عندما نشر تيديمان كتابه "ملاحظات حول القدرات النفسية عند الطفل" عام 1787، كان يعكس، بعمله هذا، الحاجة الموضوعية إلى معرفة أوفر وأدق بمختلف المناحي النفسية عند الطفل، ويجسد كذلك نظرة أهل عصره إلى ضرورة الارتقاء بمستوى العلاقة بين التربية والعلوم الإنسانية. فالخبرة التي تراكمت على مر قرون من الزمن أبرزت الأهمية القصوى التي يكتسبها بناء النظرية التربوية والتعليمية على أساس المعطيات الموضوعية والمعارف العلمية المتعلقة بالخصائص النفسية للمتعلمين. وهذا ما يلمسه الفرد في أعمال بيستالوتزي الذي اتخذ من إقامة عملية التعليم على قواعد سيكولوجية شعاراً له.
ولقد كان مستوى الحياة الثقافية والاقتصادية الذي وصلت إليه أوربة في نهاية القرن الثامن عشر بمثابة الأرض الخصبة التي أنبتت هذه الأفكار، ودفعت بالمهتمين إلى رعايتها وتنميتها. ويمكن اعتبار محاولة تيديمان علامة بارزة للمساعي الدؤوبة والطويلة لاستكشاف الطرائق العلمية المؤدية إلى جمع المادة الخام لتلك "القواعد السيكولوجية". فقد أخضع أحد الأطفال منذ ولادته إلى ملاحظة يومية حتى السنة الثالثة. وكان يسجل كافة نتائج مشاهداته حول كافة التغيرات التي تطرأ على القدرات الحسية والحركية والوجدانية واللغوية لذلك الطفل وبصورة دورية ومنتظمة. وبذلك تمكن من تحديد تواريخ نشوء تلك القدرات. إذ وجد أن الانفعالات الأولى تظهر في نهاية الشهر الثاني من حياة الطفل، وأن الشهر السابع يشهد بداية محاولاته لنطق بعض الحروف. في حين يبدأ المجال الحسي والحركي عنده بالتطور منذ الأسابيع الأولى التي تعقب ولادته.
ويعد عمل تيديمان تدشيناً لمرحلة جديدة من مراحل الاهتمام بالسلوك البشري. فقد صدرت بعده عشرات "اليوميات" و"المذكرات" التي تتضمن ملاحظات إضافية ومسهبة لآباء- مربين أو سيكولوجيين- حول سلوك أبنائهم وتحولاته خلال السنوات الأولى من الحياة. ففي منتصف القرن التاسع عشر وضع أ. كوسماول مخططاً لنمو النفس عند طفل مرحلة ما قبل المدرسة. وقدم عبر هذا المخطط وصفاً تفصيلياً عن تعاظم إمكانيات الطفل وقدراته على أساس زيادة الارتباطات وتعقدها. ومن المنطلق ذاته درس إ. تين نمو الكلام عند الأطفال وقارنه مع تطور اللغة عبر التاريخ. وقد نشرت هذه الدراسة عام 1876. وبعد عام واحد نشر داروين مقالاً مطولاً تحت عنوان "موجز تاريخ حياة طفل"، لخص فيه ملاحظاته حول سلوك أحد أبنائه، والتي قام بها في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات. على أن العمل الأهم في هذا المجال هو الكتاب الذي نشره عالم الفيزيولوجيا وليم براير(1841- 1897م)، أحد أصدقاء فوندت، عام 1881 تحت عنوان "عقل الطفل". وفيه يعرض الوقائع التي توصل إليها أثناء دراسته لتصرفات طفله وأفعاله في الصباح وفي منتصف النهار وفي المساء عرضاً مفصلاً ومتسلسلاً. ولم تقتصر ملاحظات براير على نمو حساسية الطفل وبعض مظاهر نموه الانفعالي منذ الدقائق الخمس الأولى على ولادته حتى نهاية السنة الأولى، وإنما حاول أن يفسر ذلك كله بالوراثة والبيئة ويبين أثر كل منهما في السلوك.
لقد حقق عمل براير نجاحاً كبيراً ولاقى استحساناً واسعاً من لدن المربين والمهتمين بالطفولة ودفعهم إلى المزيد من التدقيق والتمحيص في سلوك الطفل وتطوره. فلم تمض سنوات قليلة على صدور كتابه حتى وضع عالم الأعصاب الروسي الشاب ف. بختيرف قائمة بالاستجابات الانفعالية التي ظهرت عند ولده "بيتا" خلال الأشهر الستة الأولى من حياته. ومن ثم قام مواطناه سيكورسكي ولانج بأعمال مشابهة. حيث ألقى لانج محاضرتين حول سلوك الطفل على طلاب جامعة نوفوروسيا "روسيا الجديدة" ونشرهما عام 1891. وكانت مادة المحاضرتين عبارة عن عرض لنتائج ملاحظاته ومقارنتها بملاحظات براير.
وبعد صدور "عقل الطفل" بحوالي عقد من الزمن كان بينيه يتتبع نمو العمليات العقلية لدى ابنتيه ويسجل مشاهداته ويطلع جمهور القراء عليها من خلال كتابه "أفكار جديدة عن الأطفال". وفي عام 1893 أصدر شين مذكراته "حول نمو الطفل". كما نشر سولي "دراسات في الطفولة" عام 1896.
ومع إطلالة القرن العشرين عرف هذا النوع من دراسة خصائص الطفولة تطوراً أفقياً وعمودياً ملحوظاً. ففي فترة لا تتعدى العقدين ظهرت عشرات الدراسات واليوميات، من مثل يوميات أ. ستانجينسكايا وأ. ليفانيفسكي وشتيرن. ويعتبر كتاب وليم شتيرن "سيكولوجية الطفولة المبكرة"(1914) تطويراً وتعميقاً للإطار الذي عمل من خلاله السابقون. فلم يقتصر موضوعه على طفل واحد ولسنوات قليلة فقط، وإنما شمل أطفال مؤلفه الثلاثة وتعقبهم منذ ولادتهم حتى السنة الخامسة والسادسة. وعبر صفحاته تتجلى دقة الملاحظة عند شتيرن والجهد الذي بذله وتحملت زوجته شطراً منه. وقد كان هذا العمل فرصة مكنت المهتمين من الاطلاع على الأطوار التي تمر بها الإحساسات والمدارك والتذكر والتفكير والكلام والإرادة عند الأطفال والنشاطات التي يمارسونها في مرحلة الطفولة المبكرة كاللعب والبناء والرسم. ومما زاد في قيمته هو أن شتيرن لم يكتف بسرد الوقائع التي شاهدها، بل قام بتعميمها وتوظيفها في خدمة نظريته في النمو النفسي التي عرفت باسم النظرية التوفيقية. ويعود سبب هذه التسمية إلى النهج الذي اختطه شتيرن وسار عليه أتباعه للتوفيق بين الوراثة والبيئة كمحددين مسؤولين عن التطور النفسي عند الفرد.
ولم يكن الخط الذي رسمته دراسة سلوك الأطفال عن طريق الملاحظة الموضوعية وتسجيل المعطيات والمعلومات التي تسفر عنها هو الخط الوحيد. وإنما كان هناك خط ثان موازٍ له وطرائق أخرى غير الملاحظة تكملها وتغني تصورات المهتمين بمظاهر السلوك الإنساني، وتعمق أفكارهم وتدفعهم إلى نبذ الكثير من المعتقدات والآراء القديمة. وفي هذا الصدد يجدر التنويه بالآثار الإيجابية العميقة لأعمال بينيه ودورها في توفير إمكانية التعرف على مستوى القدرات العقلية عند الأطفال بوسائل وأدوات ومقاييس موضوعية. فقد أضحى التجريب منذ ظهور تلك الأعمال الطريقة التي استأثرت باهتمام الباحثين. فسعوا بتأمين مستلزماتها وشروطها بغية الوصول إلى نتائج موضوعية ودقيقة لدى دراستهم للظواهر النفسية عند الطفل، كالإدراك والتذكر والانتباه... الخ، وكذا تطور أوجه النشاط التي يمارسها في المدرسة والمنزل والروضة... الخ. وفي تلك الفترة يمكن للمرء أن يلاحظ الزيادة الكبيرة في عدد الدراسات التي تناولت هذه الموضوعات والارتقاء في مستواها، الأمر الذي نجم عنه تعاظم حجم الحقائق بصورة محسوسة، وولادة أفكار جديدة حول نمو الطفل وعوامله وأسبابه وشروطه. وسرعان ما تبلورت هذه الأفكار وتحولت إلى اتجاه ضاغط بدأ بالظهور في المؤتمر الدولي الرابع لعلماء النفس الذي عقد في باريز عام 1900.
إن القاسم المشترك بين ممثلي هذا الاتجاه يكمن في تأثرهم بالنظريات التطورية التي انتشرت-كما هو معلوم- خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومحاولاتهم تطبيق قوانينها ومفاهيمها على سلوك الإنسان والحيوان. ولقد تجلى ذلك على نحو بارز فيما عرف في علم النفس بالنظرية التلخيصية Recapitulatisme التي أرسى قواعدها إ. هيكّيل.
ووفقاً لهذه النظرية فإن حياة الإنسان منذ لحظة تكونه إلى أن يصير راشداً ليست سوى إعادة سريعة ومختصرة لحقب نشأة الحيوانات وارتقائها واختزالاً لمراحل التاريخ البشري. وقد زعم أصحابها أن ما توصل إليه علم الأجنة من تغيرات تطرأ على بنية الجنين يوماً بعد يوم لهو دليل واضح على صدقها وصحتها. ومما كشف عنه هذا العلم، مثلاً، وجود فجوات في القسم العلوي من الجنين في الشهر الرابع من حياته تشبه، في رأيهم، الغلاصم عند الأسماك، وتشكل أغشية بين أصابع يديه وقدميه في الشهر السادس تماثل، في تصورهم، الأغشية التي نجدها عند الحيوانات البرمائية، وظهور زائدة ذيلية تذكرهم بالذيل عند الثدييات بعد بضعة أسابيع. وعندما يتحدث التلخيصيون عن هذه المعطيات، فإنهم يعتبرونها براهين قاطعة على صحة قانون التكرار الذي يعني بالنسبة لهذه المرحلة أن الجنين يعيد خلال تسعة أشهر جميع مراحل تطور الأنواع الحيوانية.
أما التغيرات التي تطرأ على عضوية الطفل وسلوكه عبر سنوات الطفولة الأولى، فكانوا ينظرون إليها باعتبارها إعادة مكثفة للمراحل التي قطعتها البشرية في تطورها عبر آلاف السنين.
ويأتي عالم النفس والمربي الأمريكي ج. ستانلي هول(1846- 1924م) في طليعة أنصار النظرية التلخيصية، فقد أبدى إعجابه بها وتبنى مبادئها وأفكارها في وقت مبكر من حياته العلمية. وانصرف إلى جمع المعطيات والوقائع التي تسهم في تطورها وانتشارها.
كان ستانلي هول مدرساً متخصصاً، تتلمذ على يد الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليم جيمس. وعمل من قبل تحت إشراف فوندت، حيث حضر عام افتتاح مخبر لايبزيغ. وتتحدث أدبيات علم النفس عن أن دور الإحساس العضلي في إدراك المكان هو الموضوع الأول الذي حظي باهتمام ستانلي هول أثناء وجوده في ألمانيا. ولكنه سرعان ما تخلى عنه بعيد عودته إلى بلاده ليلتفت إلى قضايا التربية. وهنالك قام بنشاطات مكثفة تمثلت في إلقاء محاضرات على المربين والمعلمين وإجراء بحوث ميدانية. وكان هدفه من ذلك إثراء التصورات السائدة حول خصائص الطفولة وأساليب رعايتها. وعلى الرغم من أنه أسس أول مخبر لعلم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية* فإنه لم يكن يخفي تذمره من ضعف فاعلية التجريب وقصوره ودعوته إلى ضرورة استبدال الاستبيان به.
فالاستبيان حسب رأيه، يختصر الوقت والجهد، ويمد الباحث بوافر المعلومات المتعلقة بتصورات التلاميذ ومشاعرهم ومواقفهم تجاه مختلف القضايا الأخلاقية والدينية والاجتماعية. ولهذا تولى هول وضع العديد من الاستبيانات وضمنها أسئلة تتناول الكثير من الظواهر والوقائع الاجتماعية التي ينبغي على المفحوص(التلميذ في معظم الحالات) أن يحدد رأيه فيها، أو يعبر عن مشاعره نحوها. وبفضل هذه الطريقة استطاع أن يحصل على آلاف الإجابات وأن يخضعها إلى المعالجة الإحصائية ويستخلص النتائج ويضع تصوراً شاملاً عن الخصائص النفسية لمختلف مراحل الطفولة.
نشر هول بحوثه وما توصل إليه من نتائج وتصورات في عدة مؤلفات، كان أشهرها كتابه عن "المراهقة". وفي هذا الكتاب يرى أن حياة الطفل ككائن بشري تشتمل على جوانب كثيرة. ولفهم هذه الجوانب ينصح بضرورة تضافر جهود جميع المهتمين بالطفل: عالم النفس والطبيب والمربي وعالم الاجتماع... الخ. ومن هنا جاءت دعوته إلى إقامة علمٍ خاص يهتم بكافة قضايا الطفولة أطلق عليه اسم "اليبدالوجيا" أي علم الطفل.
ولئن تحولت اهتمامات هول في بداية نشاطه العلمي من دائرة علم النفس إلى دائرة التربية- كما أشرنا منذ قليل- فإن المراحل اللاحقة من ذلك النشاط عرفت عدداً من التحولات. مما اعتبره المؤرخون مؤشراً على أن الرجل كان كثير التنقل من ميدان إلى آخر، سريع التأثر بما يستجد على ساحة العلم الرحبة. فلا عجب أن يبدي حماساً شديداً نحو التحليل النفسي منذ السنوات الأولى ويدعو مؤسسه فرويد لزيارة جامعة كلارك، ثم يعجب بغالتون واختباراته ويستخدمها في بحوثه، ويتبنى في وقت لاحق التعاليم البافلوفية بعد أن ذاع صيتها في الأوساط العلمية. ويعكف في السنوات الأخيرة من حياته على دراسة الدين وينشر كتاباً في هذا الميدان عام 1917 بعنوان "المسيح في ضوء علم النفس" وينهي مشواره العلمي بدراسة الخصائص النفسية للشيخوخة التي توجت بصدور كتابه الأخير "التدهور في الشيخوخة" عام 1922.
إن هذه الملحوظة لا تحمل معنى سلبياً بقدر ما تتضمن أبعاداً إيجابية. فقد أردنا من خلالها لفت الانتباه إلى طموح ستانلي هول ودأبه لتطوير العلم الناشئ وتوسيع دائرة موضوعاته. وهو الذي كرس من وقته وجهده الكثير من أجل البحث والتأليف والتنظيم. فزيادة على أعماله ومؤلفاته التي أوردنا أهمها بادر إلى إصدار "المجلة الأمريكية لعلم النفس" عام 1887، ومجلة "المدرسة التربوية" عام 1891، وأسهم في تأسيس "الرابطة الأمريكية لعلماء النفس" عام 1892 التي أصبح أول رئيس لها.
وما دام الحديث يدور حول نظريات التطور وأثرها في علم النفس، يتوجب علينا أن نشير إلى انعكاساتها أيضاً في موقف العالم الألماني كارل غروس(1861-1946م) إزاء نشاط اللعب. ففي كتابيه "اللعب عند الحيوانات"
(1896) و"اللعب عند الإنسان"(1899) تتردد بصورة محسوسة أصداء التعاليم الداروينية. حيث يجد أن اللعب عند الأطفال الآدميين وصغار الحيوانات يقوم بدور هام على صعيد تقوية العضوية وتعزيز قدراتها على الصمود أمام متغيرات المحيط الخارجي ومستجداته. إنه في رأيه، مدرسة لإعداد العضوية للمستقبل. فالحيوانات، حين تلعب، فإنها تكتسب المهارات اللازمة لبقائها واستمرارها. والطفل، عندما يقوم بدور السائق أو الطبيب في إطار اللعب، فإنه يعد نفسه لأداء هذه الوظائف في المستقبل.
والشيء ذاته ينطبق على البنت الصغيرة التي تهدهد دميتها كي تنام. فهي، إذ تفعل ذلك، إنما تحضر نفسها لمواجهة المهام التي ستوكل إليها في مقبلات الأيام.
إننا لا نسوق هذه الأمثلة من أجل اقتفاء أثر قوانين التطور(الاصطفاء الطبيعي خاصة) في نظرية غروس فحسب، وإنما لكي نشير من خلالها إلى اتجاه هذا الأثر في فكر هذا العالم وتبيان الفرق بينه وبين الاتجاه الذي اتخذه في النظرية التلخيصية أيضاً. فبينما يسحب أنصار هذه النظرية تلك القوانين على تطور الطفل، ويتجهون بخصائص هذا التطور ومستوياته وأطواره إلى الماضي، يجد غروس أن هذه القوانين تمثل الدور الفعال الذي تلعبه النشاطات المختلفة التي يمارسها الطفل في تكيفه اللاحق مع المحيط. ولعل بمقدورنا أن ندرك سبب هذا الاختلاف بالرجوع إلى مصدر التأثير ذاته، أي إلى النظرية التطورية التي استمد كل من الطرفين رأيه منها.
لقد قلنا أن غروس صاغ آراءه في ضوء تعاليم النظرية الداروينية. بينما بنى التلخيصيون، ومن بينهم هول، تصوراتهم على أساس نظرية سبنسر ونظرية جان باتست لامارك(1744-1829م). وتدّعي هاتان النظريتان أن الخبرات والمهارات تنتقل من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق بالوراثة. ولكن الحقائق التي كشف عنها علماء الوراثة تدحض هذا الادعاء. فالكثير من هؤلاء العلماء" يرفضون الرأي القائل بأن الخصائص المكتسبة يمكن أن تورث
-على الأقل- بالشكل الذي قد يجعل نظرية هول التلخيصية مقبولة"(ميلر،
1987، 15).
وبصرف النظر عن تقدم نظرية غروس على النظرية التلخيصية، فإنها قصرت أهمية اللعب على الجانب العضوي، وأغفلت مضمونه وبعده الاجتماعيين عند الطفل البشري.
ومن بين العلماء الذين تأثروا بنظريات التطور عالم النفس السويسري إدوارد كلا باريد(1873- 1940م). فقد حاول هذا العالم تطبيق القوانين العامة لنشوء الأحياء وارتقائها في ميدان علم النفس التربوي. ونظر إليها بوصفها دليلاً على وجود نظام عام يتحكم بتطور الوعي الفردي والاجتماعي على حد سواء. وقد جعلت منه نظرته هذه أبرز ممثلي الاتجاه الوظيفي في أوربة وأحد المتحمسين لآراء ديوي التربوية، وحملته إلى نقد النظام التربوي القائم والسعي إلى استبدال نظام جديد به يقوم على الفهم الحقيقي لخصائص الطفولة، ويتمكن من تمثل معطيات العلم الجديد. ولتطبيق أفكاره في الواقع العملي أنشأ معهد "جان جاك روسو" للتربية في جنيف.
ومن نافلة القول أن ظهور هذه الدراسات كان استجابة للمتطلبات التي أفرزها التطور الاجتماعي، ومحاولة لإيجاد حلول للمشكلات التربوية التي بدأت تطرح بحدة على الأولياء والمعلمين. وما من أحد يستطيع أن يقلل من شأنها في تحديد موضوعات علم النفس النمائي والتربوي بصورة خاصة، ودورها الإيجابي في انتهاج طرائق عملية لبحثها ومعالجتها. وإذا كنا بصدد إبراز القيمة التاريخية والعلمية لجهود العلماء في ميدان علم النفس التربوي والنمائي، فإنه من الواجب أن نذكّر بالأعمال التي قام بها عشرات العلماء، أمثال إ. ميمان في ألمانيا وأ. نيجايف في روسيا وت. ريبو في فرنسا ود. ميد في الولايات المتحدة الأمريكية.
بوح الروح
ولقد كان مستوى الحياة الثقافية والاقتصادية الذي وصلت إليه أوربة في نهاية القرن الثامن عشر بمثابة الأرض الخصبة التي أنبتت هذه الأفكار، ودفعت بالمهتمين إلى رعايتها وتنميتها. ويمكن اعتبار محاولة تيديمان علامة بارزة للمساعي الدؤوبة والطويلة لاستكشاف الطرائق العلمية المؤدية إلى جمع المادة الخام لتلك "القواعد السيكولوجية". فقد أخضع أحد الأطفال منذ ولادته إلى ملاحظة يومية حتى السنة الثالثة. وكان يسجل كافة نتائج مشاهداته حول كافة التغيرات التي تطرأ على القدرات الحسية والحركية والوجدانية واللغوية لذلك الطفل وبصورة دورية ومنتظمة. وبذلك تمكن من تحديد تواريخ نشوء تلك القدرات. إذ وجد أن الانفعالات الأولى تظهر في نهاية الشهر الثاني من حياة الطفل، وأن الشهر السابع يشهد بداية محاولاته لنطق بعض الحروف. في حين يبدأ المجال الحسي والحركي عنده بالتطور منذ الأسابيع الأولى التي تعقب ولادته.
ويعد عمل تيديمان تدشيناً لمرحلة جديدة من مراحل الاهتمام بالسلوك البشري. فقد صدرت بعده عشرات "اليوميات" و"المذكرات" التي تتضمن ملاحظات إضافية ومسهبة لآباء- مربين أو سيكولوجيين- حول سلوك أبنائهم وتحولاته خلال السنوات الأولى من الحياة. ففي منتصف القرن التاسع عشر وضع أ. كوسماول مخططاً لنمو النفس عند طفل مرحلة ما قبل المدرسة. وقدم عبر هذا المخطط وصفاً تفصيلياً عن تعاظم إمكانيات الطفل وقدراته على أساس زيادة الارتباطات وتعقدها. ومن المنطلق ذاته درس إ. تين نمو الكلام عند الأطفال وقارنه مع تطور اللغة عبر التاريخ. وقد نشرت هذه الدراسة عام 1876. وبعد عام واحد نشر داروين مقالاً مطولاً تحت عنوان "موجز تاريخ حياة طفل"، لخص فيه ملاحظاته حول سلوك أحد أبنائه، والتي قام بها في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات. على أن العمل الأهم في هذا المجال هو الكتاب الذي نشره عالم الفيزيولوجيا وليم براير(1841- 1897م)، أحد أصدقاء فوندت، عام 1881 تحت عنوان "عقل الطفل". وفيه يعرض الوقائع التي توصل إليها أثناء دراسته لتصرفات طفله وأفعاله في الصباح وفي منتصف النهار وفي المساء عرضاً مفصلاً ومتسلسلاً. ولم تقتصر ملاحظات براير على نمو حساسية الطفل وبعض مظاهر نموه الانفعالي منذ الدقائق الخمس الأولى على ولادته حتى نهاية السنة الأولى، وإنما حاول أن يفسر ذلك كله بالوراثة والبيئة ويبين أثر كل منهما في السلوك.
لقد حقق عمل براير نجاحاً كبيراً ولاقى استحساناً واسعاً من لدن المربين والمهتمين بالطفولة ودفعهم إلى المزيد من التدقيق والتمحيص في سلوك الطفل وتطوره. فلم تمض سنوات قليلة على صدور كتابه حتى وضع عالم الأعصاب الروسي الشاب ف. بختيرف قائمة بالاستجابات الانفعالية التي ظهرت عند ولده "بيتا" خلال الأشهر الستة الأولى من حياته. ومن ثم قام مواطناه سيكورسكي ولانج بأعمال مشابهة. حيث ألقى لانج محاضرتين حول سلوك الطفل على طلاب جامعة نوفوروسيا "روسيا الجديدة" ونشرهما عام 1891. وكانت مادة المحاضرتين عبارة عن عرض لنتائج ملاحظاته ومقارنتها بملاحظات براير.
وبعد صدور "عقل الطفل" بحوالي عقد من الزمن كان بينيه يتتبع نمو العمليات العقلية لدى ابنتيه ويسجل مشاهداته ويطلع جمهور القراء عليها من خلال كتابه "أفكار جديدة عن الأطفال". وفي عام 1893 أصدر شين مذكراته "حول نمو الطفل". كما نشر سولي "دراسات في الطفولة" عام 1896.
ومع إطلالة القرن العشرين عرف هذا النوع من دراسة خصائص الطفولة تطوراً أفقياً وعمودياً ملحوظاً. ففي فترة لا تتعدى العقدين ظهرت عشرات الدراسات واليوميات، من مثل يوميات أ. ستانجينسكايا وأ. ليفانيفسكي وشتيرن. ويعتبر كتاب وليم شتيرن "سيكولوجية الطفولة المبكرة"(1914) تطويراً وتعميقاً للإطار الذي عمل من خلاله السابقون. فلم يقتصر موضوعه على طفل واحد ولسنوات قليلة فقط، وإنما شمل أطفال مؤلفه الثلاثة وتعقبهم منذ ولادتهم حتى السنة الخامسة والسادسة. وعبر صفحاته تتجلى دقة الملاحظة عند شتيرن والجهد الذي بذله وتحملت زوجته شطراً منه. وقد كان هذا العمل فرصة مكنت المهتمين من الاطلاع على الأطوار التي تمر بها الإحساسات والمدارك والتذكر والتفكير والكلام والإرادة عند الأطفال والنشاطات التي يمارسونها في مرحلة الطفولة المبكرة كاللعب والبناء والرسم. ومما زاد في قيمته هو أن شتيرن لم يكتف بسرد الوقائع التي شاهدها، بل قام بتعميمها وتوظيفها في خدمة نظريته في النمو النفسي التي عرفت باسم النظرية التوفيقية. ويعود سبب هذه التسمية إلى النهج الذي اختطه شتيرن وسار عليه أتباعه للتوفيق بين الوراثة والبيئة كمحددين مسؤولين عن التطور النفسي عند الفرد.
ولم يكن الخط الذي رسمته دراسة سلوك الأطفال عن طريق الملاحظة الموضوعية وتسجيل المعطيات والمعلومات التي تسفر عنها هو الخط الوحيد. وإنما كان هناك خط ثان موازٍ له وطرائق أخرى غير الملاحظة تكملها وتغني تصورات المهتمين بمظاهر السلوك الإنساني، وتعمق أفكارهم وتدفعهم إلى نبذ الكثير من المعتقدات والآراء القديمة. وفي هذا الصدد يجدر التنويه بالآثار الإيجابية العميقة لأعمال بينيه ودورها في توفير إمكانية التعرف على مستوى القدرات العقلية عند الأطفال بوسائل وأدوات ومقاييس موضوعية. فقد أضحى التجريب منذ ظهور تلك الأعمال الطريقة التي استأثرت باهتمام الباحثين. فسعوا بتأمين مستلزماتها وشروطها بغية الوصول إلى نتائج موضوعية ودقيقة لدى دراستهم للظواهر النفسية عند الطفل، كالإدراك والتذكر والانتباه... الخ، وكذا تطور أوجه النشاط التي يمارسها في المدرسة والمنزل والروضة... الخ. وفي تلك الفترة يمكن للمرء أن يلاحظ الزيادة الكبيرة في عدد الدراسات التي تناولت هذه الموضوعات والارتقاء في مستواها، الأمر الذي نجم عنه تعاظم حجم الحقائق بصورة محسوسة، وولادة أفكار جديدة حول نمو الطفل وعوامله وأسبابه وشروطه. وسرعان ما تبلورت هذه الأفكار وتحولت إلى اتجاه ضاغط بدأ بالظهور في المؤتمر الدولي الرابع لعلماء النفس الذي عقد في باريز عام 1900.
إن القاسم المشترك بين ممثلي هذا الاتجاه يكمن في تأثرهم بالنظريات التطورية التي انتشرت-كما هو معلوم- خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومحاولاتهم تطبيق قوانينها ومفاهيمها على سلوك الإنسان والحيوان. ولقد تجلى ذلك على نحو بارز فيما عرف في علم النفس بالنظرية التلخيصية Recapitulatisme التي أرسى قواعدها إ. هيكّيل.
ووفقاً لهذه النظرية فإن حياة الإنسان منذ لحظة تكونه إلى أن يصير راشداً ليست سوى إعادة سريعة ومختصرة لحقب نشأة الحيوانات وارتقائها واختزالاً لمراحل التاريخ البشري. وقد زعم أصحابها أن ما توصل إليه علم الأجنة من تغيرات تطرأ على بنية الجنين يوماً بعد يوم لهو دليل واضح على صدقها وصحتها. ومما كشف عنه هذا العلم، مثلاً، وجود فجوات في القسم العلوي من الجنين في الشهر الرابع من حياته تشبه، في رأيهم، الغلاصم عند الأسماك، وتشكل أغشية بين أصابع يديه وقدميه في الشهر السادس تماثل، في تصورهم، الأغشية التي نجدها عند الحيوانات البرمائية، وظهور زائدة ذيلية تذكرهم بالذيل عند الثدييات بعد بضعة أسابيع. وعندما يتحدث التلخيصيون عن هذه المعطيات، فإنهم يعتبرونها براهين قاطعة على صحة قانون التكرار الذي يعني بالنسبة لهذه المرحلة أن الجنين يعيد خلال تسعة أشهر جميع مراحل تطور الأنواع الحيوانية.
أما التغيرات التي تطرأ على عضوية الطفل وسلوكه عبر سنوات الطفولة الأولى، فكانوا ينظرون إليها باعتبارها إعادة مكثفة للمراحل التي قطعتها البشرية في تطورها عبر آلاف السنين.
ويأتي عالم النفس والمربي الأمريكي ج. ستانلي هول(1846- 1924م) في طليعة أنصار النظرية التلخيصية، فقد أبدى إعجابه بها وتبنى مبادئها وأفكارها في وقت مبكر من حياته العلمية. وانصرف إلى جمع المعطيات والوقائع التي تسهم في تطورها وانتشارها.
كان ستانلي هول مدرساً متخصصاً، تتلمذ على يد الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليم جيمس. وعمل من قبل تحت إشراف فوندت، حيث حضر عام افتتاح مخبر لايبزيغ. وتتحدث أدبيات علم النفس عن أن دور الإحساس العضلي في إدراك المكان هو الموضوع الأول الذي حظي باهتمام ستانلي هول أثناء وجوده في ألمانيا. ولكنه سرعان ما تخلى عنه بعيد عودته إلى بلاده ليلتفت إلى قضايا التربية. وهنالك قام بنشاطات مكثفة تمثلت في إلقاء محاضرات على المربين والمعلمين وإجراء بحوث ميدانية. وكان هدفه من ذلك إثراء التصورات السائدة حول خصائص الطفولة وأساليب رعايتها. وعلى الرغم من أنه أسس أول مخبر لعلم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية* فإنه لم يكن يخفي تذمره من ضعف فاعلية التجريب وقصوره ودعوته إلى ضرورة استبدال الاستبيان به.
فالاستبيان حسب رأيه، يختصر الوقت والجهد، ويمد الباحث بوافر المعلومات المتعلقة بتصورات التلاميذ ومشاعرهم ومواقفهم تجاه مختلف القضايا الأخلاقية والدينية والاجتماعية. ولهذا تولى هول وضع العديد من الاستبيانات وضمنها أسئلة تتناول الكثير من الظواهر والوقائع الاجتماعية التي ينبغي على المفحوص(التلميذ في معظم الحالات) أن يحدد رأيه فيها، أو يعبر عن مشاعره نحوها. وبفضل هذه الطريقة استطاع أن يحصل على آلاف الإجابات وأن يخضعها إلى المعالجة الإحصائية ويستخلص النتائج ويضع تصوراً شاملاً عن الخصائص النفسية لمختلف مراحل الطفولة.
نشر هول بحوثه وما توصل إليه من نتائج وتصورات في عدة مؤلفات، كان أشهرها كتابه عن "المراهقة". وفي هذا الكتاب يرى أن حياة الطفل ككائن بشري تشتمل على جوانب كثيرة. ولفهم هذه الجوانب ينصح بضرورة تضافر جهود جميع المهتمين بالطفل: عالم النفس والطبيب والمربي وعالم الاجتماع... الخ. ومن هنا جاءت دعوته إلى إقامة علمٍ خاص يهتم بكافة قضايا الطفولة أطلق عليه اسم "اليبدالوجيا" أي علم الطفل.
ولئن تحولت اهتمامات هول في بداية نشاطه العلمي من دائرة علم النفس إلى دائرة التربية- كما أشرنا منذ قليل- فإن المراحل اللاحقة من ذلك النشاط عرفت عدداً من التحولات. مما اعتبره المؤرخون مؤشراً على أن الرجل كان كثير التنقل من ميدان إلى آخر، سريع التأثر بما يستجد على ساحة العلم الرحبة. فلا عجب أن يبدي حماساً شديداً نحو التحليل النفسي منذ السنوات الأولى ويدعو مؤسسه فرويد لزيارة جامعة كلارك، ثم يعجب بغالتون واختباراته ويستخدمها في بحوثه، ويتبنى في وقت لاحق التعاليم البافلوفية بعد أن ذاع صيتها في الأوساط العلمية. ويعكف في السنوات الأخيرة من حياته على دراسة الدين وينشر كتاباً في هذا الميدان عام 1917 بعنوان "المسيح في ضوء علم النفس" وينهي مشواره العلمي بدراسة الخصائص النفسية للشيخوخة التي توجت بصدور كتابه الأخير "التدهور في الشيخوخة" عام 1922.
إن هذه الملحوظة لا تحمل معنى سلبياً بقدر ما تتضمن أبعاداً إيجابية. فقد أردنا من خلالها لفت الانتباه إلى طموح ستانلي هول ودأبه لتطوير العلم الناشئ وتوسيع دائرة موضوعاته. وهو الذي كرس من وقته وجهده الكثير من أجل البحث والتأليف والتنظيم. فزيادة على أعماله ومؤلفاته التي أوردنا أهمها بادر إلى إصدار "المجلة الأمريكية لعلم النفس" عام 1887، ومجلة "المدرسة التربوية" عام 1891، وأسهم في تأسيس "الرابطة الأمريكية لعلماء النفس" عام 1892 التي أصبح أول رئيس لها.
وما دام الحديث يدور حول نظريات التطور وأثرها في علم النفس، يتوجب علينا أن نشير إلى انعكاساتها أيضاً في موقف العالم الألماني كارل غروس(1861-1946م) إزاء نشاط اللعب. ففي كتابيه "اللعب عند الحيوانات"
(1896) و"اللعب عند الإنسان"(1899) تتردد بصورة محسوسة أصداء التعاليم الداروينية. حيث يجد أن اللعب عند الأطفال الآدميين وصغار الحيوانات يقوم بدور هام على صعيد تقوية العضوية وتعزيز قدراتها على الصمود أمام متغيرات المحيط الخارجي ومستجداته. إنه في رأيه، مدرسة لإعداد العضوية للمستقبل. فالحيوانات، حين تلعب، فإنها تكتسب المهارات اللازمة لبقائها واستمرارها. والطفل، عندما يقوم بدور السائق أو الطبيب في إطار اللعب، فإنه يعد نفسه لأداء هذه الوظائف في المستقبل.
والشيء ذاته ينطبق على البنت الصغيرة التي تهدهد دميتها كي تنام. فهي، إذ تفعل ذلك، إنما تحضر نفسها لمواجهة المهام التي ستوكل إليها في مقبلات الأيام.
إننا لا نسوق هذه الأمثلة من أجل اقتفاء أثر قوانين التطور(الاصطفاء الطبيعي خاصة) في نظرية غروس فحسب، وإنما لكي نشير من خلالها إلى اتجاه هذا الأثر في فكر هذا العالم وتبيان الفرق بينه وبين الاتجاه الذي اتخذه في النظرية التلخيصية أيضاً. فبينما يسحب أنصار هذه النظرية تلك القوانين على تطور الطفل، ويتجهون بخصائص هذا التطور ومستوياته وأطواره إلى الماضي، يجد غروس أن هذه القوانين تمثل الدور الفعال الذي تلعبه النشاطات المختلفة التي يمارسها الطفل في تكيفه اللاحق مع المحيط. ولعل بمقدورنا أن ندرك سبب هذا الاختلاف بالرجوع إلى مصدر التأثير ذاته، أي إلى النظرية التطورية التي استمد كل من الطرفين رأيه منها.
لقد قلنا أن غروس صاغ آراءه في ضوء تعاليم النظرية الداروينية. بينما بنى التلخيصيون، ومن بينهم هول، تصوراتهم على أساس نظرية سبنسر ونظرية جان باتست لامارك(1744-1829م). وتدّعي هاتان النظريتان أن الخبرات والمهارات تنتقل من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق بالوراثة. ولكن الحقائق التي كشف عنها علماء الوراثة تدحض هذا الادعاء. فالكثير من هؤلاء العلماء" يرفضون الرأي القائل بأن الخصائص المكتسبة يمكن أن تورث
-على الأقل- بالشكل الذي قد يجعل نظرية هول التلخيصية مقبولة"(ميلر،
1987، 15).
وبصرف النظر عن تقدم نظرية غروس على النظرية التلخيصية، فإنها قصرت أهمية اللعب على الجانب العضوي، وأغفلت مضمونه وبعده الاجتماعيين عند الطفل البشري.
ومن بين العلماء الذين تأثروا بنظريات التطور عالم النفس السويسري إدوارد كلا باريد(1873- 1940م). فقد حاول هذا العالم تطبيق القوانين العامة لنشوء الأحياء وارتقائها في ميدان علم النفس التربوي. ونظر إليها بوصفها دليلاً على وجود نظام عام يتحكم بتطور الوعي الفردي والاجتماعي على حد سواء. وقد جعلت منه نظرته هذه أبرز ممثلي الاتجاه الوظيفي في أوربة وأحد المتحمسين لآراء ديوي التربوية، وحملته إلى نقد النظام التربوي القائم والسعي إلى استبدال نظام جديد به يقوم على الفهم الحقيقي لخصائص الطفولة، ويتمكن من تمثل معطيات العلم الجديد. ولتطبيق أفكاره في الواقع العملي أنشأ معهد "جان جاك روسو" للتربية في جنيف.
ومن نافلة القول أن ظهور هذه الدراسات كان استجابة للمتطلبات التي أفرزها التطور الاجتماعي، ومحاولة لإيجاد حلول للمشكلات التربوية التي بدأت تطرح بحدة على الأولياء والمعلمين. وما من أحد يستطيع أن يقلل من شأنها في تحديد موضوعات علم النفس النمائي والتربوي بصورة خاصة، ودورها الإيجابي في انتهاج طرائق عملية لبحثها ومعالجتها. وإذا كنا بصدد إبراز القيمة التاريخية والعلمية لجهود العلماء في ميدان علم النفس التربوي والنمائي، فإنه من الواجب أن نذكّر بالأعمال التي قام بها عشرات العلماء، أمثال إ. ميمان في ألمانيا وأ. نيجايف في روسيا وت. ريبو في فرنسا ود. ميد في الولايات المتحدة الأمريكية.
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح