أ-الفكر السيكولوجي في الفلسفة اليونانية:
إن الحديث عن الفكر السيكولوجي بدءاً من الفلسفة اليونانية لا يعني مطلقاً أنَّ الفلسفات التي سبقتها لم تعن بهذا الجانب المعرفي، بل إنها حملت الكثير من الآراء والملاحظات التي عكست اهتمام أصحابها بطبيعة الإنسان ونشاطه النفسي، على الرغم من الطابع الميتافيزيائي لها. ولقد أثرت هذه الفلسفات على التطور الذي عرفه الفكر الفلسفي في بلاد اليونان. ويشير مؤرخو الفلسفة، مثلاً، إلى بصمات الفلسفة المصرية الواضحة على تعاليم الفلاسفة اليونانيين، وخاصة تاليس الذي يعتبر مؤسس الفلسفة القديمة.
تنسب إلى تاليس (640-547 ق. م) الحكمة المشهورة "اعرف نفسك" التي أصبحت المبدأ الرئيسي الذي اعتمد عليه سقراط في تعاليمه. وتقدم مدلولات هذه الحكمة الدليل الواضح على محاولة حكماء تلك الحقبة فهم السلوك الإنساني ومكانة الإنسان في هذا الكون.
ذلك لأن وجود الإنسان وأصله ومآله كانت إحدى المشكلات التي حاول تاليس البحث فيها ومعالجتها. فقد رأى أن الإنسان كائن يتألف من عنصرين رئيسيين متناقضين، الجسد أو البدن من جهة، والنفس أو الروح من جهة ثانية.
ويشاطر فيثاغورس (578-450 ق. م) وأتباعه تاليس نظرته إلى العلاقة بين الجسم والنفس كجوهرين لا صلة لأحدهما بالآخر من حيث أصله وطبيعته. ويقول فيثاغورس بإمكانية انتقال الروح من إنسان إلى آخر، أو إلى أي كائن حي، بعد الموت. وهذا ما يعرف بتناسخ الأرواح. وقد لاقت هذه الفكرة صدى إيجابياً لدى بعض الفلاسفة اليونانيين. كما وجدت طريقها إلى معتقدات عدد من المذاهب الدينية المختلفة في مراحل متأخرة من التاريخ العالمي. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن فيثاغورس لم يكن أول من طرح هذه الفكرة، وإنما نقلها عن الفلسفتين القديمتين: المصرية والهندية.
ثم جاء الفيلسوف سقراط(470-399ق. م) ليطوّر نظرة تاليس إلى الإنسان، معلناً أن الجوهر الأول، أي النفس العاقلة أو الروح، هو جزء من العقل الكلي أو الروح الإلهية. أما البدن فيتألف من عناصر العالم المحسوس: الماء والتراب والنار والهواء. وبما أن النفس الإنسانية هي جزء من الروح الإلهية التي تسيطر على الظواهر والحوادث والأشياء الكونية، فإنَّ بإمكان الإنسان السيطرة على بدنه والتحكم برغباته وشهواته.
وعلى هذا فالنفس، من خلال هذا التصور، تشارك فيما هو إلهي، وهنا يبرز مغزى الشعار الذي رفعه سقراط "اعرف نفسك بنفسك". فمعرفة الإنسان لذاته تتوقف، في رأي سقراط، على الارتداد أو الرجوع إلى النفس وتأملها والوقوف على ما هو مشترك بينها وبين الروح الإلهية، أي بين الإنسان وبين الله.
وانطلاقاً من طبيعة كل من الجوهرين(النفس والبدن) يعتقد سقراط أن للنفس القدرة على البقاء بذاتها والخلود بعد مفارقتها الجسد، ما دامت تستمد حركتها من ذاتها، أي من الروح الإلهية. وهي على العكس من الجسد الذي يفنى لأنه يستمد حركته من الخارج.
تأثر أفلاطون(427-347 ق.م) بأستاذه إلى حد كبير. وهذا ما يظهر بجلاء عبر نظرته إلى طبيعة الروح والجسد ومصير كل منهما. والبرهنة على خلود الروح –بالنسبة له- تكون عن طريق المعرفة ذاتها؛ إذ من غير الممكن في رأيه تقديم تفسير صحيح وكامل للمعرفة من غير أن تتأمل الروح المثل التي تنتمي إليها قبل أن تحل في البدن. وهنا يطرح أفلاطون نظريته في المعرفة.
فالمعرفة الحقة تتم –في اعتقاد أفلاطون- عن طريق عملية التذكر التي يقوم بها الإنسان أثناء نشاطه الحياتي لما كانت النفس قد تمثلته قبل هبوطها إلى الأرض. فما ينتاب الإنسان من مشاعر وأحاسيس خلال مراحل حياته. وما يدركه من حوادث وأشياء وعلاقات على هذه الأرض، ما هو إلا الانطباعات والصور التي حملتها الروح معها من عالم المثل.
ويجد أفلاطون أن النشاط النفسي الدائم هو دليل خلود الروح. فالروح لا تعرف السكون، ولا تكف عن الحركة لأنها تستمد هذه الحركة من ذاتها. وهي، فوق ذلك، منزهة عن الموت باعتبارها مبدأ كل حركة. ولما كان هذا شأنها، فهي تشبه المثل المطلقة الخالدة، خلافاً للجسد الذي ينتمي إلى العالم المحسوس ويتركب من العناصر الفانية.
وعلى هذا فالإنسان –كما يراه أفلاطون- نفس وبدن. ويعتبر الارتباط بينهما ضرباً من تلاقي الأضداد واجتماعها. فالبدن يحول دون المعرفة الحقيقية لما يثيره من فوضى وتشويش في العمليات المعرفية. أما النفس فهي عقل خالص يتأمل جوهر الأشياء ويدرك كنهها. ولكنها تتعرض للعديد من المصاعب والضلالات حين يجرها البدن نحو الأشياء المحسوسة وتلبية الرغبات والشهوات الجسدية(الكهف الأفلاطوني).
وبما أن النفس كانت تعيش في عالم القيم السامية والمثل الرفيعة، ثم هبطت إلى عالم الفناء والتفسخ والفساد عقاباً لها، فإنها تتميز بعد اتحادها بالجسد عن النفس في ذاتها، أي قبل اتحادها به، إذ تتحول عندئذ إلى جسدية على نحو ما. وتبعاً لنسبة هذا التحول تتحدد قدرتها على معرفة الحقيقة وتجاوز الرغبات والشهوات واللذات الجسدية. وهذا ما حدا بأفلاطون إلى تقسيم النفس إلى ثلاثة أقسام:
1-الحكمة، ومركزها الرأس. وهي أعلى أقسام النفس مرتبة وأرقاها منزلة.
2-الشهوة، ومركزها البطن. وهي أدنى مراتب النفس وأحطها.
3-الشجاعة، ومركزها القلب. وهي تشغل الموقع الوسط بين الحكمة والشهوة.
ويرى أفلاطون أنَّ هذه الأقسام توجد عند الناس بأشكالٍ متباينة ودرجاتٍ متفاوتة. فقد تتغلب الحكمة على الشجاعة والشهوة عند البعض، في حين تسود الشهوة على الحكمة والشجاعة عند البعض الآخر، أو الشجاعة على الحكمة والشهوة عند الفئة الثالثة.
ويربط أفلاطون بين هذه الأقسام والانتماء الاجتماعي والطبقي للناس. فيجد أن المجتمع يتألف من ثلاث طبقات، تضمّ أولاها الحكام والفلاسفة الذين تسيطر الحكمة على أفعالهم وسلوكياتهم. وينتمي إلى الثانية منها العبيد والحرفيون وعامة الناس. ويتّسم هؤلاء بغلبة الشهوة على القسمين الآخرين. أما الطبقة الثالثة فتشمل القادة العسكريين والجند والمقاتلين. ويطغى جانب الشجاعة لديهم على سواه.
وهنايتجلى الموقف الطبقي لأفلاطون وانحيازه إلى الطبقة(الأرستقراطية) الحاكمة، باعتبارها الطبقة المختارة التي أعطيت من النفس أرقى أجزائها وأسمى جوانبها، ووهبت أفضل القدرات العقلية لتتمكن –حسب زعمه- من تدبير أمور البلاد وتنظيم شؤون المجتمع. أما العبيد والحرفيون والعامة من الناس والفلاحون فقد خلقوا للعمل من أجل الطبقة الحاكمة والجيش وسخروا من أجل خدمتهم.
إن موقف أفلاطون الطبقي ينعكس في آرائه التربوية. فقد اقترح إقامة بيوت عامة تتولى رعاية الأطفال منذ ولادتهم وحتى السابعة من العمر، ويشرف على تسييرها أناس مدربون ومختصون ومن ثم يجب أن يلتحق هؤلاء الأطفال بالمدرسة ليتلقوا فيها مختلف أنواع المعرفة.
ويظل حالهم هكذا حتى يبلغوا العشرين من العمر، فمن يظهر منهم ميلاً نحو الحكمة ينبغي على الدولة تشجيعه وتوفير الشروط اللازمة لتلقي العلوم من أجل أن يصبح قادراً على الإسهام في تسيير شؤون الدولة بعد الثلاثين من العمر. بينما يتوجب على من تبقى من الشباب بعد العشرين أن يلتحق بالجيش.
وعندما يتحدث أفلاطون عن تربية الأطفال ورعايتهم وإعدادهم، فإنه لا يعني سوى أبناء الطبقة الغنيّة في المجتمع. أما أبناء العبيد والسواد الأعظم من الشعب فلم يكونوا موضوع اهتمامه وحديثه عن التربية والتعليم.
جاء أرسطو(384-322 ق. م) بعد ذلك وحاول تذليل الثنائية التي قال بها سابقوه.
ولعلَّ المعطيات المتقدمة نسبياً في مجال الطب وعلم الأحياء يومذاك من ناحية، وملاحظاته العلمية التي قام بها أثناء مرافقته للقائد اليوناني الإسكندر المكدوني في حملاته العسكرية من ناحية ثانية مكنته من إدراك الكثير من الظواهر الطبيعية والحيوية والإنسانية، والانطلاق من الأسس العلمية في وصفها وتفسيرها. ويعتبر كتابه(في النفس) دليلاً على أن علم النفس قد صار حتى ذلك الحين ميداناً متميزاً إلى حدٍّ لا بأس به من ميادين المعرفة.
لقد وجد المعلم الأول أن ثمة علاقة بين الصفات والخصائص التي تتمتع بها النباتات والحيوانات من جهة، والشروط الطبيعية المحيطة بها من جهة ثانية. فهناك تباين بين الكائنات الحية التي تعيش في الجبال ونظيراتها التي تعيش في السهول، وبين هذه وتلك ومثيلاتها التي تعيش في الصحارى أو في المناطق الساحلية.
وانطلاقاً من هذه النظرة المورفولوجية حدد أرسطو موقفه من النفس، وطرح موضوعة اتحاد البدن والروح، وعدم إمكانية الفصل بينهما إلا عن طريق التجريد. ورأى أنَّ من غير الممكن تقسيم النفس أو الروح إلى أجزاء كما فعل أفلاطون. ولكنه وجدها تتخذ أشكالاً متعددة، وتتجسد في مستويات وقدرات متباينة، كالقدرة على التغذية، والقدرة على الحس، والقدرة على الحركة، والقدرة على الفهم. وإن هذه القدرات مجتمعة هي –في اعتقاده- خاصية الإنسان وحده دون سائر الكائنات الحيّة الأخرى. والقدرات الثلاث الأولى خاصية الحيوان. بينما لا يتمتع النبات إلا بالقدرة على التغذية فقط.
وعلى هذا الأساس الارتقائي أكد أرسطو أن الإنسان هو النفس والجسد في وحدتهما. بيد أنه يعود في فصل لاحق من كتابه المذكور ليفرق بين النفس في ذاتها كعقل خالص، والنفس كعرض تتمتع بثلاث قوى: الحس المشترك والذاكرة والتخيل. ولما كان العقل –في رأيه- جوهراً لا تتناوله الحركة ولا يعرف التغير ولا التبدل، فإنه ليس عرضة للفناء. وإن كان فناؤه أو فساده بعد أن ينتابه الضعف والوهن في المراحل المتقدمة من عمر الإنسان، فلا يعني ذلك أن النفس قد أصيبت بأمر ما، وإنما يعني أن الفرد الذي تقيم فيه النفس هو الذي أصيب.
أما القوى الثلاث(الحس المشترك والذاكرة والتخيل) فترجع من حيث الطبيعة والنشأة، إلى الإنسان الذي يحمل النفس. وهي لا تشترك مع العقل في شيء. ويذهب أرسطو إلى أن وظيفة هذه القوى هي تمكين الإنسان من التفاعل مع محيطه عن طريق ما تزوده به من معارف حسية حول أشياء هذا المحيط ومظاهره.
بوح الروح
إن الحديث عن الفكر السيكولوجي بدءاً من الفلسفة اليونانية لا يعني مطلقاً أنَّ الفلسفات التي سبقتها لم تعن بهذا الجانب المعرفي، بل إنها حملت الكثير من الآراء والملاحظات التي عكست اهتمام أصحابها بطبيعة الإنسان ونشاطه النفسي، على الرغم من الطابع الميتافيزيائي لها. ولقد أثرت هذه الفلسفات على التطور الذي عرفه الفكر الفلسفي في بلاد اليونان. ويشير مؤرخو الفلسفة، مثلاً، إلى بصمات الفلسفة المصرية الواضحة على تعاليم الفلاسفة اليونانيين، وخاصة تاليس الذي يعتبر مؤسس الفلسفة القديمة.
تنسب إلى تاليس (640-547 ق. م) الحكمة المشهورة "اعرف نفسك" التي أصبحت المبدأ الرئيسي الذي اعتمد عليه سقراط في تعاليمه. وتقدم مدلولات هذه الحكمة الدليل الواضح على محاولة حكماء تلك الحقبة فهم السلوك الإنساني ومكانة الإنسان في هذا الكون.
ذلك لأن وجود الإنسان وأصله ومآله كانت إحدى المشكلات التي حاول تاليس البحث فيها ومعالجتها. فقد رأى أن الإنسان كائن يتألف من عنصرين رئيسيين متناقضين، الجسد أو البدن من جهة، والنفس أو الروح من جهة ثانية.
ويشاطر فيثاغورس (578-450 ق. م) وأتباعه تاليس نظرته إلى العلاقة بين الجسم والنفس كجوهرين لا صلة لأحدهما بالآخر من حيث أصله وطبيعته. ويقول فيثاغورس بإمكانية انتقال الروح من إنسان إلى آخر، أو إلى أي كائن حي، بعد الموت. وهذا ما يعرف بتناسخ الأرواح. وقد لاقت هذه الفكرة صدى إيجابياً لدى بعض الفلاسفة اليونانيين. كما وجدت طريقها إلى معتقدات عدد من المذاهب الدينية المختلفة في مراحل متأخرة من التاريخ العالمي. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن فيثاغورس لم يكن أول من طرح هذه الفكرة، وإنما نقلها عن الفلسفتين القديمتين: المصرية والهندية.
ثم جاء الفيلسوف سقراط(470-399ق. م) ليطوّر نظرة تاليس إلى الإنسان، معلناً أن الجوهر الأول، أي النفس العاقلة أو الروح، هو جزء من العقل الكلي أو الروح الإلهية. أما البدن فيتألف من عناصر العالم المحسوس: الماء والتراب والنار والهواء. وبما أن النفس الإنسانية هي جزء من الروح الإلهية التي تسيطر على الظواهر والحوادث والأشياء الكونية، فإنَّ بإمكان الإنسان السيطرة على بدنه والتحكم برغباته وشهواته.
وعلى هذا فالنفس، من خلال هذا التصور، تشارك فيما هو إلهي، وهنا يبرز مغزى الشعار الذي رفعه سقراط "اعرف نفسك بنفسك". فمعرفة الإنسان لذاته تتوقف، في رأي سقراط، على الارتداد أو الرجوع إلى النفس وتأملها والوقوف على ما هو مشترك بينها وبين الروح الإلهية، أي بين الإنسان وبين الله.
وانطلاقاً من طبيعة كل من الجوهرين(النفس والبدن) يعتقد سقراط أن للنفس القدرة على البقاء بذاتها والخلود بعد مفارقتها الجسد، ما دامت تستمد حركتها من ذاتها، أي من الروح الإلهية. وهي على العكس من الجسد الذي يفنى لأنه يستمد حركته من الخارج.
تأثر أفلاطون(427-347 ق.م) بأستاذه إلى حد كبير. وهذا ما يظهر بجلاء عبر نظرته إلى طبيعة الروح والجسد ومصير كل منهما. والبرهنة على خلود الروح –بالنسبة له- تكون عن طريق المعرفة ذاتها؛ إذ من غير الممكن في رأيه تقديم تفسير صحيح وكامل للمعرفة من غير أن تتأمل الروح المثل التي تنتمي إليها قبل أن تحل في البدن. وهنا يطرح أفلاطون نظريته في المعرفة.
فالمعرفة الحقة تتم –في اعتقاد أفلاطون- عن طريق عملية التذكر التي يقوم بها الإنسان أثناء نشاطه الحياتي لما كانت النفس قد تمثلته قبل هبوطها إلى الأرض. فما ينتاب الإنسان من مشاعر وأحاسيس خلال مراحل حياته. وما يدركه من حوادث وأشياء وعلاقات على هذه الأرض، ما هو إلا الانطباعات والصور التي حملتها الروح معها من عالم المثل.
ويجد أفلاطون أن النشاط النفسي الدائم هو دليل خلود الروح. فالروح لا تعرف السكون، ولا تكف عن الحركة لأنها تستمد هذه الحركة من ذاتها. وهي، فوق ذلك، منزهة عن الموت باعتبارها مبدأ كل حركة. ولما كان هذا شأنها، فهي تشبه المثل المطلقة الخالدة، خلافاً للجسد الذي ينتمي إلى العالم المحسوس ويتركب من العناصر الفانية.
وعلى هذا فالإنسان –كما يراه أفلاطون- نفس وبدن. ويعتبر الارتباط بينهما ضرباً من تلاقي الأضداد واجتماعها. فالبدن يحول دون المعرفة الحقيقية لما يثيره من فوضى وتشويش في العمليات المعرفية. أما النفس فهي عقل خالص يتأمل جوهر الأشياء ويدرك كنهها. ولكنها تتعرض للعديد من المصاعب والضلالات حين يجرها البدن نحو الأشياء المحسوسة وتلبية الرغبات والشهوات الجسدية(الكهف الأفلاطوني).
وبما أن النفس كانت تعيش في عالم القيم السامية والمثل الرفيعة، ثم هبطت إلى عالم الفناء والتفسخ والفساد عقاباً لها، فإنها تتميز بعد اتحادها بالجسد عن النفس في ذاتها، أي قبل اتحادها به، إذ تتحول عندئذ إلى جسدية على نحو ما. وتبعاً لنسبة هذا التحول تتحدد قدرتها على معرفة الحقيقة وتجاوز الرغبات والشهوات واللذات الجسدية. وهذا ما حدا بأفلاطون إلى تقسيم النفس إلى ثلاثة أقسام:
1-الحكمة، ومركزها الرأس. وهي أعلى أقسام النفس مرتبة وأرقاها منزلة.
2-الشهوة، ومركزها البطن. وهي أدنى مراتب النفس وأحطها.
3-الشجاعة، ومركزها القلب. وهي تشغل الموقع الوسط بين الحكمة والشهوة.
ويرى أفلاطون أنَّ هذه الأقسام توجد عند الناس بأشكالٍ متباينة ودرجاتٍ متفاوتة. فقد تتغلب الحكمة على الشجاعة والشهوة عند البعض، في حين تسود الشهوة على الحكمة والشجاعة عند البعض الآخر، أو الشجاعة على الحكمة والشهوة عند الفئة الثالثة.
ويربط أفلاطون بين هذه الأقسام والانتماء الاجتماعي والطبقي للناس. فيجد أن المجتمع يتألف من ثلاث طبقات، تضمّ أولاها الحكام والفلاسفة الذين تسيطر الحكمة على أفعالهم وسلوكياتهم. وينتمي إلى الثانية منها العبيد والحرفيون وعامة الناس. ويتّسم هؤلاء بغلبة الشهوة على القسمين الآخرين. أما الطبقة الثالثة فتشمل القادة العسكريين والجند والمقاتلين. ويطغى جانب الشجاعة لديهم على سواه.
وهنايتجلى الموقف الطبقي لأفلاطون وانحيازه إلى الطبقة(الأرستقراطية) الحاكمة، باعتبارها الطبقة المختارة التي أعطيت من النفس أرقى أجزائها وأسمى جوانبها، ووهبت أفضل القدرات العقلية لتتمكن –حسب زعمه- من تدبير أمور البلاد وتنظيم شؤون المجتمع. أما العبيد والحرفيون والعامة من الناس والفلاحون فقد خلقوا للعمل من أجل الطبقة الحاكمة والجيش وسخروا من أجل خدمتهم.
إن موقف أفلاطون الطبقي ينعكس في آرائه التربوية. فقد اقترح إقامة بيوت عامة تتولى رعاية الأطفال منذ ولادتهم وحتى السابعة من العمر، ويشرف على تسييرها أناس مدربون ومختصون ومن ثم يجب أن يلتحق هؤلاء الأطفال بالمدرسة ليتلقوا فيها مختلف أنواع المعرفة.
ويظل حالهم هكذا حتى يبلغوا العشرين من العمر، فمن يظهر منهم ميلاً نحو الحكمة ينبغي على الدولة تشجيعه وتوفير الشروط اللازمة لتلقي العلوم من أجل أن يصبح قادراً على الإسهام في تسيير شؤون الدولة بعد الثلاثين من العمر. بينما يتوجب على من تبقى من الشباب بعد العشرين أن يلتحق بالجيش.
وعندما يتحدث أفلاطون عن تربية الأطفال ورعايتهم وإعدادهم، فإنه لا يعني سوى أبناء الطبقة الغنيّة في المجتمع. أما أبناء العبيد والسواد الأعظم من الشعب فلم يكونوا موضوع اهتمامه وحديثه عن التربية والتعليم.
جاء أرسطو(384-322 ق. م) بعد ذلك وحاول تذليل الثنائية التي قال بها سابقوه.
ولعلَّ المعطيات المتقدمة نسبياً في مجال الطب وعلم الأحياء يومذاك من ناحية، وملاحظاته العلمية التي قام بها أثناء مرافقته للقائد اليوناني الإسكندر المكدوني في حملاته العسكرية من ناحية ثانية مكنته من إدراك الكثير من الظواهر الطبيعية والحيوية والإنسانية، والانطلاق من الأسس العلمية في وصفها وتفسيرها. ويعتبر كتابه(في النفس) دليلاً على أن علم النفس قد صار حتى ذلك الحين ميداناً متميزاً إلى حدٍّ لا بأس به من ميادين المعرفة.
لقد وجد المعلم الأول أن ثمة علاقة بين الصفات والخصائص التي تتمتع بها النباتات والحيوانات من جهة، والشروط الطبيعية المحيطة بها من جهة ثانية. فهناك تباين بين الكائنات الحية التي تعيش في الجبال ونظيراتها التي تعيش في السهول، وبين هذه وتلك ومثيلاتها التي تعيش في الصحارى أو في المناطق الساحلية.
وانطلاقاً من هذه النظرة المورفولوجية حدد أرسطو موقفه من النفس، وطرح موضوعة اتحاد البدن والروح، وعدم إمكانية الفصل بينهما إلا عن طريق التجريد. ورأى أنَّ من غير الممكن تقسيم النفس أو الروح إلى أجزاء كما فعل أفلاطون. ولكنه وجدها تتخذ أشكالاً متعددة، وتتجسد في مستويات وقدرات متباينة، كالقدرة على التغذية، والقدرة على الحس، والقدرة على الحركة، والقدرة على الفهم. وإن هذه القدرات مجتمعة هي –في اعتقاده- خاصية الإنسان وحده دون سائر الكائنات الحيّة الأخرى. والقدرات الثلاث الأولى خاصية الحيوان. بينما لا يتمتع النبات إلا بالقدرة على التغذية فقط.
وعلى هذا الأساس الارتقائي أكد أرسطو أن الإنسان هو النفس والجسد في وحدتهما. بيد أنه يعود في فصل لاحق من كتابه المذكور ليفرق بين النفس في ذاتها كعقل خالص، والنفس كعرض تتمتع بثلاث قوى: الحس المشترك والذاكرة والتخيل. ولما كان العقل –في رأيه- جوهراً لا تتناوله الحركة ولا يعرف التغير ولا التبدل، فإنه ليس عرضة للفناء. وإن كان فناؤه أو فساده بعد أن ينتابه الضعف والوهن في المراحل المتقدمة من عمر الإنسان، فلا يعني ذلك أن النفس قد أصيبت بأمر ما، وإنما يعني أن الفرد الذي تقيم فيه النفس هو الذي أصيب.
أما القوى الثلاث(الحس المشترك والذاكرة والتخيل) فترجع من حيث الطبيعة والنشأة، إلى الإنسان الذي يحمل النفس. وهي لا تشترك مع العقل في شيء. ويذهب أرسطو إلى أن وظيفة هذه القوى هي تمكين الإنسان من التفاعل مع محيطه عن طريق ما تزوده به من معارف حسية حول أشياء هذا المحيط ومظاهره.
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح