تحقيق ذلك مستحيلا، لأنه يتسبب في مشكلات كثيرة تتطلب حلولا عاجلة، تتمثل أهمها في عدم توفر التعليم المجاني لكل فرد من أفراد المجتمع. وفي بلدان كثيرة، يتسبب الفقر في حرمان أعداد ضخمة من الأطفال والمراهقين من التعليم الجيد؛ في حين يخصص عدد قليل جدا من المدارس الجيدة للأقلية الثرية. ولا يكاد الناس العاديون يحصلون على التعليم المدرسي الذي يفي باحتياجاتهم التعليمية الفعلية. ومن ثم، يحصل الأغنياء على أفضل تعليم بينما يكتفي الفقراء بما يقدمه لهم النظام فقط.
يمكن تطوير مهارات الأطفال من خلال المختبرات والعديد من الوسائل الأخرى شريطة أن تتلقى المدارس الدعم المادي المناسب. ومن ناحية أخرى، تشكل الموارد المحدودة لبعض المدارس عائقا أمام تطور الشباب من نواح كثيرة.
ويجب أن يُسمح للناس بتلقي التعليم في أي مجال يرغبونه. وفي الواقع، ثبت أن النظام التعليمي الذي يتيح للناس الفرصة لكي يحصلوا على تعليم مدرسي يتوافق مع اهتماماتهم، وميولهم، ومهاراتهم يحقق قدرا أكبر من النفع والإنتاجية للمجتمع. ومع ذلك، ففي وقتنا الحاضر، تضطر الظروف الاقتصادية والاجتماعية كثيرا من الناس للتخلي عن التعليم المدرسي أو إكماله في مجال لا يثير اهتمامهم.
ولكن العيش وفقا لقيم القرآن يتعامل مع مثل هذه المشكلات الاجتماعية ويضع لها حلولا، لأن البيئة التي تضمنها هذه القيم لا تسمح بوجود خدمات تعليمية لا تفي بالمطلوب. ومن خلال ما يوفره القرآن الكريم من حكمة وقدرة على الإدراك، يتصرف الناس كجهات متخصصة في حل مشكلات التعليم، كما هي حالهم في مجالات الحياة الأخرى. وفضلا عن ذلك، لا يوجد في هذا المجتمع تمييز بين الفقير والغني. وكما ذكرنا آنفا، فإن أولئك الذين يحبون الله سبحانه وتعالى ينفقون ما يفيض عن حاجتهم من أجل منفعة الآخرين. وبمجرد أن توجه هذه الأموال المجمعة إلى المجالات الكثيرة التي تحتاج لحلول عاجلة مثل التعليم والصحة العامة، فسرعان ما ستحَل هذه المشكلات. وإذا طبقت هذه الحلول على مستوى العالم، فسوف يتضاءل التمييز الموجود بين البلدان الفقيرة والغنية؛ لأن البلدان الغنية سوف تحول فائض مواردها إلى البلدان المتخلفة دون أن تتوقع أي شيء في المقابل.
ولا شك في أن تقديم الحلول مهمة كبيرة تقع على عاتق المسلمين لأنهم مسؤولون عن توفير نوعية التعليم التي توجه الشباب في حياتهم إلى ما يتوافق مع أحكام القرآن. وهذا هو التعليم الذي يوضح للشخص غايته الفعلية في الحياة ويبين له آيات الله سبحانه وتعالى على الأرض وفي الكون. وإذا لم يحدث هذا، فستكبر الأجيال الجديدة، التي ستُغرس فيها أيديولوجيات الكفر التي لا صلة لها بالإسلام، وتتحول إلى شباب غير منتجين لا ينفعون أوطانهم، وشعوبهم، ودينهم. إن التعليم الخاطئ هو المسؤول عما يتبعه الشباب من أنماط حياتية غير محبذة تفقدهم بالتالي البركة التي يجلبها الدين فيضلون الطريق. ولا شك في أن صاحب الضمير الحي الذي يخاف الله لن يخاطر بهذه المسؤولية.
4. عدم المساواة بين الرجال والنساء
في المجتمعات التي تخلو من العدالة الحقيقية، يشكل عدم المساواة بين النساء والرجال قضية اجتماعية خطيرة تنتج عنها مشكلات كبيرة. وفي بلدان كثيرة حول العالم، تعامل النساء في أحيان كثيرة كمواطنات من الدرجة الثانية بل حتى كمنبوذات، ويتعرضن كثيرا لسوء المعاملة، إذ يُعتبرن كائنات ضعيفة بحاجة إلى الحماية. ولهذا السبب ذاته، سنجد أن النساء لا يؤدين دورا ذا قيمة في المجتمع يكسبهن الاحترام.
وفي المجتمعات التي ينتشر فيها هذا التحيز، يندر أن تحظى المرأة التي تنعم بمسار باهر في الحياة العملية بالقبول. إذ يُنظر إلى النساء، عموما، بوصفهن أشخاصا يفتقرون إلى الثقة في النفس والعزيمة، ويمتلكون ملكات عقلية ضعيفة. ويجب أن نشير هنا إلى أن هذا التبرير الذي يضع "قالبا نمطيا للمرأة" في المجتمع يُتخذ – دون وجه حق - تفسيرا لكل خطأ ترتكبه المرأة. وفي الواقع، لا تقتصر هذه الأخطاء على النساء بل تشمل كل البشر.
وعند التقدم لشغل وظائف شاغرة، يتم تفضيل الرجال على النساء، حتى إذا كان للنساء نفس الخلفيات ونفس القدر من الذكاء والمهارة مثل الرجال تماما. وتفسر هذه النزعة محدودية الفرص المتاحة للنساء في الحياة العملية.
ومن ناحية أخرى، تتصرف غالبية النساء بما يتوافق مع هذه الصورة المنسوبة إليهن. وهذا التوافق يجعلهن يقبلن بسهولة الأدوار الدونية التي تنسب إليهن في كثير من المجتمعات.
ولا شك في أن التحيز في الحياة الاجتماعية لجنس على حساب الآخر له تبعات مذهلة في البلدان المتخلفة. فإذا تجاوزنا عن حرمان النساء من حقهن في التعليم والعمل، فسنجد أنهن يحرمن حتى من حقهن في اتخاذ قراراتهن الخاصة بمسألة الزواج. ذلك أن كل أشكال القرارات الشخصية الخاصة بالنساء يتخذها لهن آباؤهن أو أزواجهن.
وهناك جهود مستمرة لوضع حلول لهذه الممارسات المعيبة التي لم نذكر إلا بضعًا منها في هذا الكتاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحادات التي تأسست لحماية حقوق النساء، ومبادئ الحرية والمساواة، والحركة النسوية، والحلقات الدراسية، والمناقشات العامة لم تساهم كثيرا في إيجاد حل عملي. فقد ثبت أن كل هذه الجهود تؤدي إلى حلول تلازمها تعقيدات أكثر. وهذه نتيجة طبيعية؛ لأن الحل الحقيقي الوحيد، كما هي الحال في جميع الميادين الأخرى هو: اتباع أحكام القرآن الكريم.
ففي مجتمع يتبع أحكام القرآن والسنة، لن يحدث أي تمييز بين أفراده سواء كانوا نساء أو رجالا، أغنياء أو فقراء، شبابا أو شيوخا. ذلك أن المكانة الاجتماعية، أو المهنة، أو الثراء، أو الجنس لا يعطي الناس الحق في التمتع بمزايا معينة دون سواهم. فالأعمال الحسنة التي يعملها المرء وخوفه من الله هو الذي يميزه، كما ألمح الخالق جل جلاله في الآية التالية: "وتزوَّدوا فإن خيرَ الزادِ التقوَى" (سورة البقرة: 197). وفي القرآن الكريم، لا يُصنف الناس بشكل متحيز كرجال أو نساء، لأن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرجال والنساء المؤمنين به الذين يعملون الأعمال الصالحة. ويؤكد المولى عز وجل أهمية العيش وفقا للقيم التي أمر بها. ومن هذه الناحية، لا يشكل كون العبد ذكرا أو أنثى أي أهمية. وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد هذا المعنى:
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ." (سورة التوبة: 71-72)
"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا." (سورة الأحزاب: 35)
"وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا." (سورة النساء: 124)
المشكلات التي تعاني منها النساء في الحياة الاجتماعية
في المجتمعات البعيدة عن الدين، تواجه النساء مصاعب كثيرة، لا سيما تلك التي يواجهنها بعد الطلاق. إذ يتسبب الطلاق في مشكلات كثيرة للمرأة التي منعها زوجها من العمل وأصبحت بالتالي تعتمد عليه اقتصاديا.
ومما يصعِّب الوضع بالنسبة للنساء المطلقات أن غالبيتهن لا يمتهِنَّ مهنة، أو لسن صغيرات بما يكفي للحصول على عمل، أو ليس لهن أي حقوق اجتماعية. ويجب ألا ننسى أن المنافع الإضافية التي يطلبها طرفا الطلاق من بعضهما البعض وإصرارهما على السعي وراء مصالحهما الشخصية يساهم في نشوب النزاعات بين الطرفين ويزيد الوضع سوءا.
ومع ذلك، ففي مجتمع المؤمنين، لا يمر الناس بكل هذه المتاعب عندما يلتزمون بأحكام القرآن والسنة. ذلك أن الاحترام والحب الذي يشعر به الطرفان في بداية الزواج لا يضيع عندما يقرران إنهاء الزواج لأن هذا القرار يتم بموافقة الطرفين. وينبع هذا السلوك من المنطق القائم على أن الطرفين لا ينظران إلى بعضهما البعض بوصفهما مجرد رجل أو امرأة بل بوصفهما بشرا مؤمنين بالله، وبالتالي فهم أسمى خلق الله. ويحافظ هذا السلوك على استمرار المودة بعد الطلاق.
وقد وضع القرآن الكريم تدابير كثيرة لتأمين حقوق المرأة بعد الطلاق. إذ تحافظ التدابير المتصلة بوضعها الاقتصادي على رفاهية المرأة المطلقة. وتخبرنا الآيات التالية بالمزايا والمساعدات المالية التي تخصص للمرأة، برضا الطرفين، وكذلك بالمعاملة الصحيحة للمرأة بعد الانفصال:
"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ." (سورة البقرة: 241)
"وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ." (سورة البقرة: 236-237)
"لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا." (سورة الطلاق: 7)
ومرة أخرى، نعرف من الآيات، أنه بعد الطلاق، لا يحق للرجل شرعا أن يسترد أي شيء أعطاه لزوجته في أثناء الزواج. كما يضمن الدين للمرأة المطلقة أيضا كل احتياجاتها المتصلة بالمسكن في أثناء فترة العدة التالية للطلاق. ووفقا لما جاء في القرآن الكريم، لا يحق للرجل أيضا أن يرث المرأة بالإكراه.
إن ما رويناه حتى الآن يبين أن اتباع أحكام القرآن الكريم يجلب الحلول. ففي مجتمع يعيش فيه الناس وفقا لأحكام القرآن، لا تتعرض المرأة لسوء المعاملة والإهانة كما هي الحال في مجتمعات أخرى.
5. المساواة في توزيع الموارد
لا يحصل كل الأفراد في العالم، اليوم، على حصص متساوية من الموارد. إذ تقدر احتياجات الذكر البالغ من الطاقة الأساسية نحو 2800 سعرة حرارية في اليوم. وتكفي الموارد الغذائية المتوفرة على الكوكب لسد احتياجات كل فرد. ومع ذلك، ما زال قسم كبير من العالم محروما من هذه المنافع، ويعاني أكثر من 800 مليون شخص على الأرض من سوء تغذية شديد. كما أن مقدار السعرات الحرارية اليومية المتاحة لنسبة 75% من سكان العالم (4.03 بليون شخص في عام 1991) يقل كثيرا عن الحد الأدنى المطلوب يوميا من هذه السعرات. ويختلف عدد المصابين بسوء التغذية من بلد إلى آخر، بسبب عدم التوازن في توزيع الغذاء حول العالم. وتشير إحصائية أخرى إلى أن تأمين ما يلزم البلدان النامية من الاحتياجات الأساسية (الغذاء، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتعليم) يتكلف سنويا نحو 40 مليون دولار. ويساوي هذا الرقم 4% من مجموع ثروات أغنى 225 شخصا في العالم.3
ما تشير تلك الإحصائيات إلى أن فائض الموارد الموجود في بعض البلدان غير متوفر في بلدان أخرى، على الرغم من الأهمية الحيوية لهذه الموارد. ففي البلدان الغنية، يتم الإبقاء على بعض الموارد التي لم تعد مستخدمة دون الاستفادة منها، على الرغم من أنها يمكن أن تُنقل إلى البلدان الفقيرة. ويعتبر البؤس الذي تعاني منه بعض البلدان الأفريقية مثالا مألوفا للجميع.
ولا تقتصر مظاهر الظلم حول العالم على الغذاء والماء. إذ ينطبق الظلم ذاته أيضا على الخدمات الصحية، الأمر الذي يتسبب في مشكلات خطيرة حول العالم. وبفضل البحوث والتقدم الذي حدث في مجال الطب، أصبح من السهل اليوم معالجة الكثير من الأمراض والوقاية منها. ويتسنى ذلك من خلال التكنولوجيا الطبية والموارد المالية المتوفرة لدى البلدان الغنية. ومع ذلك، يصعب قول الشيء ذاته بالنسبة للبلدان المتخلفة والنامية. ذلك أن المشكلات الصحية البسيطة، التي تتغلب عليها البلدان الغنية بسهولة، تشكل تهديدات خطيرة بالنسبة للبلدان الفقيرة.
على سبيل المثال، هناك مرض الجذام الذي هو مرض بكتيري غادِر يزدهر في الغالب في "حزام الفقر" العالمي. واليوم، أصبح من السهل نسبيا معالجة هذا المرض الذي أصاب البشرية منذ قديم الأزل. وبينما يشكل الجذام تهديدا خطيرا بالنسبة للبلدان التي تعاني من الفقر، لا توجد سوى حالات متفرقة بل لا توجد أي حالات منه في العالم المتقدم. ويعتبر طول فترة العلاج وارتفاع التكلفة سببا رئيسيا في عدم القضاء على هذا المرض في البلدان الفقيرة. ولكن الحقيقة هي أن المساعدة الطبية التي تقدمها البلدان الغنية يمكن أن تساهم في القضاء على هذه المشكلة.
وعند دراسة كل المشكلات الصحية بشكل عام، يظل الجذام قطرة في محيط. ففي البلدان المتخلفة، تقف التكنولوجيا عاجزة أمام أوبئة أخرى كثيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه نظرا لنقص الموارد المالية، يكون من المستبعد أن تتم معالجة هذه الأمراض ناهيك عن القضاء عليها. ومع ذلك، فحل كل المشكلات الصحية بسيط؛ فبقدر معقول من التنظيم، يمكن استخدام طرق كثيرة مثل نقل المعدات الطبية غير المستخدمة المخزنة في مستودعات البلدان المتقدمة إلى البلدان الفقيرة.
وتتضح أيضا مظاهر الظلم في توفر تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم. فلكي تتوسع البلدان المتقدمة في مناطقها الزراعية، لا بد أن تستثمر هذه البلدان استثمارات ضخمة في البحوث الخاصة بتكنولوجيا الزراعة والري، حتى تجعل الأنشطة الزراعية ممكنة في الأراضي غير المنتجة، بل حتى في الصحاري. واليوم، بدأت نظم الري تتغير بفضل قدرة تكنولوجيا المعلومات. فمن خلال نظم الري المدعمة بأجهزة الكمبيوتر، التي تهدف إلى تقليل فاقد المياه إلى أقصى حد، يتم توجيه المياه مباشرة إلى جذور النباتات تحت التربة، مما يوفر كل قطرة ماء للاستفادة منها في الزراعة. وقد قُدمت مشروعات لتكرير كل الموارد المائية، مثل استخدام مياه البحر والفيضان في ري الصحاري.
وتتيح هذه النظم الزراعية الحديثة إنتاج المحاصيل حتى في الصحاري. وكل هذه أخبار جيدة. ولكن بما أن البلدان التي تعاني من الفقر لا تستفيد من هذه الابتكارات، فإن الأمر لا يزال يمثل مشكلة تحتم التفكير فيها بشكل جدي. ذلك أن التكنولوجيا المتواضعة المستخدمة في تلك البلدان لا تعطي إنتاجية عالية حتى في الأراضي الخصبة، وبالتالي يشكل الجوع تهديدا خطيرا بالنسبة لشعوبها.
وفي بعض الحالات، يعيش كل سكان البلد تحت تهديد الجوع. وتفرد الجرائد والمجلات صفحات لهذا الشقاء الإنساني لكي يدرك الجميع خطورة الموقف، ولكنها تقف عاجزة عن خلق البصيرة التي تؤدي إلى إيجاد الحلول. وهناك مساع لحل المشكلة من خلال التدابير المؤقتة والمشروعات قصيرة الأجل، ولكن مثل هذه الإجراءات الواهية التي تفتقر إلى البصيرة لا تقدم حلولا.
وعند هذه المرحلة، يكون الناس في حاجة فعلية لحلول سريعة وعملية تتعامل مع احتياجاتهم الحقيقية. واليوم، تتلقى الدول التي تعاني من الفقر كميات كبيرة من المعونات الغذائية. ومع ذلك، فمعظم هذه المعونات غير مفيدة لأنها تُقدَّم لمجرد التباهي ولا تتفق مع احتياجات من يعانون من المجاعة. ومن ناحية أخرى، إذا تأخر وصول المعونات الغذائية، أو حدثت معوقات تنظيمية، يفسد الطعام قبل أن يصل إلى وجهته. وعلى الرغم من إنشاء جمعيات لتنظيم وصول هذه المعونات، فإن هذه الجمعيات تفتقر إلى المصداقية، لأنها مليئة في الغالب بالفساد.
ويعزى عدم الوصول إلى حلول جذرية إلى الغرور، والمصالح الشخصية، والطموح، والغفلة، وغير ذلك من أوجه الضعف الأخلاقي المشابهة. وتتمثل السبيل الوحيدة لإنهاء هذه العيوب الأخلاقية في تبليغ القرآن الكريم إلى الناس وتذكيرهم بأنهم سيُسألون عن كل أعمالهم في الآخرة.
وكما هي الحال في الأمثلة السابقة التي وردت في الأقسام المتصلة بالصحة والتعليم، فسوف تضع العدالة نهاية لكثير من المشكلات المنتشرة حول العالم. ومع ذلك، هناك نقطة تجدر الإشارة إليها بشكل خاص ألا وهي: عندما نتحدث عن التوزيع العادل، يجب ألا يُفهم من ذلك أن كل شيء سيكون متوفرا لكل شخص في كل مكان بنفس القدر. ذلك أن ما نعنيه فعليا هو سد احتياجات الناس بالكامل. ولا شك في أن نظام الري الخاص المستخدم في الصحاري لن يفيد في مكان آخر. وعلى نحو مشابه، لا يتوقع المرء من أي بلد أن يرسل أدوية إلى بلد آخر إذا كانت هناك حاجة لهذه الأدوية داخل هذا البلد ذاته. وفضلا عن ذلك، ليس من الضروري أن يمتلك كل المواطنين نفس القدر من الممتلكات بالضبط. فالمهم فعليا هو ألا يوجد أناس ينغمسون في حياة البذخ بينما يوجد، على مقربة منهم، أناس آخرون يعانون من الفقر. ومن الضروري أن نتفادى حدوث فجوة لا تُسد بين الفقراء والأغنياء.
ومتى تم اتباع أمر الله التالي: "يسألونَكَ ماذا يُنفقونَ قلِ العفوَ" (سورة البقرة: 219)، سيظهر تلقائيا التوزيع العادل الذي يؤدي إلى نشر السلام في المجتمعات.
بوح الروح
1. زيادة حنث اليمين
يلعب الشهود دورا رئيسيا في اكتشاف الحقيقة وترسيخ أسس العدالة. ذلك أن شهادة شهود العيان توضح كثيرا من القضايا بسرعة وتميز الحق عن الباطل. ولكن في المجتمعات التي لا تتبع قيم القرآن والسنة، لا يمكن قط التعويل على شهادة الشهود من أجل اكتشاف الحقيقة. ويرجع هذا ببساطة إلى أن الناس الذين لا يتبعون أحكام القرآن والسنة يمكنهم أن يكذبوا مقابل منفعة أو مال بنفس السهولة التي يتنفس بها معظم الناس. وهم بذلك يديرون ظهورهم لكل سلوك أخلاقي مثل قول الحقيقة أو مناصرة البريء.
بل إن الأمر قد يصل في بعض الحالات إلى امتناع الناس عن الإدلاء بالشهادة في قضية معينة، مهما كانت أهمية شهادتهم بالنسبة لسير العدالة. وتفسر عادة سلوكيات هذا النوع من الناس بأفكار غير واقعية، مثل الخوف من التورط في مشاكل أو التعرض لظروف غير مواتية. ويؤكد المولى عز وجل في الآية التالية على أهمية الكشف عن الحقيقة:
"... وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ." (سورة البقرة: 283)
وقد يكون الحقد والكراهية الموجهان نحو شخص ما سببا في إغراء الناس بتلفيق الشهادة. فمن خلال شهادة الزور وتشويه الحقائق، يستطيعون أن يعرقلوا سير العدالة. وقد فسر أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الصدق في الحديث التالي:
"عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".1
إن الناس الذين لا يعيشون وفقا لقيم القرآن والسنة لا يطبقون العدالة، خاصة عندما تكون الأسبقية عندهم لمصالحهم وأهوائهم الشخصية، ولا يفكرون أبدا في تبعات شهادة الزور التي يدلون بها. إذ لا يخطر ببالهم قط ما يعانيه الشخص البريء وأسرته في أثناء مدة سجنه الطويلة ظلما، لأنهم لا يضعون أنفسهم مكان الآخر لكي يتخيلوا كيف ستكون الحياة حينئذ...
ويولي المولى عز وجل في القرآن الكريم أهمية خاصة لهذا الموقف الذي يتعرض له الناس، ويأمرنا بأن نكون عادلين مهما كانت الظروف:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ." (سورة المائدة:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث التالي لكي يتجنب الناس الظلم: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان"2
وينحرف بعض الناس عما هو صحيح وعادل بدافع الخوف، أو المال، أو الطمع. ولن يتحرر هؤلاء الناس من هذه العبودية إلا باكتساب قيم القرآن. لأنهم عندئذ لن يميلوا قط إلى إلحاق الأذى بالناس، مهما كانت الظروف، سواء كانوا تحت تأثير التهديد أو الإكراه أو تحت إغراء أي منفعة شخصية، لأنهم يدركون أن الله محيط بهم في كل لحظة. كما يدرك المؤمنون أنهم سيُسألون في الآخرة عن كل إثم ارتكبوه وكل شر نطقوا به. ويعلن الله في الآية التالية أن عباد الرحمن لا يشهدون زورا:
"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا." (سورة الفرقان: 72)
ويجدر بنا أن نلفت الانتباه هنا إلى نقطة أخرى تتعلق بأولئك الذين يسعون وراء مصالحهم مفضلين ذلك على تطبيق العدالة، وهذه النقطة هي: أنه في يوم ما قد يلحق بهم نفس الأذى. وإذا حدث ذلك، لا شك في أنهم سينزعجون كثيرا من المظالم التي ستقع عليهم وسيسعون لإيجاد شاهد موثوق به لا يلفق الشهادة. وعلى أولئك الذين لا يودون أن يمروا بهذه التجربة أن يكافحوا لنشر القيم التي أمرنا الله بها وأن يلتزموا التزاما كاملا بالمبادئ الأخلاقية التي أثنى الله عليها في القرآن الكريم.
2. معايير الحكم على الناس هي المال والمستوى الاجتماعي
يشكل المال والمكانة الاجتماعية المعيارين الأساسيين لتقييم الناس في المجتمعات التي لا تتبع قيم القرآن والسنة. وفي هذه المجتمعات، سنجد أن كل الطبقات مشبعة بهذه العقلية، مما يوفر لنا قدرا وافرا من الأمثلة لتحليلها.
ويمدنا سلوك صاحب المتجر تجاه زبونين مختلفين بمفاتيح مذهلة لفهم خفايا هذه المشكلة. إذ يتعامل صاحب المتجر بأدب واهتمام مع الشخص الذي يوحي مظهره بالثراء. في حين أنه لا يتعامل بنفس الطريقة مع الزبون الآخر الذي يوحي مظهره بالفقر. ولا يتغير هذا الأسلوب على الرغم من أن كلا الزبونين يذهب إلى المتجر لشراء نفس الأشياء وإنفاق نفس القدر من المال. ولكن المظهر والمكانة هما اللتان تحددان الطريقة التي يتعامل بها صاحب المتجر مع زبائنه.
ولكن هذه المعايير لا تصح لدى شخص يعيش وفقا لأحكام القرآن الكريم. لأن المؤمن حسن الخلق مع غيره من البشر لمجرد أنهم "بشر". كما أنه لا يميز بأي شكل من الأشكال بين من حوله. وهو لا يحتاج إلى "ألقاب" كي يقدر شخصا ما. كما أنه لا يبالي بما إذا كان الشخص غنيا أو فقيرا، يعيش في كوخ أو في فيلا. كما أن ثياب المرء الغالية، أو وجهه الجميل، أو شهادته الجامعية التي حصل عليها من أعرق الجامعات، أو مكانته الاجتماعية، أو غير ذلك من رموز المكانة الاجتماعية المشابهة لا تعني له شيئا البتة. فقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الحكيم أن إيمان المرء بالله وقربه منه هو المعيار الوحيد الذي يجب أن يطبق على حب الناس.
3. مشكلات التعليم
التعليم حق لكل فرد. وبصرف النظر عن اعتبارات الدين، أو اللغة، أو الجنس، أو المكانة الاجتماعية، يحق لكل فرد أن يسعى للحصول على المعرفة. ومع ذلك، فالظلم الاجتماعي يجعل تحقيق ذلك مستحيلا، لأنه يتسبب في مشكلات كثيرة تتطلب حلولا عاجلة، تتمثل أهمها في عدم توفر التعليم المجاني لكل فرد من أفراد المجتمع. وفي بلدان كثيرة، يتسبب الفقر في حرمان أعداد ضخمة من الأطفال والمراهقين من التعليم الجيد؛ في حين يخصص عدد قليل جدا من المدارس الجيدة للأقلية الثرية. ولا يكاد الناس العاديون يحصلون على التعليم المدرسي الذي يفي باحتياجاتهم التعليمية الفعلية. ومن ثم، يحصل الأغنياء على أفضل تعليم بينما يكتفي الفقراء بما يقدمه لهم النظام فقط.
يمكن تطوير مهارات الأطفال من خلال المختبرات والعديد من الوسائل الأخرى شريطة أن تتلقى المدارس الدعم المادي المناسب. ومن ناحية أخرى، تشكل الموارد المحدودة لبعض المدارس عائقا أمام تطور الشباب من نواح كثيرة.
ويجب أن يُسمح للناس بتلقي التعليم في أي مجال يرغبونه. وفي الواقع، ثبت أن النظام التعليمي الذي يتيح للناس الفرصة لكي يحصلوا على تعليم مدرسي يتوافق مع اهتماماتهم، وميولهم، ومهاراتهم يحقق قدرا أكبر من النفع والإنتاجية للمجتمع. ومع ذلك، ففي وقتنا الحاضر، تضطر الظروف الاقتصادية والاجتماعية كثيرا من الناس للتخلي عن التعليم المدرسي أو إكماله في مجال لا يثير اهتمامهم.
ولكن العيش وفقا لقيم القرآن يتعامل مع مثل هذه المشكلات الاجتماعية ويضع لها حلولا، لأن البيئة التي تضمنها هذه القيم لا تسمح بوجود خدمات تعليمية لا تفي بالمطلوب. ومن خلال ما يوفره القرآن الكريم من حكمة وقدرة على الإدراك، يتصرف الناس كجهات متخصصة في حل مشكلات التعليم، كما هي حالهم في مجالات الحياة الأخرى. وفضلا عن ذلك، لا يوجد في هذا المجتمع تمييز بين الفقير والغني. وكما ذكرنا آنفا، فإن أولئك الذين يحبون الله سبحانه وتعالى ينفقون ما يفيض عن حاجتهم من أجل منفعة الآخرين. وبمجرد أن توجه هذه الأموال المجمعة إلى المجالات الكثيرة التي تحتاج لحلول عاجلة مثل التعليم والصحة العامة، فسرعان ما ستحَل هذه المشكلات. وإذا طبقت هذه الحلول على مستوى العالم، فسوف يتضاءل التمييز الموجود بين البلدان الفقيرة والغنية؛ لأن البلدان الغنية سوف تحول فائض مواردها إلى البلدان المتخلفة دون أن تتوقع أي شيء في المقابل.
ولا شك في أن تقديم الحلول مهمة كبيرة تقع على عاتق المسلمين لأنهم مسؤولون عن توفير نوعية التعليم التي توجه الشباب في حياتهم إلى ما يتوافق مع أحكام القرآن. وهذا هو التعليم الذي يوضح للشخص غايته الفعلية في الحياة ويبين له آيات الله سبحانه وتعالى على الأرض وفي الكون. وإذا لم يحدث هذا، فستكبر الأجيال الجديدة، التي ستُغرس فيها أيديولوجيات الكفر التي لا صلة لها بالإسلام، وتتحول إلى شباب غير منتجين لا ينفعون أوطانهم، وشعوبهم، ودينهم. إن التعليم الخاطئ هو المسؤول عما يتبعه الشباب من أنماط حياتية غير محبذة تفقدهم بالتالي البركة التي يجلبها الدين فيضلون الطريق. ولا شك في أن صاحب الضمير الحي الذي يخاف الله لن يخاطر بهذه المسؤولية.
4. عدم المساواة بين الرجال والنساء
في المجتمعات التي تخلو من العدالة الحقيقية، يشكل عدم المساواة بين النساء والرجال قضية اجتماعية خطيرة تنتج عنها مشكلات كبيرة. وفي بلدان كثيرة حول العالم، تعامل النساء في أحيان كثيرة كمواطنات من الدرجة الثانية بل حتى كمنبوذات، ويتعرضن كثيرا لسوء المعاملة، إذ يُعتبرن كائنات ضعيفة بحاجة إلى الحماية. ولهذا السبب ذاته، سنجد أن النساء لا يؤدين دورا ذا قيمة في المجتمع يكسبهن الاحترام.
وفي المجتمعات التي ينتشر فيها هذا التحيز، يندر أن تحظى المرأة التي تنعم بمسار باهر في الحياة العملية بالقبول. إذ يُنظر إلى النساء، عموما، بوصفهن أشخاصا يفتقرون إلى الثقة في النفس والعزيمة، ويمتلكون ملكات عقلية ضعيفة. ويجب أن نشير هنا إلى أن هذا التبرير الذي يضع "قالبا نمطيا للمرأة" في المجتمع يُتخذ – دون وجه حق - تفسيرا لكل خطأ ترتكبه المرأة. وفي الواقع، لا تقتصر هذه الأخطاء على النساء بل تشمل كل البشر.
وعند التقدم لشغل وظائف شاغرة، يتم تفضيل الرجال على النساء، حتى إذا كان للنساء نفس الخلفيات ونفس القدر من الذكاء والمهارة مثل الرجال تماما. وتفسر هذه النزعة محدودية الفرص المتاحة للنساء في الحياة العملية.
ومن ناحية أخرى، تتصرف غالبية النساء بما يتوافق مع هذه الصورة المنسوبة إليهن. وهذا التوافق يجعلهن يقبلن بسهولة الأدوار الدونية التي تنسب إليهن في كثير من المجتمعات.
ولا شك في أن التحيز في الحياة الاجتماعية لجنس على حساب الآخر له تبعات مذهلة في البلدان المتخلفة. فإذا تجاوزنا عن حرمان النساء من حقهن في التعليم والعمل، فسنجد أنهن يحرمن حتى من حقهن في اتخاذ قراراتهن الخاصة بمسألة الزواج. ذلك أن كل أشكال القرارات الشخصية الخاصة بالنساء يتخذها لهن آباؤهن أو أزواجهن.
وهناك جهود مستمرة لوضع حلول لهذه الممارسات المعيبة التي لم نذكر إلا بضعًا منها في هذا الكتاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحادات التي تأسست لحماية حقوق النساء، ومبادئ الحرية والمساواة، والحركة النسوية، والحلقات الدراسية، والمناقشات العامة لم تساهم كثيرا في إيجاد حل عملي. فقد ثبت أن كل هذه الجهود تؤدي إلى حلول تلازمها تعقيدات أكثر. وهذه نتيجة طبيعية؛ لأن الحل الحقيقي الوحيد، كما هي الحال في جميع الميادين الأخرى هو: اتباع أحكام القرآن الكريم.
ففي مجتمع يتبع أحكام القرآن والسنة، لن يحدث أي تمييز بين أفراده سواء كانوا نساء أو رجالا، أغنياء أو فقراء، شبابا أو شيوخا. ذلك أن المكانة الاجتماعية، أو المهنة، أو الثراء، أو الجنس لا يعطي الناس الحق في التمتع بمزايا معينة دون سواهم. فالأعمال الحسنة التي يعملها المرء وخوفه من الله هو الذي يميزه، كما ألمح الخالق جل جلاله في الآية التالية: "وتزوَّدوا فإن خيرَ الزادِ التقوَى" (سورة البقرة: 197). وفي القرآن الكريم، لا يُصنف الناس بشكل متحيز كرجال أو نساء، لأن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرجال والنساء المؤمنين به الذين يعملون الأعمال الصالحة. ويؤكد المولى عز وجل أهمية العيش وفقا للقيم التي أمر بها. ومن هذه الناحية، لا يشكل كون العبد ذكرا أو أنثى أي أهمية. وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد هذا المعنى:
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ." (سورة التوبة: 71-72)
"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا." (سورة الأحزاب: 35)
"وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا." (سورة النساء: 124)
المشكلات التي تعاني منها النساء في الحياة الاجتماعية
في المجتمعات البعيدة عن الدين، تواجه النساء مصاعب كثيرة، لا سيما تلك التي يواجهنها بعد الطلاق. إذ يتسبب الطلاق في مشكلات كثيرة للمرأة التي منعها زوجها من العمل وأصبحت بالتالي تعتمد عليه اقتصاديا.
ومما يصعِّب الوضع بالنسبة للنساء المطلقات أن غالبيتهن لا يمتهِنَّ مهنة، أو لسن صغيرات بما يكفي للحصول على عمل، أو ليس لهن أي حقوق اجتماعية. ويجب ألا ننسى أن المنافع الإضافية التي يطلبها طرفا الطلاق من بعضهما البعض وإصرارهما على السعي وراء مصالحهما الشخصية يساهم في نشوب النزاعات بين الطرفين ويزيد الوضع سوءا.
ومع ذلك، ففي مجتمع المؤمنين، لا يمر الناس بكل هذه المتاعب عندما يلتزمون بأحكام القرآن والسنة. ذلك أن الاحترام والحب الذي يشعر به الطرفان في بداية الزواج لا يضيع عندما يقرران إنهاء الزواج لأن هذا القرار يتم بموافقة الطرفين. وينبع هذا السلوك من المنطق القائم على أن الطرفين لا ينظران إلى بعضهما البعض بوصفهما مجرد رجل أو امرأة بل بوصفهما بشرا مؤمنين بالله، وبالتالي فهم أسمى خلق الله. ويحافظ هذا السلوك على استمرار المودة بعد الطلاق.
وقد وضع القرآن الكريم تدابير كثيرة لتأمين حقوق المرأة بعد الطلاق. إذ تحافظ التدابير المتصلة بوضعها الاقتصادي على رفاهية المرأة المطلقة. وتخبرنا الآيات التالية بالمزايا والمساعدات المالية التي تخصص للمرأة، برضا الطرفين، وكذلك بالمعاملة الصحيحة للمرأة بعد الانفصال:
"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ." (سورة البقرة: 241)
"وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ." (سورة البقرة: 236-237)
"لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا." (سورة الطلاق: 7)
ومرة أخرى، نعرف من الآيات، أنه بعد الطلاق، لا يحق للرجل شرعا أن يسترد أي شيء أعطاه لزوجته في أثناء الزواج. كما يضمن الدين للمرأة المطلقة أيضا كل احتياجاتها المتصلة بالمسكن في أثناء فترة العدة التالية للطلاق. ووفقا لما جاء في القرآن الكريم، لا يحق للرجل أيضا أن يرث المرأة بالإكراه.
إن ما رويناه حتى الآن يبين أن اتباع أحكام القرآن الكريم يجلب الحلول. ففي مجتمع يعيش فيه الناس وفقا لأحكام القرآن، لا تتعرض المرأة لسوء المعاملة والإهانة كما هي الحال في مجتمعات أخرى.
5. المساواة في توزيع الموارد
لا يحصل كل الأفراد في العالم، اليوم، على حصص متساوية من الموارد. إذ تقدر احتياجات الذكر البالغ من الطاقة الأساسية نحو 2800 سعرة حرارية في اليوم. وتكفي الموارد الغذائية المتوفرة على الكوكب لسد احتياجات كل فرد. ومع ذلك، ما زال قسم كبير من العالم محروما من هذه المنافع، ويعاني أكثر من 800 مليون شخص على الأرض من سوء تغذية شديد. كما أن مقدار السعرات الحرارية اليومية المتاحة لنسبة 75% من سكان العالم (4.03 بليون شخص في عام 1991) يقل كثيرا عن الحد الأدنى المطلوب يوميا من هذه السعرات. ويختلف عدد المصابين بسوء التغذية من بلد إلى آخر، بسبب عدم التوازن في توزيع الغذاء حول العالم. وتشير إحصائية أخرى إلى أن تأمين ما يلزم البلدان النامية من الاحتياجات الأساسية (الغذاء، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتعليم) يتكلف سنويا نحو 40 مليون دولار. ويساوي هذا الرقم 4% من مجموع ثروات أغنى 225 شخصا في العالم.3
ما تشير تلك الإحصائيات إلى أن فائض الموارد الموجود في بعض البلدان غير متوفر في بلدان أخرى، على الرغم من الأهمية الحيوية لهذه الموارد. ففي البلدان الغنية، يتم الإبقاء على بعض الموارد التي لم تعد مستخدمة دون الاستفادة منها، على الرغم من أنها يمكن أن تُنقل إلى البلدان الفقيرة. ويعتبر البؤس الذي تعاني منه بعض البلدان الأفريقية مثالا مألوفا للجميع.
ولا تقتصر مظاهر الظلم حول العالم على الغذاء والماء. إذ ينطبق الظلم ذاته أيضا على الخدمات الصحية، الأمر الذي يتسبب في مشكلات خطيرة حول العالم. وبفضل البحوث والتقدم الذي حدث في مجال الطب، أصبح من السهل اليوم معالجة الكثير من الأمراض والوقاية منها. ويتسنى ذلك من خلال التكنولوجيا الطبية والموارد المالية المتوفرة لدى البلدان الغنية. ومع ذلك، يصعب قول الشيء ذاته بالنسبة للبلدان المتخلفة والنامية. ذلك أن المشكلات الصحية البسيطة، التي تتغلب عليها البلدان الغنية بسهولة، تشكل تهديدات خطيرة بالنسبة للبلدان الفقيرة.
على سبيل المثال، هناك مرض الجذام الذي هو مرض بكتيري غادِر يزدهر في الغالب في "حزام الفقر" العالمي. واليوم، أصبح من السهل نسبيا معالجة هذا المرض الذي أصاب البشرية منذ قديم الأزل. وبينما يشكل الجذام تهديدا خطيرا بالنسبة للبلدان التي تعاني من الفقر، لا توجد سوى حالات متفرقة بل لا توجد أي حالات منه في العالم المتقدم. ويعتبر طول فترة العلاج وارتفاع التكلفة سببا رئيسيا في عدم القضاء على هذا المرض في البلدان الفقيرة. ولكن الحقيقة هي أن المساعدة الطبية التي تقدمها البلدان الغنية يمكن أن تساهم في القضاء على هذه المشكلة.
وعند دراسة كل المشكلات الصحية بشكل عام، يظل الجذام قطرة في محيط. ففي البلدان المتخلفة، تقف التكنولوجيا عاجزة أمام أوبئة أخرى كثيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه نظرا لنقص الموارد المالية، يكون من المستبعد أن تتم معالجة هذه الأمراض ناهيك عن القضاء عليها. ومع ذلك، فحل كل المشكلات الصحية بسيط؛ فبقدر معقول من التنظيم، يمكن استخدام طرق كثيرة مثل نقل المعدات الطبية غير المستخدمة المخزنة في مستودعات البلدان المتقدمة إلى البلدان الفقيرة.
وتتضح أيضا مظاهر الظلم في توفر تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم. فلكي تتوسع البلدان المتقدمة في مناطقها الزراعية، لا بد أن تستثمر هذه البلدان استثمارات ضخمة في البحوث الخاصة بتكنولوجيا الزراعة والري، حتى تجعل الأنشطة الزراعية ممكنة في الأراضي غير المنتجة، بل حتى في الصحاري. واليوم، بدأت نظم الري تتغير بفضل قدرة تكنولوجيا المعلومات. فمن خلال نظم الري المدعمة بأجهزة الكمبيوتر، التي تهدف إلى تقليل فاقد المياه إلى أقصى حد، يتم توجيه المياه مباشرة إلى جذور النباتات تحت التربة، مما يوفر كل قطرة ماء للاستفادة منها في الزراعة. وقد قُدمت مشروعات لتكرير كل الموارد المائية، مثل استخدام مياه البحر والفيضان في ري الصحاري.
وتتيح هذه النظم الزراعية الحديثة إنتاج المحاصيل حتى في الصحاري. وكل هذه أخبار جيدة. ولكن بما أن البلدان التي تعاني من الفقر لا تستفيد من هذه الابتكارات، فإن الأمر لا يزال يمثل مشكلة تحتم التفكير فيها بشكل جدي. ذلك أن التكنولوجيا المتواضعة المستخدمة في تلك البلدان لا تعطي إنتاجية عالية حتى في الأراضي الخصبة، وبالتالي يشكل الجوع تهديدا خطيرا بالنسبة لشعوبها.
وفي بعض الحالات، يعيش كل سكان البلد تحت تهديد الجوع. وتفرد الجرائد والمجلات صفحات لهذا الشقاء الإنساني لكي يدرك الجميع خطورة الموقف، ولكنها تقف عاجزة عن خلق البصيرة التي تؤدي إلى إيجاد الحلول. وهناك مساع لحل المشكلة من خلال التدابير المؤقتة والمشروعات قصيرة الأجل، ولكن مثل هذه الإجراءات الواهية التي تفتقر إلى البصيرة لا تقدم حلولا.
وعند هذه المرحلة، يكون الناس في حاجة فعلية لحلول سريعة وعملية تتعامل مع احتياجاتهم الحقيقية. واليوم، تتلقى الدول التي تعاني من الفقر كميات كبيرة من المعونات الغذائية. ومع ذلك، فمعظم هذه المعونات غير مفيدة لأنها تُقدَّم لمجرد التباهي ولا تتفق مع احتياجات من يعانون من المجاعة. ومن ناحية أخرى، إذا تأخر وصول المعونات الغذائية، أو حدثت معوقات تنظيمية، يفسد الطعام قبل أن يصل إلى وجهته. وعلى الرغم من إنشاء جمعيات لتنظيم وصول هذه المعونات، فإن هذه الجمعيات تفتقر إلى المصداقية، لأنها مليئة في الغالب بالفساد.
ويعزى عدم الوصول إلى حلول جذرية إلى الغرور، والمصالح الشخصية، والطموح، والغفلة، وغير ذلك من أوجه الضعف الأخلاقي المشابهة. وتتمثل السبيل الوحيدة لإنهاء هذه العيوب الأخلاقية في تبليغ القرآن الكريم إلى الناس وتذكيرهم بأنهم سيُسألون عن كل أعمالهم في الآخرة.
وكما هي الحال في الأمثلة السابقة التي وردت في الأقسام المتصلة بالصحة والتعليم، فسوف تضع العدالة نهاية لكثير من المشكلات المنتشرة حول العالم. ومع ذلك، هناك نقطة تجدر الإشارة إليها بشكل خاص ألا وهي: عندما نتحدث عن التوزيع العادل، يجب ألا يُفهم من ذلك أن كل شيء سيكون متوفرا لكل شخص في كل مكان بنفس القدر. ذلك أن ما نعنيه فعليا هو سد احتياجات الناس بالكامل. ولا شك في أن نظام الري الخاص المستخدم في الصحاري لن يفيد في مكان آخر. وعلى نحو مشابه، لا يتوقع المرء من أي بلد أن يرسل أدوية إلى بلد آخر إذا كانت هناك حاجة لهذه الأدوية داخل هذا البلد ذاته. وفضلا عن ذلك، ليس من الضروري أن يمتلك كل المواطنين نفس القدر من الممتلكات بالضبط. فالمهم فعليا هو ألا يوجد أناس ينغمسون في حياة البذخ بينما يوجد، على مقربة منهم، أناس آخرون يعانون من الفقر. ومن الضروري أن نتفادى حدوث فجوة لا تُسد بين الفقراء والأغنياء.
ومتى تم اتباع أمر الله التالي: "يسألونَكَ ماذا يُنفقونَ قلِ العفوَ" (سورة البقرة: 219)، سيظهر تلقائيا التوزيع العادل الذي يؤدي إلى نشر السلام في المجتمعات.
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح