يرجع الفضل في ظهور ما يسمى بعلم النفس الموضوعي إلى العالم الفرنسي هنري بييرون H. PIERON (1881-1964م). فقد بدأ هذا العالم حياته العلمية من العقد الأول من القرن العشرين بمعارضة النظريات التي اتخذت من الاستبطان منهجاً في دراسة ظواهر الوعي. وكان حينذاك في فكره وموقفه إزاء ما يجري على ساحة علم النفس من محاورات ومناظرات أقرب إلى السلوكية. إذ وجد في هذه المرحلة المبكرة(1908) أن مادة علم النفس تتمثل بصورة أساسية في السلوك. واعتقد أن توجه العلماء نحو هذا الموضوع هو الطريق الذي يحرر هذا العلم من النزعة الذاتية ويجعله يتبوأ المكانة المناسبة واللائقة بين العلوم. وقد كتب فيما بعد حول موقفه هذا يقول: "رفضت منذ بداية تكون فكري دراسة ظواهر الوعي دراسة ذاتية، وأكدت شرعية علم البيولوجيا عن أشكال سلوك الإنسان والحيوانات، والذي كان في نظري هو علم النفس حتى قبل أن تنتشر "السلوكية" السيكولوجية التي أعلن ج. واتسون عن خصوصيتها الأمريكية المتمثلة فقط في مبالغات هي بكل بساطة صبيانية في غالب الأحيان"(PIERON, 1958, VIII).
ومهما يكن من أمر صلة بييرون بسلوكية واتسون وأتباعه، فإنه لابد من ملاحظة البون بين فهم كل من الطرفين للسلوك. صحيح أنهما كلاهما تحدثا عن السلوك كأساس للنهوض بعلم طبيعي ودقيق، ولكن بييرون ينظر إلى هذا الأساس من زاوية تكامل بعديه: التنفيذي(الحركي) والتوجّهي(النفسي). ولعله في هذا تأثر بمواقف بعض العلماء الفرنسيين تجاه القضايا المطروحة على بساط البحث السيكولوجي. وربما يجيء موقف جانيه في طليعة المواقف التي شددت على وحدة النفس والفعل وعارضت فهم السلوكية لها. وهو الموقف الذي ترجمه صاحبه من خلال طرحه لمفهومي LA CONDUITE, LE COMPARTEMENT والحدود التي رسمها لكل منهما. فقد عنى بالمفهوم الأول(LA CONDUITE) مجمل الفعالية التي تصدر عن العضوية والتي تقبل الملاحظة. وعنى بالمفهوم الثاني شكل الفعل وصورة النشاط ذات المحتوى النفسي.
ومن هذا التصور الذي وضعه جانيه انطلق بييرون في وضع منهجه الموضوعي. وفي ضوئه أيضاً لاحت له المهمة المركزية للبحث السيكولوجي متجسدة في دراسة استجابات العضوية وأفعالها تحت تأثير الشروط المحيطة المتغيرة وصولاً إلى القوانين التي تتحكم بكافة أنواع النشاط النفسي ومستوياته. يقول بييرون: "بدلاً من محاولة دراسة الظاهرة العقلية بحد ذاتها التي تعتبر ارتداداً لتأثير البيئة عليّ والتي تحضر استجاباتي عليها، أستطيع أن أتوجه نحو استجابات الكائنات الشبيهة بي. هذه الاستجابات التي هي-بالنسبة لي- موضوع الحس كسائر الأحداث الأخرى في العالم الفيزيائي"(PIERON, 1958, 46). ومما تنبغي الإشارة إليه هنا هو أن هذه التحديدات أسهمت بشكل فعال وإيجابي في دحض مزاعم أصحاب الاتجاه الذاتي ومنهج الاستبطان.
وإذا كان بييرون قد توصل إلى هذه المبادئ بفضل آراء بعض مواطنيه من العلماء، فإن أثر الأفكار التطورية والتعاليم البافلوفية لم يكن أقل شأناً وبروزاً في إنشاءاته النظرية. وربما تحمل كلماته السابقة إشارات إلى ارتباطه بتلك النظريات. وللتوضيح نقول أن بييرون صاغ آراءه وأفكاره على مبدأ وحدة الكائن الحي والبيئة الخارجية. وعبر هذه الوحدة يرى أن العلاقة بينهما ليست أحادية الجانب، حيث يمارس أحد طرفيها(البيئة) تأثيره على الطرف الآخر(الكائن الحي)، وإنما هي علاقة تفاعل متبادل، دائم ومستمر. ويزداد حجم هذه العلاقة وتعقيدها مع زيادة تعقيد بنية العضوية وشروط البيئة.
وبما أن الكائن الحي يتأثر بمحيطه ويؤثر فيه، فقد ذهب بييرون إلى القول بوجود خاصيتين(قدرتين) أساسيتين للفرد: خاصية الحس وخاصية الفعل(القدرة على الاستقبال والقدرة على الإرسال). وهاتان الخاصيتان تؤلفان كلاً واحداً لا ينفصم. ولهذا فالقضية الأساسية- بالنسبة له- تتجسم في مدلولات وحدة النفس والفعل، والتعبير عنها بمصطلحات سيكولوجية تغطي البعد الخارجي بما يحتويه من استجابات حركية عيانية، والبعد الداخلي الذي يتألف من العمليات والحالات النفسية.
ورأى بييرون أن إحساساتنا البسيطة إنما تنشأ نتيجة فعالية العضوية حيال التأثيرات الخارجية. وتتجلى هذه الفعالية في توظيف العناصر الحركية من أعضاء الحس إلى جانب النشاط الحركي الذي يقوم به الجهاز العضلي. وزيادة على هذا فإن دور الاستجابات لا يقتصر على مجرد الرد على المنبهات الخارجية واكتساب المهارات والعادات مثلما يقول السلوكيون، بل يتعداها إلى المشاركة في توصيل المعلومات التي تستقبلها العضوية من الخارج إلى القشرة الدماغية. وبكلمات أخرى فإن الاستجابات هي الشرط الضروري لظهور الإحساسات باعتبارها أحد عناصر منظومة الارتباطات المتكونة.
إن بييرون، حينما يتحدث عن الإحساسات والإدراكات ويتقصى آليات عملها وقوانين تشكلها وتطورها فإنه يعتمد على نظرية الانعكاس. وهذا ما توضحه النتيجة التي توصل إليها، وهي أن النشاط الإدراكي يخضع لقوانين العلاقات الشرطية.
ومما لاشك فيه أن آراء بييرون حول النشاط الحسي والإدراكي تكتسي أهمية نظرية ومنهجية. فمن خلال دراسة الفعالية العضوية في علاقتها التفاعلية مع المحيط قدم وصفاً دقيقاً ومفصلاً لمختلف أشكال الاستجابات التي تضمن إمكانية تشكل سلوك متكيف مع العالم المادي والاجتماعي المعقد. فقد حدد تأثير المنبهات الخارجية على العضوية بأنه تأثير حركي مستخدماً الكلمة اليونانية KINETIKOS التي تدل على كل ما له صلة بالحركة. وعندما تتغير تلك المنبهات وتتدخل منبهات أخرى جديدة، فإن التأثير يكون استكشافياً. وهو ما عبر عنه بالكلمة اللاتينية PROSEQUIR. أما في الشكل الأخير للاستجابة فيتم إلحاق أو انضمام النزعة HORME إلى التنظيم، مما يضفي على الاستجابة صبغة انفعالية.
وفيما يتعلق بالنفس فإن بييرون ومن منطلق التطورية يؤكد على أنها تؤدي وظيفة تنظيم سلوك الفرد وتوجهه في المحيط الخارجي. ولعله من باب المقارنة والتداعي أن نثبت التقارب بين وجهتي نظر كل من بييرون وعلماء النفس الوظيفيين حول هذه المسألة المركزية. غير أنه تقارب تفرضه الخلفية الفكرية الواحدة والمنطلق المشترك إلى حين. فسرعان ما يحل مكانه التباعد والاختلاف حالما يقع بصرنا على امتداد ذلك البعد الجدلي الذي يميز التفسير البييروني لتلك المسألة. وآية ذلك أن بييرون يهتدي إلى الدور المنظم الذي تضطلع به النفس في ضوء علاقتها الخاصة بالبيئة. حيث تبدو عبرها كشكل خاص من أشكال وجود البيئة داخل العضوية. وفي درجة معينة من الرقي الذي يصير إليه العالم العضوي خلال تطوره تصبح صفات الموضوعات الخارجية وخصائصها قادرة على توجيه الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي عن طريق انتقالها إلى داخل العضوية وتحولها إلى ظواهر خاصة، أي إلى إحساسات.
ويبقى أن نشير إلى موقف بييرون المناهض للنظريات العرقية والعنصرية، وجهوده الضخمة التي بذلها من أجل التدليل على أن القدرات العقلية تتشكل وتتطور عبر علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية المختلفة، وليس عن طريق المورثات التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء محددة مقدارها ونصيب كل طبقة أو شعب منها. لقد كان إيمانه قوياً في قدرة أي فرد أو شعب كان على تمثل منجزات العصر والمشاركة الإيجابية في رقيها وتطورها إذا ما توافرت الشروط الاجتماعية اللازمة لتكون ونمو مختلف مظاهر الوعي عنده.
وبذا يكون بييرون قد أثبت مرة أخرى تمسكه بالعلاقة الوطيدة بين النشاط والوعي التي عني بإبرازها وتطويرها كل من فالون وبياجيه.
بوح الروح
ومهما يكن من أمر صلة بييرون بسلوكية واتسون وأتباعه، فإنه لابد من ملاحظة البون بين فهم كل من الطرفين للسلوك. صحيح أنهما كلاهما تحدثا عن السلوك كأساس للنهوض بعلم طبيعي ودقيق، ولكن بييرون ينظر إلى هذا الأساس من زاوية تكامل بعديه: التنفيذي(الحركي) والتوجّهي(النفسي). ولعله في هذا تأثر بمواقف بعض العلماء الفرنسيين تجاه القضايا المطروحة على بساط البحث السيكولوجي. وربما يجيء موقف جانيه في طليعة المواقف التي شددت على وحدة النفس والفعل وعارضت فهم السلوكية لها. وهو الموقف الذي ترجمه صاحبه من خلال طرحه لمفهومي LA CONDUITE, LE COMPARTEMENT والحدود التي رسمها لكل منهما. فقد عنى بالمفهوم الأول(LA CONDUITE) مجمل الفعالية التي تصدر عن العضوية والتي تقبل الملاحظة. وعنى بالمفهوم الثاني شكل الفعل وصورة النشاط ذات المحتوى النفسي.
ومن هذا التصور الذي وضعه جانيه انطلق بييرون في وضع منهجه الموضوعي. وفي ضوئه أيضاً لاحت له المهمة المركزية للبحث السيكولوجي متجسدة في دراسة استجابات العضوية وأفعالها تحت تأثير الشروط المحيطة المتغيرة وصولاً إلى القوانين التي تتحكم بكافة أنواع النشاط النفسي ومستوياته. يقول بييرون: "بدلاً من محاولة دراسة الظاهرة العقلية بحد ذاتها التي تعتبر ارتداداً لتأثير البيئة عليّ والتي تحضر استجاباتي عليها، أستطيع أن أتوجه نحو استجابات الكائنات الشبيهة بي. هذه الاستجابات التي هي-بالنسبة لي- موضوع الحس كسائر الأحداث الأخرى في العالم الفيزيائي"(PIERON, 1958, 46). ومما تنبغي الإشارة إليه هنا هو أن هذه التحديدات أسهمت بشكل فعال وإيجابي في دحض مزاعم أصحاب الاتجاه الذاتي ومنهج الاستبطان.
وإذا كان بييرون قد توصل إلى هذه المبادئ بفضل آراء بعض مواطنيه من العلماء، فإن أثر الأفكار التطورية والتعاليم البافلوفية لم يكن أقل شأناً وبروزاً في إنشاءاته النظرية. وربما تحمل كلماته السابقة إشارات إلى ارتباطه بتلك النظريات. وللتوضيح نقول أن بييرون صاغ آراءه وأفكاره على مبدأ وحدة الكائن الحي والبيئة الخارجية. وعبر هذه الوحدة يرى أن العلاقة بينهما ليست أحادية الجانب، حيث يمارس أحد طرفيها(البيئة) تأثيره على الطرف الآخر(الكائن الحي)، وإنما هي علاقة تفاعل متبادل، دائم ومستمر. ويزداد حجم هذه العلاقة وتعقيدها مع زيادة تعقيد بنية العضوية وشروط البيئة.
وبما أن الكائن الحي يتأثر بمحيطه ويؤثر فيه، فقد ذهب بييرون إلى القول بوجود خاصيتين(قدرتين) أساسيتين للفرد: خاصية الحس وخاصية الفعل(القدرة على الاستقبال والقدرة على الإرسال). وهاتان الخاصيتان تؤلفان كلاً واحداً لا ينفصم. ولهذا فالقضية الأساسية- بالنسبة له- تتجسم في مدلولات وحدة النفس والفعل، والتعبير عنها بمصطلحات سيكولوجية تغطي البعد الخارجي بما يحتويه من استجابات حركية عيانية، والبعد الداخلي الذي يتألف من العمليات والحالات النفسية.
ورأى بييرون أن إحساساتنا البسيطة إنما تنشأ نتيجة فعالية العضوية حيال التأثيرات الخارجية. وتتجلى هذه الفعالية في توظيف العناصر الحركية من أعضاء الحس إلى جانب النشاط الحركي الذي يقوم به الجهاز العضلي. وزيادة على هذا فإن دور الاستجابات لا يقتصر على مجرد الرد على المنبهات الخارجية واكتساب المهارات والعادات مثلما يقول السلوكيون، بل يتعداها إلى المشاركة في توصيل المعلومات التي تستقبلها العضوية من الخارج إلى القشرة الدماغية. وبكلمات أخرى فإن الاستجابات هي الشرط الضروري لظهور الإحساسات باعتبارها أحد عناصر منظومة الارتباطات المتكونة.
إن بييرون، حينما يتحدث عن الإحساسات والإدراكات ويتقصى آليات عملها وقوانين تشكلها وتطورها فإنه يعتمد على نظرية الانعكاس. وهذا ما توضحه النتيجة التي توصل إليها، وهي أن النشاط الإدراكي يخضع لقوانين العلاقات الشرطية.
ومما لاشك فيه أن آراء بييرون حول النشاط الحسي والإدراكي تكتسي أهمية نظرية ومنهجية. فمن خلال دراسة الفعالية العضوية في علاقتها التفاعلية مع المحيط قدم وصفاً دقيقاً ومفصلاً لمختلف أشكال الاستجابات التي تضمن إمكانية تشكل سلوك متكيف مع العالم المادي والاجتماعي المعقد. فقد حدد تأثير المنبهات الخارجية على العضوية بأنه تأثير حركي مستخدماً الكلمة اليونانية KINETIKOS التي تدل على كل ما له صلة بالحركة. وعندما تتغير تلك المنبهات وتتدخل منبهات أخرى جديدة، فإن التأثير يكون استكشافياً. وهو ما عبر عنه بالكلمة اللاتينية PROSEQUIR. أما في الشكل الأخير للاستجابة فيتم إلحاق أو انضمام النزعة HORME إلى التنظيم، مما يضفي على الاستجابة صبغة انفعالية.
وفيما يتعلق بالنفس فإن بييرون ومن منطلق التطورية يؤكد على أنها تؤدي وظيفة تنظيم سلوك الفرد وتوجهه في المحيط الخارجي. ولعله من باب المقارنة والتداعي أن نثبت التقارب بين وجهتي نظر كل من بييرون وعلماء النفس الوظيفيين حول هذه المسألة المركزية. غير أنه تقارب تفرضه الخلفية الفكرية الواحدة والمنطلق المشترك إلى حين. فسرعان ما يحل مكانه التباعد والاختلاف حالما يقع بصرنا على امتداد ذلك البعد الجدلي الذي يميز التفسير البييروني لتلك المسألة. وآية ذلك أن بييرون يهتدي إلى الدور المنظم الذي تضطلع به النفس في ضوء علاقتها الخاصة بالبيئة. حيث تبدو عبرها كشكل خاص من أشكال وجود البيئة داخل العضوية. وفي درجة معينة من الرقي الذي يصير إليه العالم العضوي خلال تطوره تصبح صفات الموضوعات الخارجية وخصائصها قادرة على توجيه الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي عن طريق انتقالها إلى داخل العضوية وتحولها إلى ظواهر خاصة، أي إلى إحساسات.
ويبقى أن نشير إلى موقف بييرون المناهض للنظريات العرقية والعنصرية، وجهوده الضخمة التي بذلها من أجل التدليل على أن القدرات العقلية تتشكل وتتطور عبر علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية المختلفة، وليس عن طريق المورثات التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء محددة مقدارها ونصيب كل طبقة أو شعب منها. لقد كان إيمانه قوياً في قدرة أي فرد أو شعب كان على تمثل منجزات العصر والمشاركة الإيجابية في رقيها وتطورها إذا ما توافرت الشروط الاجتماعية اللازمة لتكون ونمو مختلف مظاهر الوعي عنده.
وبذا يكون بييرون قد أثبت مرة أخرى تمسكه بالعلاقة الوطيدة بين النشاط والوعي التي عني بإبرازها وتطويرها كل من فالون وبياجيه.
بوح الروح
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:08 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * الحُــــبّ
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:06 am من طرف بوح الروح
» * * * * * وبيسألوني ... !!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 8:04 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادنا ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:59 am من طرف بوح الروح
» * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:57 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ...
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:55 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * في بلادي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:53 am من طرف بوح الروح
» * * * * * قالوا لي ..!!!!!
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:51 am من طرف بوح الروح
» * * * * * * مِن غيرتي ..
الأربعاء أبريل 01, 2015 7:49 am من طرف بوح الروح