من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحديد الفترة الزمنية التي بدأ التفكير فيها بالصفات والخصائص التي يتميز بها إنسان من سواه من الناس بدقة. ومن باب التقريب يمكن القول بأن تأمل الإنسان لصفاته الخارجية والداخلية بدأ مع بداية الفكر الإنساني. فمنذ العصور القديمة، حيث أخذ الوعي الاجتماعي بالتشكّل، ما انفك الإنسان يعكس خصائصه سلباً أو إيجاباً، في موقفه من ظواهر الطبيعة، ويجسدها في نتاجه الثقافي بوجه عام. وربما كانت الصفات الجسدية وما يتمتع به من إمكانيات عضلية في مقدمة ما لفت انتباهه واهتم به وتحدث عنه على مستوى الذات، كطول القامة وحجم الجسم ولون البشرة والعينين والشعر وشكل الرأس.. الخ. وبعد ذلك وبحكم تطوره وظهور حاجات ودوافع جديدة لديه أخذ "يتلمس" البعد النفسي الداخلي في تلك الذات. بيد أن هذا الأمر لم يكن بالنسبة له آنذاك يسيراً، وتفصيلاته لم تكن بمتناول قدراته. فجاءت تقويماته لذاته خرافية وأسطورية. وهذا ما يفسره استخدامه لمفاهيم من مثل الخير والشر، الجمال والقبح، الدّعة والعدوان، العدل والظلم كتعبيرات عن النفس وربطها بقوى أو ظواهر غيبية.
إن السمة الأساسية التي طبعت فكرة الإنسان في تلك المرحلة عن خصائصه الجسمية والنفسية هي الحسية والعملية. فمن خلال اتصاله المباشر مع عالمه الخارجي تكونت لديه معايير ومقاييس معينة، وعبر تجربته الحسية كان يتعرف على خصائصه وخصائص الآخرين. وبغض النظر عن صحة تلك المعايير والمقاييس من الناحية الأدبية والأخلاقية، فإنها، ولا شك، طبقت على جميع الأفراد المتواجدين في مكان واحد، وجرت بوساطتها مقارنتهم بعضهم ببعض، ومنه أمكن الوقوف على الفروق القائمة بينهم من حيث صفاتهم الجسدية والاجتماعية والأخلاقية وسواها.
والسؤال الذي يطرح نفسه عبر هذا السياق الفكري هو: إلى أي حدّ استطاعت تلك المقاييس والمعايير أن تفي بغرض تقويم الإنسان لذاته وتحديد هويته، والوقوف، من ثمّ، على أوجه التشابه والتباين بين الأفراد؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي معرفة طبيعة وخصائص الفكر الذي كانت تلك المقاييس والمعايير نتاجاً له.
لقد ألمحنا إلى أن الفكر آنذاك كان ذا طابع حسي وعملي ومباشر لم يرق بحامله إلى مستوى التعميمات النظرية أو العلمية للظواهر والأفعال. ولهذا فقد جاءت تلك المعايير والمقاييس لتعكس هذه الخصائص وتقتصر على الجوانب المحسوسة والمباشرة في شخصية الإنسان(الصفات العضوية) دون الجوانب الداخلية، المجردة، كالقدرات العقلية وعلاقاتها بالحالات الوجدانية. يضاف إلى ذلك أنها حين كانت تتناول الظواهر النفسية، إنما كانت تفعل ذلك عبر تأثيراتها المحسوسة والمباشرة في العالم الخارجي، وعلاقتها ذات الأصول المنفصلة عن الإنسان وصفاته الجسمية تحديداً. وظلت عمليات تقويم الإنسان ومقارنته بغيره من أبناء جلدته تتم على هذا الأساس دون الإشارة إلى أي ارتباط جوهري أو صلة أساسية بين صفاته أو خصائصه. واستمر الحال على هذا النحو إلى أن بلغ الفكر الإنساني مستوى أرقى، تمثل في الفلسفات القديمة، كالصينية والهندية والمصرية والبابلية واليونانية. وكان على ذلك الارتباط وتلك الصلة أن ينتظرا هيبوقريطس "أبا الطب" وتيوفراست "مؤسس علم النبات" ليؤكدا عليهما. فقد شدد الأول- كما سبقت الإشارة إلى ذلك في فصل سابق- على العلاقة الوطيدة بين الجانب المادي والجانب السلوكي في شخصية الإنسان. ووضع الثاني، وهو تلميذ أرسطو المفضل، تصنيفاً للسلوكيات البشرية على أساس اختلاف طبائع الناس وتباين أمزجتهم. ولقد احتفظت آراء هذين المفكرين بقوتها قروناً طويلة، وكانت منطلقاً في بناء ما عرف في القرن الحالي بعلم النفس الجبلي. ويتجلى ذلك في أعمال روستان وبافلوف وكرتشمر وشلدون.
غير أن أفكار معظم العلماء الذين أسهموا في إقامة هذا العلم، وإن حاولت الإفادة من معطيات التشريح والفيزيولوجيا، وخاصة الأخيرة منها، بقيت أقرب إلى الفهم العامي منها إلى التفسير العلمي المبني على التجربة والملاحظة الدقيقة والقياس. وعلى الرغم من أنها اتخذت من العلاقة المتبادلة بين العضوية والنفس منطلقاً وسبيلاً، فقد كانت، في ذات الوقت، أسيرة الجانب المحسوس في تلك العلاقة. فتوفر إمكانية ملاحظة الصفات العضوية وقياسها، وما يقابل ذلك من صعوبة في تعقب الصفات النفسية والتعرف عليها بسبب ضعف الإمكانيات العلمية ووسائل التجريب والقياس قد يكون السبب في ذلك. وهذا ما يؤكده، بصورة قاطعة، التقدم الطبي والفيزيولوجي والنجاحات التي أحرزها علم الأحياء قبل ظهور علم النفس بزمن طويل.
فإلى جانب الاهتمام المتعاظم بالوضع الصحي للإنسان(كدافع قوي يحرك الباحثين نحو مزيد من الكشف عن مصادر تحسين هذا الوضع وشروطه وأدواته) فقد وفر العلم والتقنية شروط ذلك التقدم وتلك النجاحات على شكل أجهزة وأدوات وطرائق.
وثمة مثال آخر، يبدو أكثر تحديداً وقدرةً على البرهنة على سهولة تناول الصفات الجسمية في الدراسات العلمية بالمقارنة مع مظاهر النفس وتجلياتها. فقد كانت العلامات الجسمية للناس، كطول القامة والوزن أقرب منالاً بالنسبة للعالم كيتيليه. بينما لم يكن الأمر بهذه البساطة حينما كان يتعلق بالعلامات النفسية وتوزعها بين الأفراد. فجاءت الأحكام في القضايا التي تمس هذا الجانب غير صحيحة، بل تعسفية في بعض الأحيان نتيجة الإبهام الذي كان يكتنفها وقلة المعطيات والمعارف المتعلقة بأسبابها. وهذا ما كشفت عنه قضية فصل كينبروك من عمله في مرصد غرينتش ومضاعفاتها. فلقد أماطت هذه الحادثة اللثام عن الكثير من الوقائع المجهولة وفتحت الباب ضمن المجرى العام لتطور النشاط العلمي أمام عدد هائل من الدراسات التي تناولت الفروق الفردية على كافة مستويات الوعي الإنساني. وكانت بواكيرها متواضعة، اقتصرت على المستويات الدنيا من الوعي كقياس سرعة الاستجابة عند الناس واختلافهم فيها. غير أنها سرعان ما تطورت واكتسبت طابعاً أكثر ثراء وتعقيداً بفضل جهود رواد علم النفس ونشاطاتهم في المدارس والمصانع والمستشفيات التي انتشرت على نطاق واسع في أوربة والولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتتمثل تلك الجهود والنشاطات في دراسة الخصائص الفردية لدى الناس. ومن بين هؤلاء الرواد كريبلين وكاتل ولازورسكي وشتيرن وبينيه وغالتون.
قام إميل كريبلين(1856- 1926م) بتطبيق المنهج التجريبي في عيادة الطب النفسي. فقد أنشأ مخبراً على غرار مخبر فوندت ألحقه بالعيادة التي كان يعالج فيها مرضاه. وفي هذه الظروف العملية والتدريبية عمل على تغيير وجهة التجربة المخبرية وإخضاعها لمهمة الكشف عن العلامات النفسية الفارقة والتأليف فيما بينها وتكوين لوحة يعرف الفرد من خلالها ويتميز بها عن غيره من الناس.
أما لازورسكي فقد نشر مقالاً حول "الوضع الراهن لعلم النفس الفردي" ضمن كتاب صدر عام 1897 تحت إشراف بختيرف بعنوان "تعليقات الطب النفسي"، تعرض فيه إلى أهم الدراسات في ميدان الفروق الفردية والنتائج الإيجابية التي تحققت في هذا الميدان على الصعيد العملي. وبعد مضي ثلاث سنوات، أي في عام 1900، نشر وليم شتيرن W. Stern كتاباً بعنوان "علم نفس الفروق الفردية(أفكار حول علم النفس الفارقي)". وليس من المستبعد أن يكون شتيرن أول من استخدم مصطلح "علم النفس الفارقي" ليعبر من خلاله عن ميدان من ميادين علم النفس أو فرع من فروعه يتخذ من سمات الشخصية وتفاوت مقاديرها عند الأفراد موضوعاً له.
وكان غالتون- كما سبقت الإشارة- قد بدأ قبل ذلك التاريخ بحوثه حول الفروق الفردية. وابتكر لهذا الغرض تقنيات متطورة كان في مقدمتها المنهج الإحصائي. وفي تلك البحوث أخضع عدداً كبيراً من الصفات والخصائص النفسية للقياس الكمي ومستوى توافرها لدى أبناء مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية. وانتهى على أساسها إلى وضع سلم يتألف من أربع عشرة درجة، ينتمي ضعاف العقل إلى الدرجات الأولى أو الدنيا منه، يليهم الناس العاديون الذين يقعون على الدرجات الأعلى، ومن ثم الأفراد المتوسطون في قدراتهم العقلية، والذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى. ويقل عدد الذين يتوضعون على الدرجات العليا من هذا السلم ليصل في الدرجة الأخيرة إلى شخص واحد من كل مليون.
ومع أن غالتون يعد أول من قام بتصنيف الناس بمثل تلك الأدوات والوسائل الأصيلة، إلا أن أعماله كانت تتسم بالصبغة الذاتية التي توجهها الأحكام القبلية. فقد كان هدفه المركزي يكمن في إثبات دور الوراثة الحاسم في الحياة النفسية، وأن الأذكياء ينجبون الأذكياء، والأغبياء لا يلدون إلا الأغبياء. وهذا ما عبر عنه فيليب فرنون بوضوح حين قال: "ولكنه(غالتون "ب.ع.)" كان يفتقد الوسائل الموضوعية لقياس أي درجة للفرد. كان غالتون مهتماً بالتشابه بين الآباء والأبناء على أمل أن يثبت أن القدرة العقلية تتحدد وراثياً بصورة أساسية، على الرغم من أنه كان يدرك أن أكثر الأفراد موهبة تربوا في بيئات ذات إثارة عقلية"(1988، 7، .
ومن ألمانيا وانكلترا يعود كاتل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو مزود بتقنيات البحث السيكولوجي وبفيض من الحماسة والجرأة العلميتين ليقود سلسلة من البحوث في علم النفس الفارقي. وقد أعد لهذه الغاية مجموعة من الروائز، وحرص على أن تكون وسيلته هذه موضوعية فقام بتحريرها من الأثر الثقافي، وخصصها لقياس الذكاء عند ممثلي مختلف الجنسيات والثقافات*.
كما اختبر مواطنه جوزيف جاسترو عدداً كبيراً من زوار معرض شيكاغو للتعرف على مدى اختلافهم في القدرات الحسية والحركية.
وفي السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر برز ألفرد بينيه(1857- 1911) على الساحة العلمية من خلال اهتمامه بالفروق الفردية بين البشر. فقد نشر عام 1895 بالتعاون مع زميله هنري مقالة حول علم النفس الفردي ضمناها ملاحظاتهما العيادية حول تفاوت الناس من حيث القدرة على الحفظ والاسترجاع. واعتمد المؤلفان في بحثهما عن أسباب ذلك على إحدى دراسات شاركو التجريبية وتوصلا إلى أنَّ تلك الأسباب ترجع إلى وجود نمطين من التذكر عند الناس: النمط الحسي والنمط الحركي. وخلال تلك الأعوام كان بينيه يتابع نمو القدرات العقلية لدى ابنتيه بصورة مستمرة ومنتظمة.
ومع بداية القرن العشرين كلفت السلطات التربوية الفرنسية بينيه بمهمة إيجاد وسيلة لفرز التلاميذ الأسوياء عن أترابهم المتخلفين عقلياً وتحديد أسباب التخلف العقلي وعوامله. قبل بينيه التكليف وبدأ عمله مع زميله الطبيب تيوفيل سيمون Theophile Simon ضمن أطر مختلفة إلى حد بعيد عن تلك التي عمل من خلالها كل من غالتون وكاتل. ولعل الظروف الثقافية والعلمية التي كانت تحيط ببينيه، زيادة على طبيعة وأهداف المهمة التي تحمل مسؤولية أدائها، هي التي كانت وراء رسم الأطر الجديدة. فقد انطلق من ضرورة الانتقال من دراسة بعض العمليات النفسية البسيطة، كالإحساس والتصور وزمن الرجع إلى دراسة القدرات العقلية المعقدة التي يكتسب الإنسان بفضلها خبراته ويمارس نشاطاته الإنسانية المتعددة. ومن هنا راح بينيه يبحث عن أساس موضوعي لتحديد مستوى نمو تلك القدرات، كالحكم والفهم والاستدلال واللغة والتذكر والتخيل والانتباه الإرادي، أو ما عرفه فيما بعد بالذكاء. ولقد قادته محاولاته ومتابعاته إلى وضع مقاييس خاصة على صورة اختبارات(روائز)، ومن ثم إلى تحديد الأعمار العقلية كوسيلة كشفٍ عن الفروق الفردية بين التلاميذ ومعرفة مداها. وفي تلك الأثناء لاحظ أن كل عمر زمني يقابله مستوى من القدرات العقلية(الذكاء). واستناداً إلى هذه الفرضية صمم بينيه مجموعة من الروائز، خصص كل واحد منها لقياس عمر معين. وبذا يكون بينيه قد وضع حجر الأساس في بناء الاختبار السيكولوجي كطريقة موضوعية لقياس الذكاء البشري: وقد نشرت هذه الروائز لأول مرة عام 1905 بعنوان مقياس بينيه- سيمون.
يشتمل مقياس بينيه- سيمون في صورة عام 1905 على 30 اختباراً مرتبة تصاعدياً تبعاً لدرجة صعوبتها. وهي معدة لقياس عدد هام من الوظائف العقلية. ولدى تطبيق المقياس لاحظ بينيه وسيمون وجود بعض الثغرات والسلبيات فيه، مما دفعهما إلى إدخال تعديلات عليه تمثلت بإضافة عدد من الأسئلة عليه وحذف عدد آخر منه. وظهر المقياس بصورة جديدة عام 1908 ولكنه لم يسلم من الملاحظات والانتقادات، الأمر الذي اضطر بينيه(وهذه المرة لوحده) إلى إعادة النظر فيه إضافة وحذفاً وتعديلاً، ونشره عام 1911.
وبفضل هذا المقياس أصبح بالإمكان حساب مستوى الذكاء، أو ما اصطلح عليه معامل الذكاء (IQ) Intelligence Quotient عند الفرد، وذلك بعد معرفة عمره الزمني (CA) Chronological Age وعمره العقلي
(MA) Mental Age وللوصول إلى ذلك يطرح أمام الفرد(الطفل) الرائز المخصص لعمره الزمني. فإذا لم يستطع أن يجيب على جميع الأسئلة التي يتضمنها هذا الرائز بصورة صحيحة يطلب منه حل رائز آخر مخصص لسن دون سنه. وإذا لم يتمكن من الإجابة على أسئلته يطلب منه حل اختبار آخر مخصص لسن دون السن التي خصص لها الرائز الثاني وهكذا إلى أن يتوصل إلى الإجابة الصحيحة على أسئلة أو مسائل الرائز المقترح. وفي حال تمكنه من حل الرائز المخصص لسنه يوضع أمامه رائز ثان مخصص لسن أكبر، فإن عجز عن حل مسائله كان ذا ذكاء متوسط. وإن تمكن من حلها يطرح عليه رائز ثالث مخصص لمن هم أكبر منه بعامين... وهكذا يتواصل تقديم الروائز المخصصة للسنوات الأعلى المتتالية إلى أن يبدي الطفل عجزه عن حل مسائل الرائز المقترح. ويحسب معامل الذكاء وفق الصيغة التالية:
العمر العقليMA) )
العمر الزمنيCA))
وللتوضيح نسوق المثال التالي: إذا كان المفحوص هو طفل في الثامنة من العمر، فإن الرائز الأول الذي ينبغي طرحه عليه هو الرائز المخصص لهذا العمر. ولنفترض أن هذا الطفل نجح في حل مسائل هذا الرائز ولكنه أخفق في حل مسائل رائز مخصص لسن أعلى من سنه، أي للسن التاسعة، فإن معامل ذكائه يكون 8/8 × 100 = 100. وهذا يعني أنه متوسط الذكاء.
ولنفترض أيضاً أن هذا الطفل لم يتمكن من حل مسائل الرائز المخصص لسنه، ولكنه استطاع أن يجيب على أسئلة الرائز المخصص لأبناء السابعة من العمر، فإن معامل ذكائه يكون: 7/8 × 100 = 87.5 وهذا الرقم يدل على أن مستوى ذكاء الطفل دون المتوسط وإن هو أخفق في حل مسائل الرائز المخصص لأبناء السابعة، وطرح عليه الرائز المخصص لأبناء السادسة، وتمكن من حل مسائله، فإن معامل ذكائه يكون: 6/8 × 100 = 75 وهذا يعني أنه ضعيف الذكاء.
وفي حال تمكن طفل في نفس السن(الثامنة) من حل مسائل الرائز المخصص لسن التاسعة، ولم يفلح في تقديم إجابات صحيحة على أسئلة الرائز التالي المخصص لأطفال العاشرة من العمر، فإن معامل ذكائه يساوي 9/8 × 100 = 112.5، أي أن ذكاءه فوق المتوسط.
ويتبين من خلال ما سبق أن بينيه ومن سار في طريقه ينظرون إلى الذكاء بوصفه تركيباً محدداً وثابتاً طوال حياة الفرد، ومسؤولاً عن الفروق بين الناس في التحصيل الدراسي والنشاطات الحياتية المختلفة. إنه، في رأيهم، موروث مثلما هو الحال بالنسبة للطول ولون البشرة، وتتحكم به المورثات التي ينقلها الآباء إلى الأبناء. وعليه فإن ما يعنيه القياس على نحو ما اقترحه بينيه هو تبيان مقدار ما ورثه الطفل عن أبويه من ذكاء، وتقرير مصيره في ضوء ذلك.
وهكذا تلتقي آراء غالتون وكاتل وبينيه بتعاليم النظريات التطورية حول دور الوراثة في الذكاء وتفاوت نسبته بين الناس. إنها تشكل امتداداً لها وتعميماً لمفاهيمها على الصعيد النفسي. فمن المعروف أن مبدأ التكيف مع الوسط الخارجي هو أحد الجوانب الأساسية لتلك النظريات، وأنه يشتمل، في الوقت ذاته، على مفهوم أساسي من مفاهيمها وهو الاصطفاء الطبيعي. فتحقق الأول كغاية يستدعي، بالضرورة، وجود الثاني كمظهر من مظاهر الوراثة. ولقد وجد هؤلاء العلماء وأضرابهم أن قوانين الوراثة ومفاهيمها هي القادرة على إعطاء تفسير سليم للفروق الفردية على الصعيدين النفسي والجسمي. وهذا ما يتجلى عبر نظرتهم إلى طبيعة الذكاء وتوزيعه بين الناس، وبصورة أوضح في دراستهم التي رموا من ورائها إلى تأكيد تلك النظرة.
وإذا كانت البحوث الميدانية تظهر أن من يتمتعون بقدر متوسط من الذكاء يؤلفون الأكثرية العظمى من الناس، وأن عدد الأفراد يتناقص كلما انحرف ذكاؤهم صعوداً أو هبوطاً عن المتوسط، فإن أصحاب هذا الاتجاه يعزون السبب إلى العامل الوراثي. ويرون أن الفروق بين الناس في الذكاء ظاهرة طبيعية وحتمية تمليها قوانين الوراثة العضوية، ولا دخل لظروف التنشئة الاجتماعية للفرد "ولذا فإن نسبة الذكاء المستمدة من اختبار ذكاء دقيق في فترة الطفولة- كما يقرر فرنون، أحد ممثلي هذا الاتجاه- تبين المستوى التربوي والمهني اللذين يمكن توقعهما للفرد في حياته المدرسية المقبلة، وفي حياته العلمية عندما يبلغ الرشد"(فرنون، 1988، 16).
وبصرف النظر عن الخلفيات الفكرية والاجتماعية لهؤلاء العلماء، فإنهم قدموا لعلم النفس من الجهد والعمل ما وسعهم، وأمدوه بوسائل وأدوات جديدة للبحث كثمرات طيبة لما بذلوه. فقد قوبل مقياس بينيه- سيمون بإعجاب واهتمام كبيرين من قبل العديد من السيكولوجيين، أمثال هنري جودارد Henry Goddard(الولايات المتحدة الأمريكية) وسيريل بيرت Syril Burt(في انكلترا). ونقل هذان العالمان المقياس إلى اللغة الانكليزية. وبعد أعوام قليلة، وفي عام 1916 تحديداً، أجرى لويس تيرمان Lewis Terman الأستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية مراجعة شاملة للمقياس وقام بتقنينه وأطلق عليه تواضعاً مقياس ستانفورد- بينيه. ثم أعاد تيرمان نفسه بمساعدة مود ميريل Moud Merril النظر في المقياس مرة ثانية. وظهر المقياس عام 1937 بصورتين متكافئتين(ل) و(م) (L)and(M) ليحمل هذه المرة اسم مقياس تيرمان- ميريل*. وفي عام 1960 قام أ. ماكنيمارا O. Mcnemara بمراجعة جديدة للمقياس أسفرت عن جمع الصورتين معاً.
كما لاقت دراسات غالتون وكاتل وتقنيات البحث التي ابتكراها استحساناً كبيراً وانتشاراً واسعاً. وجرى العمل على تطويرها وتحسين فعاليتها من جانب الأجيال اللاحقة من علماء النفس، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية. واكتسب مصطلح الرائز Test الذي أطلقه غالتون على الاختبارات التي كان يجريها في مخبره الأنتروبومتري شعبية كبيرة.
وما إن نشر كاتل مقالته(الروائز والمقاييس العقلية) عام 1890 في مجلة Mind مع خاتمة لغالتون حتى أصبح هذا المصطلح(الرائز) واحداً من أكثر المصطلحات السيكولوجية شيوعاً واستعمالاً. وعلى الأرجح أن تكون التحديدات الجديدة والأحكام الجريئة التي حملتها المقالة، وكذا حالة التأهب والاستعداد التي كانت موجودة لدى جمهور المشتغلين والمهتمين بعلم النفس وراء النجاح الذي أحرزه المصطلح ومدلولاته العلمية. فقد جاءت المقالة لتشدد على القيمة العلمية للروائز كطريقة في القياس النفسي، وأهميتها العملية كوسيلة للتعرف على السمات والخصائص النفسية لدى الناس والوقوف على الفروق القائمة بينهم.
لقد كان كاتل رجلاً عملياً. ولعل أكثر ما شغله وتحمس له طوال حياته العلمية هو موضوع الفروق الفردية. ولهذا نجده يشرع بتطبيق روائزه في المخبر الذي أنشأه في جامعة كولومبيا عام 1891. وفي تلك الفترة تقريباً أدخلت المخابر الأمريكية الأخرى هذه الطريقة وصارت تستخدمها. وحمل هذا الوضع معه أسباب نشوء مراكز خاصة تعنى بشؤون التنسيق بين نشاط تلك المخابر. ففي عامي 1895 و1896 تشكلت في الولايات المتحدة الأمريكية لجنتان على المستوى القومي للقيام بهذه المهمة.
ومن الناحية الثانية فإن تقنيات معالجة ما تقدمه الروائز من معطيات تتعلق بقدرات تلاميذ المدارس وعمال المصانع والمرضى وغيرهم استأثرت باهتمام معظم العلماء. ولقد ذكرنا سابقاً أن شغف غالتون بدراسة الفروق الفردية حفزه إلى وضع مجموعة من الاختبارات وتحديد أساليب تطبيقاتها والبحث في كيفية التعامل مع البيانات والمعطيات التي تسفر عن استخدامها. ومن أهم وسائل معالجة تلك البيانات والمعطيات التي بدأ بتطبيقها هي طريقة الارتباط بين السمات العقلية. ويعتبر عمل غالتون هذا مشروعاً بذل الباحثون أمثال بيرسون ووليام براون وسيريل بيرت وجود فري تومسون وتشارلز سبيرمان جهوداً ضخمة من أجل إثرائه وتطويره(فلوجل 1979، 95).
صاغ تشارلز سبيرمان(1860- 1943م) نظريته في القياس النفسي والفروق الفردية على أسس التحليل الرياضي للنتائج التي يقود إليها تطبيق الروائز. وتعد هذه النظرية أول نظرية تعتمد على التحليل العاملي. فبينما كان بينيه وسيمون يعدان قياسهما، نشر سبيرمان عام 1904 مقالة بعنوان "الذكاء، تحديده وقياسه موضوعياً" أرسى بها القواعد الأولية للاتجاه الجديد.
عرض سبيرمان أفكار معاصريه حول بناء الاختبارات وأساليب معالجة نتائجها. وعاب عليها اقتصارها على القدرات العقلية البسيطة وغياب التحديد الدقيق للذكاء. وبناء على ذلك صنف الباحثين إلى فئات ثلاث: تنظر الفئة الأولى منها إلى الذكاء كقدرة أو ملكة تجعلنا قوتها أو ضعفها نميز إنساناً من آخر(النظرية المونارشية Monarchic)، وتنظر الثانية إليه بوصفه مركباً من قدرات أو ملكات مستقلة، كالاستدلال والتخيل والتذكر والانتباه الإرادي(النظرية الأوليغارشية Oligarchic)، بينما ترى الفئة الثالثة أنه مؤلف من عدد كبير من القدرات التي تفتقر إلى العلاقات القوية التي توحدها(النظرية الفوضوية Anarchic). وكبديل لهذه الأفكار أو النظريات اقترح سبيرمان نظريته التي عرفت بنظرية العامِلَيْن. والفكرة الأساسية لهذه النظرية تتمثل في وجود عامل واحد تشترك فيه كل القدرات العقلية. وقد أطلق على هذا العامل العامل العام. ورمز إليه بحرف G(الحرف الأول من كلمة General الانكليزية وتعني العام). وبالإضافة إلى ذلك فإن تلك القدرات يختلف بعضها عن بعض، وتحتوي كل واحدة منها مكوناً خاصاً بها، أطلق عليهالعامل الخاص، ورمز إليه بحرفS (الحرف الأول من كلمة Specific) الانكليزية وتعني الخاص).
إن ما قصده سبيرمان من وراء طرحه لهذه الفرضية هو إثبات صحة ما تقود إليه الاختبارات العقلية من نتائج. فقد لاحظ أن ثمة ارتباطاً موجباً بين نتائج الاختبارات المختلفة على الرغم من تفاوتها وتمايزها. ولعله من المنطقي أن يطرح على سبيرمان سؤال حول طبيعة العاملين. وفي معرض الإجابة على هذا السؤال شبه سبيرمان العامل العام بطاقة المخ والعامل الخاص بالآلات، والنزوع بمهندس يشرف على تصريف هذه الطاقة وتشغيل تلك الآلات. بيد أن إجابته لم تكن لتقنع معارضيه. وظل السؤال مطروحاً على أتباعه من بعده.
ومع التذكير بالتحفظات التي أبداها سبيرمان على استخدام مصطلح الذكاء، فإنه كان يشاطر مستخدميه الرأي حول أهمية الوراثة ودورها الأساسي في الحياة الذهنية للفرد، ويؤكد أن العامل G يتكون بالضرورة عن طريق الوراثة.
ومهما يكن من أمر فقد فتح سبيرمان الباب أمام مناقشات أكثر حدة وأوسع نطاقاً حول مسائل علم النفس الفارقي وطرائقه.
بوح الروح
إن السمة الأساسية التي طبعت فكرة الإنسان في تلك المرحلة عن خصائصه الجسمية والنفسية هي الحسية والعملية. فمن خلال اتصاله المباشر مع عالمه الخارجي تكونت لديه معايير ومقاييس معينة، وعبر تجربته الحسية كان يتعرف على خصائصه وخصائص الآخرين. وبغض النظر عن صحة تلك المعايير والمقاييس من الناحية الأدبية والأخلاقية، فإنها، ولا شك، طبقت على جميع الأفراد المتواجدين في مكان واحد، وجرت بوساطتها مقارنتهم بعضهم ببعض، ومنه أمكن الوقوف على الفروق القائمة بينهم من حيث صفاتهم الجسدية والاجتماعية والأخلاقية وسواها.
والسؤال الذي يطرح نفسه عبر هذا السياق الفكري هو: إلى أي حدّ استطاعت تلك المقاييس والمعايير أن تفي بغرض تقويم الإنسان لذاته وتحديد هويته، والوقوف، من ثمّ، على أوجه التشابه والتباين بين الأفراد؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي معرفة طبيعة وخصائص الفكر الذي كانت تلك المقاييس والمعايير نتاجاً له.
لقد ألمحنا إلى أن الفكر آنذاك كان ذا طابع حسي وعملي ومباشر لم يرق بحامله إلى مستوى التعميمات النظرية أو العلمية للظواهر والأفعال. ولهذا فقد جاءت تلك المعايير والمقاييس لتعكس هذه الخصائص وتقتصر على الجوانب المحسوسة والمباشرة في شخصية الإنسان(الصفات العضوية) دون الجوانب الداخلية، المجردة، كالقدرات العقلية وعلاقاتها بالحالات الوجدانية. يضاف إلى ذلك أنها حين كانت تتناول الظواهر النفسية، إنما كانت تفعل ذلك عبر تأثيراتها المحسوسة والمباشرة في العالم الخارجي، وعلاقتها ذات الأصول المنفصلة عن الإنسان وصفاته الجسمية تحديداً. وظلت عمليات تقويم الإنسان ومقارنته بغيره من أبناء جلدته تتم على هذا الأساس دون الإشارة إلى أي ارتباط جوهري أو صلة أساسية بين صفاته أو خصائصه. واستمر الحال على هذا النحو إلى أن بلغ الفكر الإنساني مستوى أرقى، تمثل في الفلسفات القديمة، كالصينية والهندية والمصرية والبابلية واليونانية. وكان على ذلك الارتباط وتلك الصلة أن ينتظرا هيبوقريطس "أبا الطب" وتيوفراست "مؤسس علم النبات" ليؤكدا عليهما. فقد شدد الأول- كما سبقت الإشارة إلى ذلك في فصل سابق- على العلاقة الوطيدة بين الجانب المادي والجانب السلوكي في شخصية الإنسان. ووضع الثاني، وهو تلميذ أرسطو المفضل، تصنيفاً للسلوكيات البشرية على أساس اختلاف طبائع الناس وتباين أمزجتهم. ولقد احتفظت آراء هذين المفكرين بقوتها قروناً طويلة، وكانت منطلقاً في بناء ما عرف في القرن الحالي بعلم النفس الجبلي. ويتجلى ذلك في أعمال روستان وبافلوف وكرتشمر وشلدون.
غير أن أفكار معظم العلماء الذين أسهموا في إقامة هذا العلم، وإن حاولت الإفادة من معطيات التشريح والفيزيولوجيا، وخاصة الأخيرة منها، بقيت أقرب إلى الفهم العامي منها إلى التفسير العلمي المبني على التجربة والملاحظة الدقيقة والقياس. وعلى الرغم من أنها اتخذت من العلاقة المتبادلة بين العضوية والنفس منطلقاً وسبيلاً، فقد كانت، في ذات الوقت، أسيرة الجانب المحسوس في تلك العلاقة. فتوفر إمكانية ملاحظة الصفات العضوية وقياسها، وما يقابل ذلك من صعوبة في تعقب الصفات النفسية والتعرف عليها بسبب ضعف الإمكانيات العلمية ووسائل التجريب والقياس قد يكون السبب في ذلك. وهذا ما يؤكده، بصورة قاطعة، التقدم الطبي والفيزيولوجي والنجاحات التي أحرزها علم الأحياء قبل ظهور علم النفس بزمن طويل.
فإلى جانب الاهتمام المتعاظم بالوضع الصحي للإنسان(كدافع قوي يحرك الباحثين نحو مزيد من الكشف عن مصادر تحسين هذا الوضع وشروطه وأدواته) فقد وفر العلم والتقنية شروط ذلك التقدم وتلك النجاحات على شكل أجهزة وأدوات وطرائق.
وثمة مثال آخر، يبدو أكثر تحديداً وقدرةً على البرهنة على سهولة تناول الصفات الجسمية في الدراسات العلمية بالمقارنة مع مظاهر النفس وتجلياتها. فقد كانت العلامات الجسمية للناس، كطول القامة والوزن أقرب منالاً بالنسبة للعالم كيتيليه. بينما لم يكن الأمر بهذه البساطة حينما كان يتعلق بالعلامات النفسية وتوزعها بين الأفراد. فجاءت الأحكام في القضايا التي تمس هذا الجانب غير صحيحة، بل تعسفية في بعض الأحيان نتيجة الإبهام الذي كان يكتنفها وقلة المعطيات والمعارف المتعلقة بأسبابها. وهذا ما كشفت عنه قضية فصل كينبروك من عمله في مرصد غرينتش ومضاعفاتها. فلقد أماطت هذه الحادثة اللثام عن الكثير من الوقائع المجهولة وفتحت الباب ضمن المجرى العام لتطور النشاط العلمي أمام عدد هائل من الدراسات التي تناولت الفروق الفردية على كافة مستويات الوعي الإنساني. وكانت بواكيرها متواضعة، اقتصرت على المستويات الدنيا من الوعي كقياس سرعة الاستجابة عند الناس واختلافهم فيها. غير أنها سرعان ما تطورت واكتسبت طابعاً أكثر ثراء وتعقيداً بفضل جهود رواد علم النفس ونشاطاتهم في المدارس والمصانع والمستشفيات التي انتشرت على نطاق واسع في أوربة والولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتتمثل تلك الجهود والنشاطات في دراسة الخصائص الفردية لدى الناس. ومن بين هؤلاء الرواد كريبلين وكاتل ولازورسكي وشتيرن وبينيه وغالتون.
قام إميل كريبلين(1856- 1926م) بتطبيق المنهج التجريبي في عيادة الطب النفسي. فقد أنشأ مخبراً على غرار مخبر فوندت ألحقه بالعيادة التي كان يعالج فيها مرضاه. وفي هذه الظروف العملية والتدريبية عمل على تغيير وجهة التجربة المخبرية وإخضاعها لمهمة الكشف عن العلامات النفسية الفارقة والتأليف فيما بينها وتكوين لوحة يعرف الفرد من خلالها ويتميز بها عن غيره من الناس.
أما لازورسكي فقد نشر مقالاً حول "الوضع الراهن لعلم النفس الفردي" ضمن كتاب صدر عام 1897 تحت إشراف بختيرف بعنوان "تعليقات الطب النفسي"، تعرض فيه إلى أهم الدراسات في ميدان الفروق الفردية والنتائج الإيجابية التي تحققت في هذا الميدان على الصعيد العملي. وبعد مضي ثلاث سنوات، أي في عام 1900، نشر وليم شتيرن W. Stern كتاباً بعنوان "علم نفس الفروق الفردية(أفكار حول علم النفس الفارقي)". وليس من المستبعد أن يكون شتيرن أول من استخدم مصطلح "علم النفس الفارقي" ليعبر من خلاله عن ميدان من ميادين علم النفس أو فرع من فروعه يتخذ من سمات الشخصية وتفاوت مقاديرها عند الأفراد موضوعاً له.
وكان غالتون- كما سبقت الإشارة- قد بدأ قبل ذلك التاريخ بحوثه حول الفروق الفردية. وابتكر لهذا الغرض تقنيات متطورة كان في مقدمتها المنهج الإحصائي. وفي تلك البحوث أخضع عدداً كبيراً من الصفات والخصائص النفسية للقياس الكمي ومستوى توافرها لدى أبناء مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية. وانتهى على أساسها إلى وضع سلم يتألف من أربع عشرة درجة، ينتمي ضعاف العقل إلى الدرجات الأولى أو الدنيا منه، يليهم الناس العاديون الذين يقعون على الدرجات الأعلى، ومن ثم الأفراد المتوسطون في قدراتهم العقلية، والذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى. ويقل عدد الذين يتوضعون على الدرجات العليا من هذا السلم ليصل في الدرجة الأخيرة إلى شخص واحد من كل مليون.
ومع أن غالتون يعد أول من قام بتصنيف الناس بمثل تلك الأدوات والوسائل الأصيلة، إلا أن أعماله كانت تتسم بالصبغة الذاتية التي توجهها الأحكام القبلية. فقد كان هدفه المركزي يكمن في إثبات دور الوراثة الحاسم في الحياة النفسية، وأن الأذكياء ينجبون الأذكياء، والأغبياء لا يلدون إلا الأغبياء. وهذا ما عبر عنه فيليب فرنون بوضوح حين قال: "ولكنه(غالتون "ب.ع.)" كان يفتقد الوسائل الموضوعية لقياس أي درجة للفرد. كان غالتون مهتماً بالتشابه بين الآباء والأبناء على أمل أن يثبت أن القدرة العقلية تتحدد وراثياً بصورة أساسية، على الرغم من أنه كان يدرك أن أكثر الأفراد موهبة تربوا في بيئات ذات إثارة عقلية"(1988، 7، .
ومن ألمانيا وانكلترا يعود كاتل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو مزود بتقنيات البحث السيكولوجي وبفيض من الحماسة والجرأة العلميتين ليقود سلسلة من البحوث في علم النفس الفارقي. وقد أعد لهذه الغاية مجموعة من الروائز، وحرص على أن تكون وسيلته هذه موضوعية فقام بتحريرها من الأثر الثقافي، وخصصها لقياس الذكاء عند ممثلي مختلف الجنسيات والثقافات*.
كما اختبر مواطنه جوزيف جاسترو عدداً كبيراً من زوار معرض شيكاغو للتعرف على مدى اختلافهم في القدرات الحسية والحركية.
وفي السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر برز ألفرد بينيه(1857- 1911) على الساحة العلمية من خلال اهتمامه بالفروق الفردية بين البشر. فقد نشر عام 1895 بالتعاون مع زميله هنري مقالة حول علم النفس الفردي ضمناها ملاحظاتهما العيادية حول تفاوت الناس من حيث القدرة على الحفظ والاسترجاع. واعتمد المؤلفان في بحثهما عن أسباب ذلك على إحدى دراسات شاركو التجريبية وتوصلا إلى أنَّ تلك الأسباب ترجع إلى وجود نمطين من التذكر عند الناس: النمط الحسي والنمط الحركي. وخلال تلك الأعوام كان بينيه يتابع نمو القدرات العقلية لدى ابنتيه بصورة مستمرة ومنتظمة.
ومع بداية القرن العشرين كلفت السلطات التربوية الفرنسية بينيه بمهمة إيجاد وسيلة لفرز التلاميذ الأسوياء عن أترابهم المتخلفين عقلياً وتحديد أسباب التخلف العقلي وعوامله. قبل بينيه التكليف وبدأ عمله مع زميله الطبيب تيوفيل سيمون Theophile Simon ضمن أطر مختلفة إلى حد بعيد عن تلك التي عمل من خلالها كل من غالتون وكاتل. ولعل الظروف الثقافية والعلمية التي كانت تحيط ببينيه، زيادة على طبيعة وأهداف المهمة التي تحمل مسؤولية أدائها، هي التي كانت وراء رسم الأطر الجديدة. فقد انطلق من ضرورة الانتقال من دراسة بعض العمليات النفسية البسيطة، كالإحساس والتصور وزمن الرجع إلى دراسة القدرات العقلية المعقدة التي يكتسب الإنسان بفضلها خبراته ويمارس نشاطاته الإنسانية المتعددة. ومن هنا راح بينيه يبحث عن أساس موضوعي لتحديد مستوى نمو تلك القدرات، كالحكم والفهم والاستدلال واللغة والتذكر والتخيل والانتباه الإرادي، أو ما عرفه فيما بعد بالذكاء. ولقد قادته محاولاته ومتابعاته إلى وضع مقاييس خاصة على صورة اختبارات(روائز)، ومن ثم إلى تحديد الأعمار العقلية كوسيلة كشفٍ عن الفروق الفردية بين التلاميذ ومعرفة مداها. وفي تلك الأثناء لاحظ أن كل عمر زمني يقابله مستوى من القدرات العقلية(الذكاء). واستناداً إلى هذه الفرضية صمم بينيه مجموعة من الروائز، خصص كل واحد منها لقياس عمر معين. وبذا يكون بينيه قد وضع حجر الأساس في بناء الاختبار السيكولوجي كطريقة موضوعية لقياس الذكاء البشري: وقد نشرت هذه الروائز لأول مرة عام 1905 بعنوان مقياس بينيه- سيمون.
يشتمل مقياس بينيه- سيمون في صورة عام 1905 على 30 اختباراً مرتبة تصاعدياً تبعاً لدرجة صعوبتها. وهي معدة لقياس عدد هام من الوظائف العقلية. ولدى تطبيق المقياس لاحظ بينيه وسيمون وجود بعض الثغرات والسلبيات فيه، مما دفعهما إلى إدخال تعديلات عليه تمثلت بإضافة عدد من الأسئلة عليه وحذف عدد آخر منه. وظهر المقياس بصورة جديدة عام 1908 ولكنه لم يسلم من الملاحظات والانتقادات، الأمر الذي اضطر بينيه(وهذه المرة لوحده) إلى إعادة النظر فيه إضافة وحذفاً وتعديلاً، ونشره عام 1911.
وبفضل هذا المقياس أصبح بالإمكان حساب مستوى الذكاء، أو ما اصطلح عليه معامل الذكاء (IQ) Intelligence Quotient عند الفرد، وذلك بعد معرفة عمره الزمني (CA) Chronological Age وعمره العقلي
(MA) Mental Age وللوصول إلى ذلك يطرح أمام الفرد(الطفل) الرائز المخصص لعمره الزمني. فإذا لم يستطع أن يجيب على جميع الأسئلة التي يتضمنها هذا الرائز بصورة صحيحة يطلب منه حل رائز آخر مخصص لسن دون سنه. وإذا لم يتمكن من الإجابة على أسئلته يطلب منه حل اختبار آخر مخصص لسن دون السن التي خصص لها الرائز الثاني وهكذا إلى أن يتوصل إلى الإجابة الصحيحة على أسئلة أو مسائل الرائز المقترح. وفي حال تمكنه من حل الرائز المخصص لسنه يوضع أمامه رائز ثان مخصص لسن أكبر، فإن عجز عن حل مسائله كان ذا ذكاء متوسط. وإن تمكن من حلها يطرح عليه رائز ثالث مخصص لمن هم أكبر منه بعامين... وهكذا يتواصل تقديم الروائز المخصصة للسنوات الأعلى المتتالية إلى أن يبدي الطفل عجزه عن حل مسائل الرائز المقترح. ويحسب معامل الذكاء وفق الصيغة التالية:
العمر العقليMA) )
العمر الزمنيCA))
وللتوضيح نسوق المثال التالي: إذا كان المفحوص هو طفل في الثامنة من العمر، فإن الرائز الأول الذي ينبغي طرحه عليه هو الرائز المخصص لهذا العمر. ولنفترض أن هذا الطفل نجح في حل مسائل هذا الرائز ولكنه أخفق في حل مسائل رائز مخصص لسن أعلى من سنه، أي للسن التاسعة، فإن معامل ذكائه يكون 8/8 × 100 = 100. وهذا يعني أنه متوسط الذكاء.
ولنفترض أيضاً أن هذا الطفل لم يتمكن من حل مسائل الرائز المخصص لسنه، ولكنه استطاع أن يجيب على أسئلة الرائز المخصص لأبناء السابعة من العمر، فإن معامل ذكائه يكون: 7/8 × 100 = 87.5 وهذا الرقم يدل على أن مستوى ذكاء الطفل دون المتوسط وإن هو أخفق في حل مسائل الرائز المخصص لأبناء السابعة، وطرح عليه الرائز المخصص لأبناء السادسة، وتمكن من حل مسائله، فإن معامل ذكائه يكون: 6/8 × 100 = 75 وهذا يعني أنه ضعيف الذكاء.
وفي حال تمكن طفل في نفس السن(الثامنة) من حل مسائل الرائز المخصص لسن التاسعة، ولم يفلح في تقديم إجابات صحيحة على أسئلة الرائز التالي المخصص لأطفال العاشرة من العمر، فإن معامل ذكائه يساوي 9/8 × 100 = 112.5، أي أن ذكاءه فوق المتوسط.
ويتبين من خلال ما سبق أن بينيه ومن سار في طريقه ينظرون إلى الذكاء بوصفه تركيباً محدداً وثابتاً طوال حياة الفرد، ومسؤولاً عن الفروق بين الناس في التحصيل الدراسي والنشاطات الحياتية المختلفة. إنه، في رأيهم، موروث مثلما هو الحال بالنسبة للطول ولون البشرة، وتتحكم به المورثات التي ينقلها الآباء إلى الأبناء. وعليه فإن ما يعنيه القياس على نحو ما اقترحه بينيه هو تبيان مقدار ما ورثه الطفل عن أبويه من ذكاء، وتقرير مصيره في ضوء ذلك.
وهكذا تلتقي آراء غالتون وكاتل وبينيه بتعاليم النظريات التطورية حول دور الوراثة في الذكاء وتفاوت نسبته بين الناس. إنها تشكل امتداداً لها وتعميماً لمفاهيمها على الصعيد النفسي. فمن المعروف أن مبدأ التكيف مع الوسط الخارجي هو أحد الجوانب الأساسية لتلك النظريات، وأنه يشتمل، في الوقت ذاته، على مفهوم أساسي من مفاهيمها وهو الاصطفاء الطبيعي. فتحقق الأول كغاية يستدعي، بالضرورة، وجود الثاني كمظهر من مظاهر الوراثة. ولقد وجد هؤلاء العلماء وأضرابهم أن قوانين الوراثة ومفاهيمها هي القادرة على إعطاء تفسير سليم للفروق الفردية على الصعيدين النفسي والجسمي. وهذا ما يتجلى عبر نظرتهم إلى طبيعة الذكاء وتوزيعه بين الناس، وبصورة أوضح في دراستهم التي رموا من ورائها إلى تأكيد تلك النظرة.
وإذا كانت البحوث الميدانية تظهر أن من يتمتعون بقدر متوسط من الذكاء يؤلفون الأكثرية العظمى من الناس، وأن عدد الأفراد يتناقص كلما انحرف ذكاؤهم صعوداً أو هبوطاً عن المتوسط، فإن أصحاب هذا الاتجاه يعزون السبب إلى العامل الوراثي. ويرون أن الفروق بين الناس في الذكاء ظاهرة طبيعية وحتمية تمليها قوانين الوراثة العضوية، ولا دخل لظروف التنشئة الاجتماعية للفرد "ولذا فإن نسبة الذكاء المستمدة من اختبار ذكاء دقيق في فترة الطفولة- كما يقرر فرنون، أحد ممثلي هذا الاتجاه- تبين المستوى التربوي والمهني اللذين يمكن توقعهما للفرد في حياته المدرسية المقبلة، وفي حياته العلمية عندما يبلغ الرشد"(فرنون، 1988، 16).
وبصرف النظر عن الخلفيات الفكرية والاجتماعية لهؤلاء العلماء، فإنهم قدموا لعلم النفس من الجهد والعمل ما وسعهم، وأمدوه بوسائل وأدوات جديدة للبحث كثمرات طيبة لما بذلوه. فقد قوبل مقياس بينيه- سيمون بإعجاب واهتمام كبيرين من قبل العديد من السيكولوجيين، أمثال هنري جودارد Henry Goddard(الولايات المتحدة الأمريكية) وسيريل بيرت Syril Burt(في انكلترا). ونقل هذان العالمان المقياس إلى اللغة الانكليزية. وبعد أعوام قليلة، وفي عام 1916 تحديداً، أجرى لويس تيرمان Lewis Terman الأستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية مراجعة شاملة للمقياس وقام بتقنينه وأطلق عليه تواضعاً مقياس ستانفورد- بينيه. ثم أعاد تيرمان نفسه بمساعدة مود ميريل Moud Merril النظر في المقياس مرة ثانية. وظهر المقياس عام 1937 بصورتين متكافئتين(ل) و(م) (L)and(M) ليحمل هذه المرة اسم مقياس تيرمان- ميريل*. وفي عام 1960 قام أ. ماكنيمارا O. Mcnemara بمراجعة جديدة للمقياس أسفرت عن جمع الصورتين معاً.
كما لاقت دراسات غالتون وكاتل وتقنيات البحث التي ابتكراها استحساناً كبيراً وانتشاراً واسعاً. وجرى العمل على تطويرها وتحسين فعاليتها من جانب الأجيال اللاحقة من علماء النفس، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية. واكتسب مصطلح الرائز Test الذي أطلقه غالتون على الاختبارات التي كان يجريها في مخبره الأنتروبومتري شعبية كبيرة.
وما إن نشر كاتل مقالته(الروائز والمقاييس العقلية) عام 1890 في مجلة Mind مع خاتمة لغالتون حتى أصبح هذا المصطلح(الرائز) واحداً من أكثر المصطلحات السيكولوجية شيوعاً واستعمالاً. وعلى الأرجح أن تكون التحديدات الجديدة والأحكام الجريئة التي حملتها المقالة، وكذا حالة التأهب والاستعداد التي كانت موجودة لدى جمهور المشتغلين والمهتمين بعلم النفس وراء النجاح الذي أحرزه المصطلح ومدلولاته العلمية. فقد جاءت المقالة لتشدد على القيمة العلمية للروائز كطريقة في القياس النفسي، وأهميتها العملية كوسيلة للتعرف على السمات والخصائص النفسية لدى الناس والوقوف على الفروق القائمة بينهم.
لقد كان كاتل رجلاً عملياً. ولعل أكثر ما شغله وتحمس له طوال حياته العلمية هو موضوع الفروق الفردية. ولهذا نجده يشرع بتطبيق روائزه في المخبر الذي أنشأه في جامعة كولومبيا عام 1891. وفي تلك الفترة تقريباً أدخلت المخابر الأمريكية الأخرى هذه الطريقة وصارت تستخدمها. وحمل هذا الوضع معه أسباب نشوء مراكز خاصة تعنى بشؤون التنسيق بين نشاط تلك المخابر. ففي عامي 1895 و1896 تشكلت في الولايات المتحدة الأمريكية لجنتان على المستوى القومي للقيام بهذه المهمة.
ومن الناحية الثانية فإن تقنيات معالجة ما تقدمه الروائز من معطيات تتعلق بقدرات تلاميذ المدارس وعمال المصانع والمرضى وغيرهم استأثرت باهتمام معظم العلماء. ولقد ذكرنا سابقاً أن شغف غالتون بدراسة الفروق الفردية حفزه إلى وضع مجموعة من الاختبارات وتحديد أساليب تطبيقاتها والبحث في كيفية التعامل مع البيانات والمعطيات التي تسفر عن استخدامها. ومن أهم وسائل معالجة تلك البيانات والمعطيات التي بدأ بتطبيقها هي طريقة الارتباط بين السمات العقلية. ويعتبر عمل غالتون هذا مشروعاً بذل الباحثون أمثال بيرسون ووليام براون وسيريل بيرت وجود فري تومسون وتشارلز سبيرمان جهوداً ضخمة من أجل إثرائه وتطويره(فلوجل 1979، 95).
صاغ تشارلز سبيرمان(1860- 1943م) نظريته في القياس النفسي والفروق الفردية على أسس التحليل الرياضي للنتائج التي يقود إليها تطبيق الروائز. وتعد هذه النظرية أول نظرية تعتمد على التحليل العاملي. فبينما كان بينيه وسيمون يعدان قياسهما، نشر سبيرمان عام 1904 مقالة بعنوان "الذكاء، تحديده وقياسه موضوعياً" أرسى بها القواعد الأولية للاتجاه الجديد.
عرض سبيرمان أفكار معاصريه حول بناء الاختبارات وأساليب معالجة نتائجها. وعاب عليها اقتصارها على القدرات العقلية البسيطة وغياب التحديد الدقيق للذكاء. وبناء على ذلك صنف الباحثين إلى فئات ثلاث: تنظر الفئة الأولى منها إلى الذكاء كقدرة أو ملكة تجعلنا قوتها أو ضعفها نميز إنساناً من آخر(النظرية المونارشية Monarchic)، وتنظر الثانية إليه بوصفه مركباً من قدرات أو ملكات مستقلة، كالاستدلال والتخيل والتذكر والانتباه الإرادي(النظرية الأوليغارشية Oligarchic)، بينما ترى الفئة الثالثة أنه مؤلف من عدد كبير من القدرات التي تفتقر إلى العلاقات القوية التي توحدها(النظرية الفوضوية Anarchic). وكبديل لهذه الأفكار أو النظريات اقترح سبيرمان نظريته التي عرفت بنظرية العامِلَيْن. والفكرة الأساسية لهذه النظرية تتمثل في وجود عامل واحد تشترك فيه كل القدرات العقلية. وقد أطلق على هذا العامل العامل العام. ورمز إليه بحرف G(الحرف الأول من كلمة General الانكليزية وتعني العام). وبالإضافة إلى ذلك فإن تلك القدرات يختلف بعضها عن بعض، وتحتوي كل واحدة منها مكوناً خاصاً بها، أطلق عليهالعامل الخاص، ورمز إليه بحرفS (الحرف الأول من كلمة Specific) الانكليزية وتعني الخاص).
إن ما قصده سبيرمان من وراء طرحه لهذه الفرضية هو إثبات صحة ما تقود إليه الاختبارات العقلية من نتائج. فقد لاحظ أن ثمة ارتباطاً موجباً بين نتائج الاختبارات المختلفة على الرغم من تفاوتها وتمايزها. ولعله من المنطقي أن يطرح على سبيرمان سؤال حول طبيعة العاملين. وفي معرض الإجابة على هذا السؤال شبه سبيرمان العامل العام بطاقة المخ والعامل الخاص بالآلات، والنزوع بمهندس يشرف على تصريف هذه الطاقة وتشغيل تلك الآلات. بيد أن إجابته لم تكن لتقنع معارضيه. وظل السؤال مطروحاً على أتباعه من بعده.
ومع التذكير بالتحفظات التي أبداها سبيرمان على استخدام مصطلح الذكاء، فإنه كان يشاطر مستخدميه الرأي حول أهمية الوراثة ودورها الأساسي في الحياة الذهنية للفرد، ويؤكد أن العامل G يتكون بالضرورة عن طريق الوراثة.
ومهما يكن من أمر فقد فتح سبيرمان الباب أمام مناقشات أكثر حدة وأوسع نطاقاً حول مسائل علم النفس الفارقي وطرائقه.
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح