وهي محاولة أخرى للتقريب بين مبدأ المنبه ـ الاستجابة السلوكي ومبدأ الكلية الغشتالتي ومبدأ دينامية الدوافع الفرويدي. وأول ما يوحي به اسم هذه النظرية هو صلتها الوثيقة بالمنطق. ومرد ذلك إلى أن كلارك ليونارد هال C.L.HULL(1884-1952م)، صاحب هذه النظرية كان مولعاً بالرياضيات، ومقتنعاً بفوائد تطبيقاتها في العلوم الإنسانية بعد أن لمس الفوائد التي جنتها الهندسة وعلوم الطبيعة من جراء اعتمادها عليها. وقد لاحت له فرصة إقامة نظرية وفق النموذج الرياضي وإكسابها طابع الدقة والموضوعية بعد أن تحول اهتمامه نحو مشكلات تكيف الإنسان. فبدأ شروعه بوضع مسلمات عن السلوك واشتقاق فرضيات على أساسها لينتقل بعدها إلى اختبار تلك الفرضيات. فإذا أثبتت التجربة صحتها اعتبرت المسلمات صحيحة والنظرية سليمة.
درس هال الهندسة قبل أن يتحول إلى علم النفس.ولم تمض فترة قصيرة على التحاقه بالميدان الجديد حتى أصبح واحداً من أشهر الباحثين في معهد دراسة العلاقات الإنسانية التابع لجامعة ييل YULE INSTITUT OF HUMAN RELATION. ولقد استهل نشاطه العلمي بدراسة التفكير. ثم اتسعت دائرة اهتمامه لتشمل القدرات والمواهب التي خصّها بكتاب "اختبار القدرات" الذي نشره عام 1928. بيد أنه تحول فيما بعد إلى دراسة التنويم المغناطيسي وأصدر عام 1933 كتاباً بعنوان "التنويم المغناطيسي والقابلية للإيحاء". وقد لاقى هذا المؤلف رواجاً كبيراً وشهرة واسعة باعتباره محاولة جدية لدراسة التنويم المغناطيسي من وجهة النظر الموضوعية. ثم درس موضوع التذكر والتعلم ووضع كتاباً تحت عنوان "النظرية الرياضية ـ الاستنتاجية والتعلّم الآلي"(1940). ولم يمنعه ضعف بصره من أن يعطي لموضوعات بحوثه ولمعاونيه وتلاميذه جل وقته وجهده. واستطاع أن يجمع حوله عدداً من الباحثين الشباب ويؤسس معهم وحدة بحث ضمت كلاً من كينيث سبينس K.SPENCE.(1907-1967م). ونيل ميللر N.MILLER
(1909-؟). وجون دولارد J.DOLLARD(1900-؟). وو.مورر MOWRER(1907-؟). ولقد حدد هال مهمة وحدة البحث هذه في دراسة الظواهر التي رأى أنها تتجاوز الحدود التي رسمها واتسون وتشمل بعض النقاط المدرجة في برنامج الغشتالتية والتحليل النفسي. وفي إطار إنجاز هذه الخطة دعا كوفكا لزيارة جامعة ييل وإلقاء مجموعة من المحاضرات على أساتذتها وطلبتها. كما قام بعض أعضاء الجماعة بدراسة تجريبية لبعض المسائل التي طرحها فرويد.
ولعل الدراسات الأولى التي خصصها هال لبناء نظريته الافتراضية ـ الاستنتاجية ترجع إلى الثلاثينيات. وقد ظهر الشكل الأول لهذه النظرية في كتابه "مبادئ السلوك PRINCIPLES OF BEHAVIOR" الذي نشر عام 1943. وظهر الشكل الأخير لها عام 1952 من خلال كتابه "منظومة السلوك BEHAVIOR SYSTEM". ويعتبر هذا الشكل نسخة مفصلة ومكبرة عن الشكل الأول. حيث أدخل هال عبر السنوات التي تلت صدور الكتاب الأول بعض التعديلات على مبادئ السلوك وضمنها في كتابه "الملامح الرئيسية للسلوك" الصادر عام 1951. وبعد مراجعة أخرى لتلك المبادئ قرر أن يزيد من عدد المسلمات والفرضيات المتصلة بها لتكون جميعاً منظومة السلوك، ووعد بنشر كتاب آخر يقدم فيه مشتقات السلوك الاجتماعي،غير أنه لم يتمكن من إنجازه. فقد توفي بعد صدور كتابه "منظومة السلوك"، بأربعة أشهر.
انطلق هال في صياغته نظريته من مبدأ الانعكاس الشرطي الذي يعتبر حجر الزاوية في الأعمال البافلوفية التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية وكان لصدورها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1927 دور واضح في تطوير السلوكية. إذ مكن أنصارها من الاطلاع على قوانين النشاط العصبي العالي وتقنيات دراسته، الشيء الذي نلمسه في أعمال هال وسكنر بصورة خاصة، فقد وقف الرجلان على أوجه الاختلاف بين نظرية بافلوف ونظرية ثورندايك. ولكنهما اختلفا في تقييمهما لهما. وبدا هذا الاختلاف جلياً، عندما تابع سكنر نهج ثورندايك الذي يتعارض مع النهج البافلوفي. بينما سار هال في الاتجاه الآخر مؤكداً على إنجاز المهمة الرئيسية المتمثلة في وضع القوانين العامة التي تجعله قادراً على استنتاج مختلف التجليات السلوكية كحالات خاصة. وفي سبيل ذلك اقترح هال ضبط مبادئ وضعية بريجمان ومتغيرات تولمان حسب المنهج الافتراضي الاستنتاجي الذي يستخدم في العلوم الدقيقة.والمقصود بهذا الاقتراح هو الأخذ بالمخطط الرياضي في معالجة السلوك وما يتطلبه من وضع شبكة من المسلمات والفرضيات التي تنطبق على كافة الأفعال. وتتحدد صلاحية تلك المسلمات والفرضيات ودقتها من خلال تجارب تخصص لدراسة جوانب السلوك. وينبغي إعادة النظر في صياغتها إذا لم تثبت نتائج العمل التجريبي صحتها تماماً. وفي هذا الشأن يقول هال: "يجب أن يكون التقدم في إدراج مئات المعادلات الواحدة تلو الواحدة، وتحديد الثوابت الخبرية التي تحتويها المعادلات الواحد تلو الآخر بصورة تجريبية، وفي إيجاد وحدات تنطق بها هذه المعادلات، وتستخدم عملياً للقياس الكمي... وفي الاستنتاج المحكم لآلاف المسلمات والمشتقات الواحدة تلو الأخرى من التحديدات والمعادلات الأولية، وفي الإجراء الدقيق لآلاف التجارب الكمية النقدية".(HULL. 1952,401).
لقد اعتقد هال أن سيادة المنهج الاستقرائي هو السبب في تباين الآراء واختلاف النظريات في علم النفس. ولذا فإن الخروج من المأزق، والتوفيق بين آراء علماء النفس ونظرياتهم، وحل الخلافات والصراعات بينهم، يتحقق عن طريق الأخذ بالمنهج الافتراضي ـ الاستنتاجي. وحين شرع هال ومساعدوه باختبار أفكاره على أرضية المعطيات التجريبية أدرك القيمة الإيجابية للمنعكسات الشرطية وأفضليتها بالمقارنة مع الدراسات الارتباطية التي أجراها علماء النفس الأولون كابنغهاوس وموللر وغيرهما. ويرجع هذا التفضيل إلى البعد الذي يمثله النموذجان وقاعدة انطلاق كل منهما. فالدراسات الارتباطية تجسد حالة مجردة للواقعة النفسية(التذكر) وتقوم على الحتمية الآلية. بينا تمثل تعاليم بافلوف حالة مشخصة لعلاقة المنبة والاستجابة وتكون السلوك في المجرى الطبيعي لحياة الكائن الحي من منطلق الحتمية العضوية. وبما أن مهمة علم النفس، كما تبدو لهال، هي التعرف على آليات اكتساب المهارات التي تضفي على سلوك الإنسان والحيوان طابعاً غائياً وتمكنهما من التكيف مع المواقف الجديدة، فإن قوانين النشاط العصبي العالي التي استخلصها بافلوف تستجيب لشروط هذه المهمة ومتطلباتها. ذلك لأن نظرية بافلوف تتناول السلوك من منظور ارتقائي، وتعتبره نتاجاً للنشاط الذي يمارسه الفرد أثناء علاقته بالعالم الخارجي، خلافاً للدراسات الارتباطية الأخرى التي تجرده عن كل بعد تكيفي وغائي.
من هنا يصبح من الواضح أن اتفاق هال مع واتسون حول اعتبار المنبه والاستجابة موضوع علم النفس لم يكن اتفاقاً كلياً ونهائياً. حيث وجد هال أن السلوك يبدأ بالتنبيه الخارجي أو بحالة العضوية وينتهي بالاستجابة. ولكنه أضاف إلى ذلك وجود متغيرات تتداخل قبل حدوث الاستجابة. وباستخدام التحليل الرياضي والمنطقي يحاول استنباط الصلات القائمة بين تلك الحدود. وهذا ما جعله يقترب من المخطط الذي اقترحه ودورث عام 1929. والذي يتألف من المنبه والعضوية والاستجابة. ويتناسب مخطط هال مع النظرة التطورية البيولوجية التي ما انفك يجمع الحجج للتدليل على علميتها وموضوعيتها. فمن خلالها يعرف الكائنات الحية بأنها تتمتع بتنظيم آلي، ويتبدى سلوكها ضمن شروط محددة وفقاً لقوانين وقواعد ثابتة. وحينما تتغير هذه الشروط أو تنحرف عن وضعها المألوف، يقوم الكائن الحي(الآلة) بأفعال قصد إعادة توازنه وتحقيق تكيفه مع المحيط. ويرى هال أن الجهاز العضلي والغدد يؤلفان مصدر الفاعلية التكيفية.
وتختلف هذه الفاعلية من حيث تنوعها وتعقيدها باختلاف البنيات العضوية للأحياء. فكلما كان الكائن الحي راقياً، صدرت عنه أفعال أكثر تعدداً وتنوعاً وتعقيداً. وفي هذه العلاقة بالتحديد يتجسد موقف هال من طبيعة الفعل التكيفي. فالمسألة، عنده، تقترن بأمرين اثنين في آن معاً. يتمثل أولهما بدرجة اختلال التوازن أو حاجة العضوية، وثانيهما بالمواصفات الخارجية والداخلية للمحيط. وعليه فإن الفعل التكيفي يستلزم تغيراً ما في حالة العضوية وتأثير البيئة الخارجية كشرط لابد منه لحدوث استجابة الأعضاء المختصة. وتعتبر الحواس التي تحوّل المثيرات الخارجية(S) إلى اندفاعات عصبية(s ) الحلقة الأولى في العلاقة الوظيفية للأعضاء المستجيبة بحاجات العضوية والبيئة. ويتجه معظم هذه الاندفاعات صوب الدماغ الذي يرسل الاندفاعات الناقلة(r) إلى المستجيبات كيما تقوم بالاستجابة(R) ومن هذه العلاقة يستخلص هال قانونين رئيسيين:
القانون الأول: لا تتوقف فعالية الاندفاعات الانفعالية(s) مع نهاية تأثير المنبه(S) على عضو الإحساس، بل إنها تستمر لبضع ثوان، أو حتى بضع دقائق في حالات معينة تعرف وتيرة الاندفاع أثناءها انخفاضاً تدريجياً، ويكتسي بقاء أثر المنبه أهمية بيولوجية استثنائية؛ إذ أنه يضمن ارتباط العضو المختص بالظواهر المحيطة التي لا تنشأ فوراً في تلك اللحظة وحسب، بل وبالظواهر التي نشأت في الماضي القريب أيضاً. وهنا يتحقق تكامل محدود ومؤقت. ولقد ضمن هال هذه القضية في المسلمة الأولى التي تقول: "عند تأثير طاقة المنبه
(S) على عضو الإحساس يظهر الاندفاع العصبي الانفعالي الذي ينتشر في النسيج العصبي بأكمله حتى يبلغ الأعضاء المستجيبة. وتصل شدة هذا الاندفاع الانفعالي(s) إلى أوجها خلال التأثير المستمر للطاقة التنبيهية(S).
وعقب توقف هذا التأثير على العضو يواصل الاندفاع الانفعالي(s) تأثيره لبضع ثوان يتناقص خلالها تدريجياً حتى يصل إلى الصفر"(تاريخ علم النفس "نصوص" ، 1986، 41).
القانون الثاني: بالرغم من التقارب الكبير بين الاندفاعات والآثار المتبقية
(s) التي تستجرها التأثيرات المختلفة لطاقة التنبيه(S) على عضو الحس، فإنها لا تعتبر شيئاً واحداً. وهذا ما يفسره تنبيه طاقة المنبه لأكثر من عضو حسي في وقت واحد والتأثير العصبي الانفعالي المتبادل. فالاندفاعات التي تحدث في العضو الحسي تمتد في الجهاز العصبي لتصل إلى النقطة التي يغير فيها كل اندفاع حسي من شدة الاندفاعات الحسية الأخرى قوة أو ضعفاً بفضل التأثير المتبادل للعلاقات الحسية ـ الحركية المكتسبة. حيث أن S تتحول إلى S2, S1 أو S3 الخ تبعاً للتجمع الذي يحدد الأصناف الأخرى من الطاقة التنبيهية التي تدرك في لحظة معينة.
وعلى هذا الأساس يصوغ هال المسلمة الثانية، التي يستمد منها مضمون المسلميتن التاليتين(الثالثة والرابعة). وفي هذا السياق يتحدث هال عن نمطين متقاربين من السلوك التكيفي(الفعال). ويتوقع وجود أحدهما في العلاقات(الحسية ـ الحركية) على مستوى النسيج العصبي( SUR). بينما يعتبر الثاني نتاجاً لعملية التطور. ويتجسد في قدرة العضوية على اكتساب العلاقات الحسية ـ الحركية التكيفية بصورة مستقلة وتلقائية. وتتوقف عملية الاكتساب هذه وتشكل المهارات(RSH) على شروط التعزيز وعوامله التي لم ينف هال طابعها النفسي الداخلي. ووجد أن قوة العادة تتولى القيام بوظيفة عدد المحاولات التي يبذلها الفرد للوصول إلى الاستجابة المطلوبة ومقدار الفاصل الزمني بين المنبه والاستجابة واستمرارية الزمن الفاصل بين ظهور الاستجابة والتعزيز.
ووفقاً للقوانين الدينامية فإن السلوك، في ضوء نظرية هال، هو ثمرة ائتلاف المهارات والاستثارة(s) والحاجة(D). وهنا يلاحظ هال أن المنبه غالباً ما يستجر باندفاعاته الاستجابة حتى ولو كان(s) مختلفاً عن(sَ) الذي كان له سبق الارتباط بتلك الاستجابة. ويقصد بذلك أن الارتباط يتم بكامل
منطقة المنبهات الكامنة الأخرى وليس بالمنبهات التي تعزّز بصورة مباشرة. ويفسر هال هذا الأمر بأن المهارة تقوم بوظيفتها التكيفية على الرغم من استحالة تكرار نفس المنبهات بنفس القوة والشدة. وكلما كانت هذه المنبهات متقاربة في قوتها وشدتها أتاحت فرصة أكبر أمام ظهور الاستجابة المكتسبة(المهارات). والعكس صحيح أيضاً. إذ أن تفاوت قوة المنبهات واختلاف شدتها من حالة إلى أخرى يضعف إمكانية توظيف هذه العلاقة التي يعرفها هال تحت اسم تعميم المهارة SHR الذي يؤلف مضمون المسلمة الخامسة.
لقد أشرنا منذ قليل إلى أن الحاجة، بالنسبة لهال، تمثل المحدد الأساسي في تكوين السلوك. وهي تستمد قيمتها من ارتباطها الوثيق بالتعزيز من جهة، ومن كونها تحدد المواقف والوضعيات التي تتم فيها المهارة من جهة ثانية. ويعلل هال فعالية الحاجات بوجود أو(غياب) نسبة بعض العناصر في الدم(الهرمونات مثلاً). فهذه العناصر ترتبط على نحو ما بمعظم الحاجات عبر خصائص المنبهات(SD) التي تتغير شدتها وقوتها بتغير شدة الحاجة وقوتها. ويخصص هال المسلمة السادسة لتمثيل العلاقة الارتباطية بين المنبه والحاجة.
وإذا صدرت استجابة ما عن العضوية عدداً من المرات في غياب علاقتها بخفض الحاجة أو تلبيتها، فإن قدرة المركب التنبيهي- الدافعي على استدعاء تلك الاستجابة تضعف بشكل تدريجي. وهذا ما يدعى بالانطفاء التجريبي. وبالاعتماد على العديد من المعطيات التجريبية يصوغ هال فرضية مفادها أن الانطفاء التجريبي ذو طبيعة دافعية. فظهور الاستجابة يستدعي تقوية حالة التعب التي تلحق بالعضوية على حساب معالجة عناصر معينة، أي أنها تخلق شروط نشأة الحاجة إلى الراحة. ويفترض أن لهذه العناصر القدرة على كف تأثير المنبه(S). ولذا فقد أطلق على هذه الظاهرة اسم الكف الاستجابي(IR).
ولدى ظهور الاستجابة المصحوبة بالتعزيز بعد فاصل زمني طويل نسبياً مع احتفاظ الدافعية الابتدائية بمستوى عال جداً، فإن زيادة فترة المهارة تدعم كمون الاستجابة(SER) أكثر من دعمها لعتبة تلك الاستجابة. إن أثر الكف يتبدد تلقائياً وبصورة أسرع من تلاشي المهارة تلاشياً طبيعياً. وهذه الظاهرة التي تعرف بالتذكر المبهم هي موضوع العديد من التجارب التي أجريت في مجال التعلم. ويجد هال أن الكمون الفعال للاستجابة(SER) هو حاصل طرح الكف التام من كمون الاستجابة(SER)
SER = SER – IR
وبما أن كمون الاستجابة والكف التام يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالشروط التي يمكن ملاحظتها موضوعياً، فإن الكمون الفعال للاستجابة يرتبط بها بنفس الصورة. ويقرر هال أنه نادراً ما يتحقق هذا الكمون بشكل كامل كيما يستدعي فعلاً ما. فهو إذ يتدنى، فإنه يتقلب بالصدفة. ويحدث هذا بفضل العملية الفيزيولوجية التي تستطيع تحييد كمون الاستجابة إلى المستوى الذي يتأرجح من لحظة إلى أخرى. ولهذا يطلق على هذه العملية اسم "التقلب " ويرمز لها بالرمز SOR وعلى الكمون الفعال للاستجابة اسم"الكمون اللحظي الفعال للاستجابة"، ويرمز لـه بالرمز SER. ويحصي هال أربع خصائص للتقلب(SOR) تشكل مجتمعة محتوى المسلمة المباشرة. وهي:
-أنه نشيط دوماً
-أنه يؤثر على أي كمون للاستجابة بصرف النظر عن حجم هذا الكمون
-إن مقدار الكمون يتغير من لحظة إلى أخرى وفقاً للتوزيع الطبيعي
-ضعف الارتباط بين درجات تأثيره على مختلف كمونات الاستجابات في لحظة ما.
ومن خلال هذه الخصائص تتبدى الأهمية الفائقة التي يحتلها التقلب في تكيف الفرد مع محيطه، ومسؤوليته عن مجموعة الظواهر التي يتجلى فيها "الانتباه"، وفي كونه المسؤول عن إدخال الطرائق الإحصائية لمعالجة البيانات والمعطيات التي تقدمها الملاحظة قبل استخلاص القوانين التي تخضع لها المظاهر السلوكية.
ولما كان من غير الممكن ملاحظة SER، فإن هال ينطلق من ثقته بالعلاقة الوظيفية الدرجية(الكمية) التي تربطه بالعناصر السابقة في إحلال المساواة في العلاقة بين تلك العناصر ومؤشرات الاستجابات التي تناسبها. وهكذا يصوغ المسلمة الحادية عشرة على النحو التالي: بما أن عتبة الاستجابة(SLR) هي المستوى الأدنى لكمون الاستجابة اللحظي والفعّال
(SER)، فإنها ضرورية لاستدعاء الاستجابة في غياب الكمونات المتنافسة للاستجابات.
وعلى أساس النتائج التي تم التوصل إليها في دراسة الحالات النموذجية للتعلم البسيط يتحدث هال عن أربعة مظاهر للاستجابة يمكن قياسها باتباع طريقة البواقي. وتتمثل هذه الطريقة في تناول كل مظهر من هذه المظاهر لوحده، ومن خلال أمثلة محددة عن الأنماط الثلاثة المتبقية لمنحنيات التعلم، وبالتالي حساب العلاقات الوظيفية الكمية(SER) بمظهر الاستجابة(N). وهنا يضع هال المسلمات 12 و 13 و 14 و 15 على النحو التالي: إن احتمال استثارة الاستجابة مرهون بالكمون الفعال للاستجابة(المسلمة رقم 12)، وإن زمن كمون الاستجابة يوجد في علاقة عكسية ومتسارعة بصورة سلبية(المسلمة رقم 13). بينما تعتبر مقاومة الانطفاء التجريبي ومدى الاستجابة(بالنسبة للاستجابات الآلية) وظيفتين خطيتين متناميتين للتقلب(المسلمتان رقم 14 و15).
وتتحدث المسلمة رقم 16 عن الصعوبة الأخيرة التي تتعلق باستثارة الاستجابة. ويرى هال أنه غالباً ما يتمكن تأثير عناصر المنبه على عضو الإحساس في لحظة معينة من استنفار كمونات ما فوق العتبة لبعض الاستجابات المتنافرة جزئياً أو كلياً. وفي هذه الحالة تتعرض الاستجابات للانطفاء العام باستثناء الأقوى منها.(انظر المخطط)(*)
ويبين هذا المخطط البناءات الرمزية الأساسية(ضمن دوائر)، والرموز التي تدل على الشروط والوقائع التي تلاحظ بصورة موضوعية. حيث أن S هي الطاقة الفيزيائية للمنبه،R استجابة العضوية، Sَ النتيجة العصبية للمنبه، Sَ التأثير العصبي المتبادل لمنبهين أو أكثر، r الاندفاع الاستجابي الذي يستدعي الاستجابة، G ظهور التعزيز، SHR قوة المهارة، S المنبه- المثير في نفس مجموعة العناصر التنبيهية التي يوجد فيها Sَ، SER قوة التعميم، CD الظاهرة التي تلاحظ موضوعياً وتشترطها الحاجة، D القوة الفيزيولوجية للحاجة، SER كمون الاستجابة، W العمل اللازم لحدوث الاستجابة، IR الكف الاستجابي، SIE الكف الشرطي، SER الكمون الفعال للاستجابة، SLR عتبة الاستجابة، P احتمال انفجار الاستجابة، STR زمن الكمون، n عدد الاستجابات المعززة اللازمة للانطفاء التجريبي، A مدى الاستجابة.
لقد قصد هال من وراء عمله أن يكون لعلم النفس، مثلما هو الشأن بالنسبة للعلوم الدقيقة، مسلمات وقوانين تستطيع أن تفسر جميع مظاهر السلوك. وعندما صاغ مسلماته ووضع قوانينه وفق النموذج الرياضي، لم يكن يطمح لأكثر من بداية صحيحة. فقد كان يعلم تماماً أن جميع مسلماته وفرضياته ليست هي اللوحة المنشودة التي تصور سلوك الإنسان، وبالتالي، فإنه سوف يأتي الوقت الذي يراجع فيه باحثون آخرون مخططه، ويدخلون عليه تعديلات وتغييرات قليلة أو كثيرة، ويضيفون مسلمات ويحذفون أخرى. والمهم –عنده- هو أن يكون هذا المخطط محاولة على الطريق الصحيح لانتشال علم النفس من أزمته والارتقاء به إلى مصاف العلوم الدقيقة. يقول في خاتمة كتابه "مبادئ السلوك": "لقد كانت المهمة الأساسية لهذا العمل استخلاص وتقديم المبادئ الأولية -القاعدية- للسلوك أو قوانينه، كما تبدو في المرحلة الراهنة من تطور علم السلوك. فقد استخلصنا منها حتى الآن ستة عشر. فإذا كانت هذه المبادئ أو المسلمات صادقة، أمكن استنتاج مدرج منطقي من المبادئ الثانوية منها..."(تاريخ علم النفس "نصوص"، 1986، 55). ثم يحدد موقفه من نظريته بكل تواضع وموضوعية فيقول: "ليس عيباً، من وجهة نظر العالم المحنك، أن يقدّم فرضية خاطئة يمكن البرهنة على خطئها بسهولة. فالاكتشاف العلمي هو-إلى حد ما- عملية محاولات وأخطاء. وإن من غير الممكن أن تتم هذه العملية دون محاولات خاطئة وأخرى ناجحة "(تاريخ علم النفس "نصوص"،
1986، 56).
بوح الروح
درس هال الهندسة قبل أن يتحول إلى علم النفس.ولم تمض فترة قصيرة على التحاقه بالميدان الجديد حتى أصبح واحداً من أشهر الباحثين في معهد دراسة العلاقات الإنسانية التابع لجامعة ييل YULE INSTITUT OF HUMAN RELATION. ولقد استهل نشاطه العلمي بدراسة التفكير. ثم اتسعت دائرة اهتمامه لتشمل القدرات والمواهب التي خصّها بكتاب "اختبار القدرات" الذي نشره عام 1928. بيد أنه تحول فيما بعد إلى دراسة التنويم المغناطيسي وأصدر عام 1933 كتاباً بعنوان "التنويم المغناطيسي والقابلية للإيحاء". وقد لاقى هذا المؤلف رواجاً كبيراً وشهرة واسعة باعتباره محاولة جدية لدراسة التنويم المغناطيسي من وجهة النظر الموضوعية. ثم درس موضوع التذكر والتعلم ووضع كتاباً تحت عنوان "النظرية الرياضية ـ الاستنتاجية والتعلّم الآلي"(1940). ولم يمنعه ضعف بصره من أن يعطي لموضوعات بحوثه ولمعاونيه وتلاميذه جل وقته وجهده. واستطاع أن يجمع حوله عدداً من الباحثين الشباب ويؤسس معهم وحدة بحث ضمت كلاً من كينيث سبينس K.SPENCE.(1907-1967م). ونيل ميللر N.MILLER
(1909-؟). وجون دولارد J.DOLLARD(1900-؟). وو.مورر MOWRER(1907-؟). ولقد حدد هال مهمة وحدة البحث هذه في دراسة الظواهر التي رأى أنها تتجاوز الحدود التي رسمها واتسون وتشمل بعض النقاط المدرجة في برنامج الغشتالتية والتحليل النفسي. وفي إطار إنجاز هذه الخطة دعا كوفكا لزيارة جامعة ييل وإلقاء مجموعة من المحاضرات على أساتذتها وطلبتها. كما قام بعض أعضاء الجماعة بدراسة تجريبية لبعض المسائل التي طرحها فرويد.
ولعل الدراسات الأولى التي خصصها هال لبناء نظريته الافتراضية ـ الاستنتاجية ترجع إلى الثلاثينيات. وقد ظهر الشكل الأول لهذه النظرية في كتابه "مبادئ السلوك PRINCIPLES OF BEHAVIOR" الذي نشر عام 1943. وظهر الشكل الأخير لها عام 1952 من خلال كتابه "منظومة السلوك BEHAVIOR SYSTEM". ويعتبر هذا الشكل نسخة مفصلة ومكبرة عن الشكل الأول. حيث أدخل هال عبر السنوات التي تلت صدور الكتاب الأول بعض التعديلات على مبادئ السلوك وضمنها في كتابه "الملامح الرئيسية للسلوك" الصادر عام 1951. وبعد مراجعة أخرى لتلك المبادئ قرر أن يزيد من عدد المسلمات والفرضيات المتصلة بها لتكون جميعاً منظومة السلوك، ووعد بنشر كتاب آخر يقدم فيه مشتقات السلوك الاجتماعي،غير أنه لم يتمكن من إنجازه. فقد توفي بعد صدور كتابه "منظومة السلوك"، بأربعة أشهر.
انطلق هال في صياغته نظريته من مبدأ الانعكاس الشرطي الذي يعتبر حجر الزاوية في الأعمال البافلوفية التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية وكان لصدورها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1927 دور واضح في تطوير السلوكية. إذ مكن أنصارها من الاطلاع على قوانين النشاط العصبي العالي وتقنيات دراسته، الشيء الذي نلمسه في أعمال هال وسكنر بصورة خاصة، فقد وقف الرجلان على أوجه الاختلاف بين نظرية بافلوف ونظرية ثورندايك. ولكنهما اختلفا في تقييمهما لهما. وبدا هذا الاختلاف جلياً، عندما تابع سكنر نهج ثورندايك الذي يتعارض مع النهج البافلوفي. بينما سار هال في الاتجاه الآخر مؤكداً على إنجاز المهمة الرئيسية المتمثلة في وضع القوانين العامة التي تجعله قادراً على استنتاج مختلف التجليات السلوكية كحالات خاصة. وفي سبيل ذلك اقترح هال ضبط مبادئ وضعية بريجمان ومتغيرات تولمان حسب المنهج الافتراضي الاستنتاجي الذي يستخدم في العلوم الدقيقة.والمقصود بهذا الاقتراح هو الأخذ بالمخطط الرياضي في معالجة السلوك وما يتطلبه من وضع شبكة من المسلمات والفرضيات التي تنطبق على كافة الأفعال. وتتحدد صلاحية تلك المسلمات والفرضيات ودقتها من خلال تجارب تخصص لدراسة جوانب السلوك. وينبغي إعادة النظر في صياغتها إذا لم تثبت نتائج العمل التجريبي صحتها تماماً. وفي هذا الشأن يقول هال: "يجب أن يكون التقدم في إدراج مئات المعادلات الواحدة تلو الواحدة، وتحديد الثوابت الخبرية التي تحتويها المعادلات الواحد تلو الآخر بصورة تجريبية، وفي إيجاد وحدات تنطق بها هذه المعادلات، وتستخدم عملياً للقياس الكمي... وفي الاستنتاج المحكم لآلاف المسلمات والمشتقات الواحدة تلو الأخرى من التحديدات والمعادلات الأولية، وفي الإجراء الدقيق لآلاف التجارب الكمية النقدية".(HULL. 1952,401).
لقد اعتقد هال أن سيادة المنهج الاستقرائي هو السبب في تباين الآراء واختلاف النظريات في علم النفس. ولذا فإن الخروج من المأزق، والتوفيق بين آراء علماء النفس ونظرياتهم، وحل الخلافات والصراعات بينهم، يتحقق عن طريق الأخذ بالمنهج الافتراضي ـ الاستنتاجي. وحين شرع هال ومساعدوه باختبار أفكاره على أرضية المعطيات التجريبية أدرك القيمة الإيجابية للمنعكسات الشرطية وأفضليتها بالمقارنة مع الدراسات الارتباطية التي أجراها علماء النفس الأولون كابنغهاوس وموللر وغيرهما. ويرجع هذا التفضيل إلى البعد الذي يمثله النموذجان وقاعدة انطلاق كل منهما. فالدراسات الارتباطية تجسد حالة مجردة للواقعة النفسية(التذكر) وتقوم على الحتمية الآلية. بينا تمثل تعاليم بافلوف حالة مشخصة لعلاقة المنبة والاستجابة وتكون السلوك في المجرى الطبيعي لحياة الكائن الحي من منطلق الحتمية العضوية. وبما أن مهمة علم النفس، كما تبدو لهال، هي التعرف على آليات اكتساب المهارات التي تضفي على سلوك الإنسان والحيوان طابعاً غائياً وتمكنهما من التكيف مع المواقف الجديدة، فإن قوانين النشاط العصبي العالي التي استخلصها بافلوف تستجيب لشروط هذه المهمة ومتطلباتها. ذلك لأن نظرية بافلوف تتناول السلوك من منظور ارتقائي، وتعتبره نتاجاً للنشاط الذي يمارسه الفرد أثناء علاقته بالعالم الخارجي، خلافاً للدراسات الارتباطية الأخرى التي تجرده عن كل بعد تكيفي وغائي.
من هنا يصبح من الواضح أن اتفاق هال مع واتسون حول اعتبار المنبه والاستجابة موضوع علم النفس لم يكن اتفاقاً كلياً ونهائياً. حيث وجد هال أن السلوك يبدأ بالتنبيه الخارجي أو بحالة العضوية وينتهي بالاستجابة. ولكنه أضاف إلى ذلك وجود متغيرات تتداخل قبل حدوث الاستجابة. وباستخدام التحليل الرياضي والمنطقي يحاول استنباط الصلات القائمة بين تلك الحدود. وهذا ما جعله يقترب من المخطط الذي اقترحه ودورث عام 1929. والذي يتألف من المنبه والعضوية والاستجابة. ويتناسب مخطط هال مع النظرة التطورية البيولوجية التي ما انفك يجمع الحجج للتدليل على علميتها وموضوعيتها. فمن خلالها يعرف الكائنات الحية بأنها تتمتع بتنظيم آلي، ويتبدى سلوكها ضمن شروط محددة وفقاً لقوانين وقواعد ثابتة. وحينما تتغير هذه الشروط أو تنحرف عن وضعها المألوف، يقوم الكائن الحي(الآلة) بأفعال قصد إعادة توازنه وتحقيق تكيفه مع المحيط. ويرى هال أن الجهاز العضلي والغدد يؤلفان مصدر الفاعلية التكيفية.
وتختلف هذه الفاعلية من حيث تنوعها وتعقيدها باختلاف البنيات العضوية للأحياء. فكلما كان الكائن الحي راقياً، صدرت عنه أفعال أكثر تعدداً وتنوعاً وتعقيداً. وفي هذه العلاقة بالتحديد يتجسد موقف هال من طبيعة الفعل التكيفي. فالمسألة، عنده، تقترن بأمرين اثنين في آن معاً. يتمثل أولهما بدرجة اختلال التوازن أو حاجة العضوية، وثانيهما بالمواصفات الخارجية والداخلية للمحيط. وعليه فإن الفعل التكيفي يستلزم تغيراً ما في حالة العضوية وتأثير البيئة الخارجية كشرط لابد منه لحدوث استجابة الأعضاء المختصة. وتعتبر الحواس التي تحوّل المثيرات الخارجية(S) إلى اندفاعات عصبية(s ) الحلقة الأولى في العلاقة الوظيفية للأعضاء المستجيبة بحاجات العضوية والبيئة. ويتجه معظم هذه الاندفاعات صوب الدماغ الذي يرسل الاندفاعات الناقلة(r) إلى المستجيبات كيما تقوم بالاستجابة(R) ومن هذه العلاقة يستخلص هال قانونين رئيسيين:
القانون الأول: لا تتوقف فعالية الاندفاعات الانفعالية(s) مع نهاية تأثير المنبه(S) على عضو الإحساس، بل إنها تستمر لبضع ثوان، أو حتى بضع دقائق في حالات معينة تعرف وتيرة الاندفاع أثناءها انخفاضاً تدريجياً، ويكتسي بقاء أثر المنبه أهمية بيولوجية استثنائية؛ إذ أنه يضمن ارتباط العضو المختص بالظواهر المحيطة التي لا تنشأ فوراً في تلك اللحظة وحسب، بل وبالظواهر التي نشأت في الماضي القريب أيضاً. وهنا يتحقق تكامل محدود ومؤقت. ولقد ضمن هال هذه القضية في المسلمة الأولى التي تقول: "عند تأثير طاقة المنبه
(S) على عضو الإحساس يظهر الاندفاع العصبي الانفعالي الذي ينتشر في النسيج العصبي بأكمله حتى يبلغ الأعضاء المستجيبة. وتصل شدة هذا الاندفاع الانفعالي(s) إلى أوجها خلال التأثير المستمر للطاقة التنبيهية(S).
وعقب توقف هذا التأثير على العضو يواصل الاندفاع الانفعالي(s) تأثيره لبضع ثوان يتناقص خلالها تدريجياً حتى يصل إلى الصفر"(تاريخ علم النفس "نصوص" ، 1986، 41).
القانون الثاني: بالرغم من التقارب الكبير بين الاندفاعات والآثار المتبقية
(s) التي تستجرها التأثيرات المختلفة لطاقة التنبيه(S) على عضو الحس، فإنها لا تعتبر شيئاً واحداً. وهذا ما يفسره تنبيه طاقة المنبه لأكثر من عضو حسي في وقت واحد والتأثير العصبي الانفعالي المتبادل. فالاندفاعات التي تحدث في العضو الحسي تمتد في الجهاز العصبي لتصل إلى النقطة التي يغير فيها كل اندفاع حسي من شدة الاندفاعات الحسية الأخرى قوة أو ضعفاً بفضل التأثير المتبادل للعلاقات الحسية ـ الحركية المكتسبة. حيث أن S تتحول إلى S2, S1 أو S3 الخ تبعاً للتجمع الذي يحدد الأصناف الأخرى من الطاقة التنبيهية التي تدرك في لحظة معينة.
وعلى هذا الأساس يصوغ هال المسلمة الثانية، التي يستمد منها مضمون المسلميتن التاليتين(الثالثة والرابعة). وفي هذا السياق يتحدث هال عن نمطين متقاربين من السلوك التكيفي(الفعال). ويتوقع وجود أحدهما في العلاقات(الحسية ـ الحركية) على مستوى النسيج العصبي( SUR). بينما يعتبر الثاني نتاجاً لعملية التطور. ويتجسد في قدرة العضوية على اكتساب العلاقات الحسية ـ الحركية التكيفية بصورة مستقلة وتلقائية. وتتوقف عملية الاكتساب هذه وتشكل المهارات(RSH) على شروط التعزيز وعوامله التي لم ينف هال طابعها النفسي الداخلي. ووجد أن قوة العادة تتولى القيام بوظيفة عدد المحاولات التي يبذلها الفرد للوصول إلى الاستجابة المطلوبة ومقدار الفاصل الزمني بين المنبه والاستجابة واستمرارية الزمن الفاصل بين ظهور الاستجابة والتعزيز.
ووفقاً للقوانين الدينامية فإن السلوك، في ضوء نظرية هال، هو ثمرة ائتلاف المهارات والاستثارة(s) والحاجة(D). وهنا يلاحظ هال أن المنبه غالباً ما يستجر باندفاعاته الاستجابة حتى ولو كان(s) مختلفاً عن(sَ) الذي كان له سبق الارتباط بتلك الاستجابة. ويقصد بذلك أن الارتباط يتم بكامل
منطقة المنبهات الكامنة الأخرى وليس بالمنبهات التي تعزّز بصورة مباشرة. ويفسر هال هذا الأمر بأن المهارة تقوم بوظيفتها التكيفية على الرغم من استحالة تكرار نفس المنبهات بنفس القوة والشدة. وكلما كانت هذه المنبهات متقاربة في قوتها وشدتها أتاحت فرصة أكبر أمام ظهور الاستجابة المكتسبة(المهارات). والعكس صحيح أيضاً. إذ أن تفاوت قوة المنبهات واختلاف شدتها من حالة إلى أخرى يضعف إمكانية توظيف هذه العلاقة التي يعرفها هال تحت اسم تعميم المهارة SHR الذي يؤلف مضمون المسلمة الخامسة.
لقد أشرنا منذ قليل إلى أن الحاجة، بالنسبة لهال، تمثل المحدد الأساسي في تكوين السلوك. وهي تستمد قيمتها من ارتباطها الوثيق بالتعزيز من جهة، ومن كونها تحدد المواقف والوضعيات التي تتم فيها المهارة من جهة ثانية. ويعلل هال فعالية الحاجات بوجود أو(غياب) نسبة بعض العناصر في الدم(الهرمونات مثلاً). فهذه العناصر ترتبط على نحو ما بمعظم الحاجات عبر خصائص المنبهات(SD) التي تتغير شدتها وقوتها بتغير شدة الحاجة وقوتها. ويخصص هال المسلمة السادسة لتمثيل العلاقة الارتباطية بين المنبه والحاجة.
وإذا صدرت استجابة ما عن العضوية عدداً من المرات في غياب علاقتها بخفض الحاجة أو تلبيتها، فإن قدرة المركب التنبيهي- الدافعي على استدعاء تلك الاستجابة تضعف بشكل تدريجي. وهذا ما يدعى بالانطفاء التجريبي. وبالاعتماد على العديد من المعطيات التجريبية يصوغ هال فرضية مفادها أن الانطفاء التجريبي ذو طبيعة دافعية. فظهور الاستجابة يستدعي تقوية حالة التعب التي تلحق بالعضوية على حساب معالجة عناصر معينة، أي أنها تخلق شروط نشأة الحاجة إلى الراحة. ويفترض أن لهذه العناصر القدرة على كف تأثير المنبه(S). ولذا فقد أطلق على هذه الظاهرة اسم الكف الاستجابي(IR).
ولدى ظهور الاستجابة المصحوبة بالتعزيز بعد فاصل زمني طويل نسبياً مع احتفاظ الدافعية الابتدائية بمستوى عال جداً، فإن زيادة فترة المهارة تدعم كمون الاستجابة(SER) أكثر من دعمها لعتبة تلك الاستجابة. إن أثر الكف يتبدد تلقائياً وبصورة أسرع من تلاشي المهارة تلاشياً طبيعياً. وهذه الظاهرة التي تعرف بالتذكر المبهم هي موضوع العديد من التجارب التي أجريت في مجال التعلم. ويجد هال أن الكمون الفعال للاستجابة(SER) هو حاصل طرح الكف التام من كمون الاستجابة(SER)
SER = SER – IR
وبما أن كمون الاستجابة والكف التام يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالشروط التي يمكن ملاحظتها موضوعياً، فإن الكمون الفعال للاستجابة يرتبط بها بنفس الصورة. ويقرر هال أنه نادراً ما يتحقق هذا الكمون بشكل كامل كيما يستدعي فعلاً ما. فهو إذ يتدنى، فإنه يتقلب بالصدفة. ويحدث هذا بفضل العملية الفيزيولوجية التي تستطيع تحييد كمون الاستجابة إلى المستوى الذي يتأرجح من لحظة إلى أخرى. ولهذا يطلق على هذه العملية اسم "التقلب " ويرمز لها بالرمز SOR وعلى الكمون الفعال للاستجابة اسم"الكمون اللحظي الفعال للاستجابة"، ويرمز لـه بالرمز SER. ويحصي هال أربع خصائص للتقلب(SOR) تشكل مجتمعة محتوى المسلمة المباشرة. وهي:
-أنه نشيط دوماً
-أنه يؤثر على أي كمون للاستجابة بصرف النظر عن حجم هذا الكمون
-إن مقدار الكمون يتغير من لحظة إلى أخرى وفقاً للتوزيع الطبيعي
-ضعف الارتباط بين درجات تأثيره على مختلف كمونات الاستجابات في لحظة ما.
ومن خلال هذه الخصائص تتبدى الأهمية الفائقة التي يحتلها التقلب في تكيف الفرد مع محيطه، ومسؤوليته عن مجموعة الظواهر التي يتجلى فيها "الانتباه"، وفي كونه المسؤول عن إدخال الطرائق الإحصائية لمعالجة البيانات والمعطيات التي تقدمها الملاحظة قبل استخلاص القوانين التي تخضع لها المظاهر السلوكية.
ولما كان من غير الممكن ملاحظة SER، فإن هال ينطلق من ثقته بالعلاقة الوظيفية الدرجية(الكمية) التي تربطه بالعناصر السابقة في إحلال المساواة في العلاقة بين تلك العناصر ومؤشرات الاستجابات التي تناسبها. وهكذا يصوغ المسلمة الحادية عشرة على النحو التالي: بما أن عتبة الاستجابة(SLR) هي المستوى الأدنى لكمون الاستجابة اللحظي والفعّال
(SER)، فإنها ضرورية لاستدعاء الاستجابة في غياب الكمونات المتنافسة للاستجابات.
وعلى أساس النتائج التي تم التوصل إليها في دراسة الحالات النموذجية للتعلم البسيط يتحدث هال عن أربعة مظاهر للاستجابة يمكن قياسها باتباع طريقة البواقي. وتتمثل هذه الطريقة في تناول كل مظهر من هذه المظاهر لوحده، ومن خلال أمثلة محددة عن الأنماط الثلاثة المتبقية لمنحنيات التعلم، وبالتالي حساب العلاقات الوظيفية الكمية(SER) بمظهر الاستجابة(N). وهنا يضع هال المسلمات 12 و 13 و 14 و 15 على النحو التالي: إن احتمال استثارة الاستجابة مرهون بالكمون الفعال للاستجابة(المسلمة رقم 12)، وإن زمن كمون الاستجابة يوجد في علاقة عكسية ومتسارعة بصورة سلبية(المسلمة رقم 13). بينما تعتبر مقاومة الانطفاء التجريبي ومدى الاستجابة(بالنسبة للاستجابات الآلية) وظيفتين خطيتين متناميتين للتقلب(المسلمتان رقم 14 و15).
وتتحدث المسلمة رقم 16 عن الصعوبة الأخيرة التي تتعلق باستثارة الاستجابة. ويرى هال أنه غالباً ما يتمكن تأثير عناصر المنبه على عضو الإحساس في لحظة معينة من استنفار كمونات ما فوق العتبة لبعض الاستجابات المتنافرة جزئياً أو كلياً. وفي هذه الحالة تتعرض الاستجابات للانطفاء العام باستثناء الأقوى منها.(انظر المخطط)(*)
ويبين هذا المخطط البناءات الرمزية الأساسية(ضمن دوائر)، والرموز التي تدل على الشروط والوقائع التي تلاحظ بصورة موضوعية. حيث أن S هي الطاقة الفيزيائية للمنبه،R استجابة العضوية، Sَ النتيجة العصبية للمنبه، Sَ التأثير العصبي المتبادل لمنبهين أو أكثر، r الاندفاع الاستجابي الذي يستدعي الاستجابة، G ظهور التعزيز، SHR قوة المهارة، S المنبه- المثير في نفس مجموعة العناصر التنبيهية التي يوجد فيها Sَ، SER قوة التعميم، CD الظاهرة التي تلاحظ موضوعياً وتشترطها الحاجة، D القوة الفيزيولوجية للحاجة، SER كمون الاستجابة، W العمل اللازم لحدوث الاستجابة، IR الكف الاستجابي، SIE الكف الشرطي، SER الكمون الفعال للاستجابة، SLR عتبة الاستجابة، P احتمال انفجار الاستجابة، STR زمن الكمون، n عدد الاستجابات المعززة اللازمة للانطفاء التجريبي، A مدى الاستجابة.
لقد قصد هال من وراء عمله أن يكون لعلم النفس، مثلما هو الشأن بالنسبة للعلوم الدقيقة، مسلمات وقوانين تستطيع أن تفسر جميع مظاهر السلوك. وعندما صاغ مسلماته ووضع قوانينه وفق النموذج الرياضي، لم يكن يطمح لأكثر من بداية صحيحة. فقد كان يعلم تماماً أن جميع مسلماته وفرضياته ليست هي اللوحة المنشودة التي تصور سلوك الإنسان، وبالتالي، فإنه سوف يأتي الوقت الذي يراجع فيه باحثون آخرون مخططه، ويدخلون عليه تعديلات وتغييرات قليلة أو كثيرة، ويضيفون مسلمات ويحذفون أخرى. والمهم –عنده- هو أن يكون هذا المخطط محاولة على الطريق الصحيح لانتشال علم النفس من أزمته والارتقاء به إلى مصاف العلوم الدقيقة. يقول في خاتمة كتابه "مبادئ السلوك": "لقد كانت المهمة الأساسية لهذا العمل استخلاص وتقديم المبادئ الأولية -القاعدية- للسلوك أو قوانينه، كما تبدو في المرحلة الراهنة من تطور علم السلوك. فقد استخلصنا منها حتى الآن ستة عشر. فإذا كانت هذه المبادئ أو المسلمات صادقة، أمكن استنتاج مدرج منطقي من المبادئ الثانوية منها..."(تاريخ علم النفس "نصوص"، 1986، 55). ثم يحدد موقفه من نظريته بكل تواضع وموضوعية فيقول: "ليس عيباً، من وجهة نظر العالم المحنك، أن يقدّم فرضية خاطئة يمكن البرهنة على خطئها بسهولة. فالاكتشاف العلمي هو-إلى حد ما- عملية محاولات وأخطاء. وإن من غير الممكن أن تتم هذه العملية دون محاولات خاطئة وأخرى ناجحة "(تاريخ علم النفس "نصوص"،
1986، 56).
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح